الدرس 90 الجزء الثالث ‌‌تنبيهات هامة على ما كتبه الشيخ محمد علي الصابوني

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 17 شعبان 1445هـ | عدد الزيارات: 98 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وبعد:

* تقليد الأئمة الأربعة:

لا يجب تقليد أحد من الأئمة الأربعة ولا غيرهم مهما كان علمه؛ لأن الحق في اتباع الكتاب والسنة لا في تقليد أحد من الناس، وإنما قصارى الأمر أن يكون التقليد سائغا عند الضرورة لمن عرف بالعلم والفضل واستقامة العقيدة كما فصل ذلك العلامة ابن القيم - رحمه الله - في كتابه إعلام الموقعين. ولذلك كان الأئمة - رحمهم الله - لا يرضون أن يؤخذ من كلامهم إلا ما كان موافقا للكتاب والسنة. قال الإمام مالك - رحمه الله -: ((كل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر)) يشير إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهكذا قال إخوانه من الأئمة في هذا المعنى.
فالذي يتمكن من الأخذ بالكتاب والسنة يتعين عليه ألا يقلد أحدا من الناس ويأخذ عند الخلاف بما هو أقرب الأقوال لإصابة الحق، والذي لا يستطيع ذلك فالمشروع له أن يسأل أهل العلم كما قال الله عز وجل: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (النحل 43)
* إن شيخ الإسلام - رحمه الله - من أعلم المجتهدين وقد توافرت فيه شروط الاجتهاد، وانتسابه إلى المذهب الحنبلي لا يخرجه عن ذلك لأن المقصود من ذلك موافقته لأحمد في أصول مذهبه وقواعده، وليس المقصود من ذلك أنه يقلده فيما قاله بغير حجة وإنما كان يختار من الأقوال أقربها إلى الدليل حسبما يظهر له - رحمه الله -

*مذهب الأشاعرة هل هو حق أم ضلال؟ :
لا شك أنه ضل بسبب الخلاف في العقيدة فرقٌ كثيرة كالمعتزلة والجهمية والرافضة والقدرية وغيرهم، وأيضا الأشاعرة ضلوا فيما خالفوا فيه الكتاب والسنة وما عليه خيار هذه الأمة من أئمة الهدى من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين لهم بإحسان والأئمة المهتدين فيما تأولوه من أسماء الله وصفاته على غير تأويله، وأبو الحسن الأشعري - رحمه الله - ليس من الأشاعرة. وإن انتسبوا إليه لكونه رجع عن مذهبهم واعتنق مذهب أهل السنة، فمدح الأئمة له ليس مدحا لمذهب الأشاعرة.
ولا يصح أن يرمى من اعترض على الأشاعرة فيما خالفوا فيه عقيدة أهل السنة بالجهل لأن حقيقة الجهل هو القول على الله بغير علم، أما من أخذ بالكتاب والسنة وقواعد الشرع المعتبرة وسار على طريق سلف الأمة وأنكر على من تأول أسماء الله وصفاته أو شيئا منها على غير تأويلها فإنه لا يرمى بالجهل .

* إن قوامة الرجال على النساء قوامة تكليف وتشريف لقول الله جل وعلا: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا} (النساء 34) فأوضح سبحانه أنه جعل الرجال قوامين على النساء لأمرين: أحدهما: فضل جنس الرجال على جنس النساء. والأمر الثاني قيام الرجال بالإنفاق على النساء بما يدفعونه من المهور وغيرها من النفقات.

* الفرق المخالفة لأهل السنة متفاوتون في أخطائهم، فليس الأشاعرة في خطئهم كالخوارج والمعتزلة والجهمية بلا شك، ولكن ذلك لا يمنع من بيان خطأ الأشاعرة فيما أخطأوا فيه ومخالفتهم لأهل السنة في ذلك كما قد بين خطأ غيرهم لإظهار الحق وبيان بطلان ما يخالفه تبليغا عن الله سبحانه وعن رسوله صلى الله عليه وسلم وحذرا من الوعيد المذكور في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} (البقرة 159) {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (البقرة 160). ثم يقال: ليس الأسلم تفويض الأمر في الصفات إلى علام الغيوب لأنه سبحانه بينها لعباده وأوضحها في كتابه الكريم وعلى لسان رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم ولم يبين كيفيتها، فالواجب تفويض علم الكيفية لا علم المعاني وليس التفويض مذهب السلف بل هو مذهب مبتدع مخالف لما عليه السلف الصالح.

  • (نجتمع على ما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه) .
    نعم يجب أن نتعاون فيما اتفقنا عليه من نصر الحق والدعوة إليه والتحذير مما نهى الله عنه ورسوله، أما عذر بعضنا لبعض فيما اختلفنا فيه فليس على إطلاقه بل هو محل تفصيل، فما كان من مسائل الاجتهاد التي يخفى دليلها فالواجب عدم الإنكار فيها من بعضنا على بعض، أما ما خالف النص من الكتاب والسنة فالواجب الإنكار على من خالف النص بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن عملا بقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (المائدة 2)

‌‌ * الفُرقة مذمومة والحكم عند التنازع للكتاب والسنة:
ولا شك أن هذا التفرق يؤلم كل مسلم ويجب على المسلمين أن يجتمعوا على الحق ويتعاونوا على البر والتقوى، ولكن الله سبحانه قدر ذلك على الأمة لحكم عظيمة وغايات محمودة يحمد عليها سبحانه ولا يعلم تفاصيلها سواه، ومن ذلك التمييز بين أوليائه وأعدائه والتمييز بين المجتهدين في طلب الحق والمعرضين عنه المتبعين لأهوائهم إلى حكم أخرى، وفي ذلك تصديق لنبيه صلى الله عليه وسلم ودليل على أنه رسول الله حقا لكونه صلى الله عليه وسلم قد أخبر عن هذا التفرق قبل وقوعه فوقع كما أخبر حيث قال صلى الله عليه وسلم: «ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ". قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: " هي الجماعة » (جاء الحديث في سنن أبي داود السنة رقم (4597) ، ومسند أحمد بن حنبل رقم (4/102) ، وسنن الدارمي السير رقم (2518)) .

وهذا يوجب على المسلمين أن يجتمعوا على الحق وأن يردوا ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول لقول الله عز وجل: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (النساء 59)

‌‌حقيقة مذهب أهل السنة:

* ذكر الصابوني أن أهل السنة اشتهروا بمذهبين اثنين أحدهما مذهب السلف والآخر مذهب الخلف. . . إلخ.
والجواب أن يقال: هذا غلطٌ بَيِّنٌ لم يسبقه إليه أحدٌ ،فيما أعلم، فإن مذهب أهل السنة واحد فقط وهو ما درج عليه أصحاب رسول الله وأتباعهم بإحسان وهو إثبات أسماء الله وصفاته وإمرارها كما جاءت، والإيمان بأنها حق وأن الله سبحانه موصوف بها على الوجه الذي يليق بجلاله من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل ولا تأويل لها عن ظاهرها ولا تفويض، بل يؤمنون بأن معانيها معلومة وأنها حقا لائقة بالله سبحانه وتعالى لا يشابه خلقه في شيء منها، ومذهب الخلف بخلاف ذلك كما يعلم ذلك من قرأ كلام هؤلاء وكلام هؤلاء.
ثم ذكر أن أهل السنة يفوضون علم معاني الصفات إلى الله وكرر ذلك في غير موضع وقد أخطأ في ذلك ونسب إليهم ما هم براء منهم

* أهل السنة لا ينفون عن الله إلا ما نفاه عن نفسه:

فإن أهل السنة لا ينفون عن الله إلا ما نفاه عن نفسه أو نفاه رسوله صلى الله عليه وسلم ولا يثبتون له إلا ما أثبته لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، ولم يرد في النصوص نفي هذه الأمور ولا إثباتها فالواجب الكف عنها وعدم التعرض لها لا بنفي ولا إثبات، ويغني عن ذلك قول أهل السنة في إثبات صفات الله وأسمائه أنه لا يشابه فيها خلقه وأنه سبحانه لا ند له ولا كفو له. قال الإمام أحمد - رحمه الله -: لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم لا يتجاوز القرآن والحديث.
وهذا هو معنى كلام غيره من أئمة السنة وأما ما وقع في كلام البيهقي - رحمه الله - في كتابه ((الاعتقاد)) من هذه الأمور فهو مما دخل عليه من كلام المتكلمين وتكلفهم، فراج عليه واعتقد صحته، والحق أنه من كلام أهل البدع لا من كلام أهل السنة.
* أهل السنة يثبتون لله عز وجل ما أثبته لنفسه دون أن يشبهوه بخلقه:

قال الصابوني ما نصه: ((أما ما يتخيله بعض الجهلة من أدعياء العلم اليوم الذين يصورون الله بصورة غريبة عجيبة ويجعلون الله تعالى كأنه جسم مركب من أعضاء وحواس له وجه ويدان وعينان وله ساق وأصابع وهو يمشي وينزل ويهرول، ويقولون في تقرير هذه الصفات أن الله يجلس كما يجلس الواحد على السرير وينزل كما ينزل أحدنا على الدرج - يريد بزعمه أن يقرر مذهب السلف الصالح للتلاميذ ويثبت لهم حقيقة معنى الاستواء والنزول وأنه جلوس حس لا كما يتأوله المؤولون، فهذا والعياذ بالله عين الضلالة لأنه شبه وجسم وهو كمن فر من حفرة صغيرة ليقع في هوة عميقة يتحطم فيها ويهوي فيها إلى مكان سحيق) أ. هـ.
وأقول: أن الأخ الصابوني - هداه الله - قد جمع في هذا الكلام حقا وباطلا يعلمه كل صاحب سنة. وإليك أيها القارئ المؤمن التفصيل في ذلك:
أما الوجه واليدان والعينان والساق والأصابع فقد ثبتت في النصوص من الكتاب والسنة الصحيحة وقال بها أهل السنة والجماعة وأثبتوها لله سبحانه على الوجه اللائق به سبحانه، وهكذا النزول والهرولة جاءت بها الأحاديث الصحيحة ونطق بها الرسول صلى الله عليه وسلم وأثبتها لربه عز وجل على الوجه اللائق به سبحانه من غير مشابهة لخلقه ولا يعلم كيفية هذه الصفات إلا هو سبحانه، فإنكار الصابوني هذه الصفات إنكار على النبي صلى الله عليه وسلم، بل إنكار على الله عز وجل لأنه سبحانه ذكر بعضها في كتابه العزيز وأوحى البعض الآخر لنبيه صلى الله عليه وسلم، فإنه صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى وإنما يخبر عن الله سبحانه بما أوحى إليه، فالصابوني - هداه الله - تارة يقول إنه يلتزم بمذهب أهل السنة وتارة يناقضه ويخالفه، فإنا لله وإنا إليه راجعون ونسأل الله لنا وله الهداية والرجوع إلى الحق.

* زعم الصابوني أن أول من كتب في أصول الدين ورد شبهات أهل الزيغ والضلال أبو الحسن الأشعري وأبو منصور الماتوريدي.
وهذا جزم غير صحيح فقد سبقهما في ذلك الإمام أبو حنيفة - رحمه الله - والإمام عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون والإمام مالك - رحمه الله - والإمام أحمد بن حنبل والإمام محمد بن إسحاق بن خزيمة والإمام عثمان ابن سعيد الدارمي في الرد على المريسي والإمام عبد العزيز الكناني صاحب الحيدة وغيرهم ممن لا يحصى.

* زعم الصابوني (إن السلف لهم مذهبان مذهب أهل التفويض ومذهب أهل التأويل)
والجواب: أن هذا التقسيم باطل وليس للسلف إلا مذهب واحد هو مذهب أهل السنة والجماعة وهم الصحابة رضي الله عنهم وأتباعهم بإحسان وهو الأسلم والأعلم والأحكم،

* أهل السنة لا يؤولون الصفات ولكن يجمعون النصوص ويفسرون بعضها ببعض.
قال الصابوني ما نصه ((ولا يظن أحد أننا نفضل مذهب الخلف على مذهب السلف، ولسنا على الرأي الذي يقوله علماء الكلام: مذهب السلف أسلم ومذهب الخلف أحكم، بل نقول عن إيمان ويقين أن مذهب السلف هو الأسلم وهو الأحكم فلا نحاول أن نؤول صفات الخالق جل وعلا بل نؤمن بها كما جاءت ونقر بها كما وردت مع نفي التشبيه والتجسيم)) . ثم استشهد بقول بعض الشعراء:
إن المفوض سالم … مما تكلفه المؤول.
والجواب أن يقال: قد أحسنت في اختيار مذهب السلف الصالح واعتقاد أنه الأسلم والأحكم والأعلم، ولكنك لم تثبت عليه بل تارة تختار مذهب التأويل وتارة تختار مذهب التفويض، والواجب على المؤمن الثبات على الحق وعدم التحول عنه.

والله المستعان

١٦ شعبان ١٤٤٥ هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 7 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر