الدرس 90 موقف المؤمن من الفتن 2

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 18 شعبان 1442هـ | عدد الزيارات: 451 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

معلوم أن الملاحدة والبعثيين وأشباههم أشر من اليهود والنصارى ، والملاحدة كلهم أشر من أهل الكتاب وشرهم أعظم ، فالاستعانة العارضة بطوائف من المشركين لصد عدوان العدو الأشر والأخبث لدفع عدوانه والقضاء عليه وحماية المسلمين من شره أمر جائز شرعاً حسب الأدلة والقواعد الشرعية ، أما ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الفتن والقعود عنها فمعروف عند أهل العلم وتفصيل ذلك فيما يلي :
يقول النبي صلى الله عليه وسلم " إنها ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم والقائم خير من الماشي والماشي خير من الساعي من يستشرف لها تستشرفه فمن استطاع أن يعوذ بملجأ أو معاذ فليفعل " ، قلت : جاء الحديث في صحيح البخاري عن أبي هريرة بهذا اللفظ"سَتَكُونُ فِتَنٌ القاعِدُ فيها خَيْرٌ مِنَ القائِمِ، والقائِمُ فيها خَيْرٌ مِنَ الماشِي، والماشِي فيها خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، ومَن يُشْرِفْ لها تَسْتَشْرِفْهُ، ومَن وجَدَ مَلْجَأً أوْ مَعاذًا فَلْيَعُذْ بهِ."

هذه الفتنة هي الفتن التي لا يظهر وجهها ولا يعلم طريق الحق فيها بل هي ملتبسة فهذه يجتنبها المؤمن ويبتعد عنها بأي ملجأ ومن هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم "يُوشِكُ أنْ يَكونَ خَيْرَ مَالِ المُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بهَا شَعَفَ الجِبَالِ ومَوَاقِعَ القَطْرِ، يَفِرُّ بدِينِهِ مِنَ الفِتَنِ." أخرجه البخاري .

ومن هذا قوله صلى الله عليه وسلم لما سئل : أي الناس أفضل ؟ قال : مؤمن مجاهد في سبيل الله ، قيل ثم من ؟ قال : مؤمن في شعب من الشعاب يعبد الله ويدع الناس من شره " ،قلت: جاء الحديث في صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري بهذا اللفظ "قِيلَ: يا رَسولَ اللَّهِ أيُّ النَّاسِ أفْضَلُ؟ فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مُؤْمِنٌ يُجَاهِدُ في سَبيلِ اللَّهِ بنَفْسِهِ ومَالِهِ، قالوا: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: مُؤْمِنٌ في شِعْبٍ مِنَ الشِّعَابِ يَتَّقِي اللَّهَ، ويَدَعُ النَّاسَ مِن شَرِّهِ." فالمقصود أن هذا عند خفاء الأمور وعند خوف المؤمن على نفسه يجتنبها أما إذا ظهر له الظالم من المظلوم والمبطل من المحق فالواجب أن يكون مع المحق ومع المظلوم ضد الظالم وضد المبطل كما قال صلى الله عليه وسلم " انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ، قيل : يا رسول الله كيف أنصره ظالماً ؟ قال : تحجزه عن الظلم فذلك نصره " أي منعه من الظلم هو النصر .قلت جاء الحديث في صحيح البخاري عن أنس بن مالك بهذا اللفظ "انْصُرْ أخاكَ ظالِمًا أوْ مَظْلُومًا فقالَ رَجُلٌ: يا رَسولَ اللَّهِ، أنْصُرُهُ إذا كانَ مَظْلُومًا، أفَرَأَيْتَ إذا كانَ ظالِمًا كيفَ أنْصُرُهُ؟ قالَ: تَحْجُزُهُ، أوْ تَمْنَعُهُ، مِنَ الظُّلْمِ فإنَّ ذلكَ نَصْرُهُ."

ولما وقعت الفتنة في عهد الصحابة رضي الله عنهم اشتبهت على بعض الناس وتأخر عن المشاركة فيها بعض الصحابة من أجل أحاديث الفتن كسعد ابن أبي وقاص ومحمد بن مسلمة وجماعة رضي الله عنهم ولكن فقهاء الصحابة الذين كان لهم من العلم ما هو أكمل قاتلوا مع عليٍ؛ لأنه أولى الطائفتين بالحق وناصروه ضد الخوارج وضد البغاة الذين هم من أهل الشام لما عرفوا الحق وأن علياً مظلوم وأن الواجب أن يُنصر وأنه هو الإمام الذي يجب أن يُتبع وأن معاوية ومن معه بغوا عليه بشبهة قتل عثمان .
والله جل وعلا يقول في كتابه العظيم " وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي " الحجرات 9 ، ما قال فاعتزلوا قال " فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين " الحجرات 9 ، فإذا عُرف الظالم وجب أن يُساعد المظلوم لقوله سبحانه " فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله " ، والباغون في عهد الصحابة معاوية وأصحابه والمعتدلة عليٌ وأصحابه فبهذا نصرهم أعيان الصحابة ، نصروا علياً وصاروا معه كما هو معلوم .
وقال في هذا المعنى صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح في قصة الخوارج " تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق " قلت: ورد الحديث في مسلم بهذا اللفظ"أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ ذَكَرَ قَوْمًا يَكونُونَ في أُمَّتِهِ، يَخْرُجُونَ في فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ، سِيمَاهُمُ التَّحَالُقُ قالَ: هُمْ شَرُّ الخَلْقِ، أَوْ مِن أَشَرِّ الخَلْقِ، يَقْتُلُهُمْ أَدْنَى الطَّائِفَتَيْنِ إلى الحَقِّ".

فقتلهم عليٌّ وأصحابُه وهم أولى الطائفتين بالحق ، وقال صلى الله عليه وسلم في حديث عمار " تقتل عماراً الفئة الباغية " قلت ورد الحديث في صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري بهذا اللفظ"ويْحَ عَمَّارٍ، تَقْتُلُهُ الفِئَةُ البَاغِيَةُ، يَدْعُوهُمْ إلى الجَنَّةِ، ويَدْعُونَهُ إلى النَّارِ"، فقتله معاوية وأصحابه في وقعة صفين ، فمعاوية وأصحابه بغاة لكن مجتهدون ظنوا أنهم مصيبون في المطالبة بدم عثمان كما ظن طلحة والزبير يوم الجمل ومعهم عائشة رضي الله عنها لكن لم يصيبوا فلهم أجر الاجتهاد وفاتهم أجر الصواب .

وعليٌ له أجر الاجتهاد وأجر الصواب جميعاً وهذه هي القاعدة الشرعية في حق المجتهدين من أهل العلم أنَّ من اجتهد في طلب الحق ونظر في أدلته من قاض أو مصلح أو محارب فله أجران إن أصاب الحق وأجرٌ واحدٌ إن أخطأ الحقَّ أجرُ الاجتهاد كما قال صلى الله عليه وسلم " إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد وأخطأ فله أجر " متفق على صحته قلت: جاء الحديث متفق على صحته عن عمرو بن العاص رضي الله عنه بهذا اللفظ"إذا حَكَمَ الحاكِمُ فاجْتَهَدَ ثُمَّ أصابَ فَلَهُ أجْرانِ، وإذا حَكَمَ فاجْتَهَدَ ثُمَّ أخْطَأَ فَلَهُ أجْرٌ"، فكل فتنة تقع على يد أي إنسان من المسلمين أو من المبتدعة أو من الكفار ينظر فيها فيكون المؤمن مع المحق ومع المظلوم ضد الظالم وضد المبطل وبهذا يُنصر الحق وتستقيم أمور المسلمين وبذلك يرتدع الظالم عن ظلمه ويعلم طالب الحق أن الواجب التعاون على البر والتقوى وعدم التعاون على الإثم والعدوان عملاً بقول الله سبحانه " وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان " المائدة 2 ، فقتال الباغي وقتال الكافر الذي قام ضد المسلمين وقتال من يتعدى على المسلمين لظلمه وكفره حق وبر ونصر للمظلوم وردع للظالم ، ولا يجوز للمسلمين أن يتخلوا عن المظلومين ويدعوهم للظالم يلعب بهم بأي وجه من الوجوه بل يجب أن يُردع الظالم وأن يُنصر المظلوم في القليل والكثير .

فالواجب على جميع المسلمين أن يتفقهوا في الدين وأن يكونوا على بصيرة فيما يأتون وفيما يذرون وأن يُحكِّموا كتاب الله العظيم وسنة نبيه الكريم في كل شيء وأن يدرسوهما دراسة الطالب للحق المريد وجه الله والدار الآخرة الذي يريد أن ينفذ حكم الله في عباد الله وأن يحذروا الهوى فإن الهوى يهوي بأهله إلى النار قال تعالى " ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله " ص 26 ، وقال جل وعلا " فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين " القصص 50 .
ونسأل الله أن يولي على جميع المسلمين من يحكم فيهم شرع الله ويقودهم بكتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام وأن يكفي المسلمين شر ولاتهم الذين يخالفون شرع الله وأن يصلح ولاة المسلمين وقادتهم ويهديهم صراطه المستقيم وأن يولي على المسلمين جميعاً في كل مكان خيارهم وأن يصلح أحوالهم في كل مكان وأن يكفيهم شر الأعداء أينما كانوا وأن يبطل كيد الأعداء ويكفينا شرهم وأن يكفينا شر ذنوبنا جميعاً وأن يمنَّ علينا بالتوبة النصوح وأن يوفق حكومتنا لكل خير وأن يعينها على طاعة الله ورسوله وعلى إعداد الجيش الكافي الذي يغنيها عن جميع أعداء الله ونسأل الله أن يهدي جيراننا جميعاً للتمسك بكتاب الله وأن يجمعهم على الحق والهدى وأن يعينهم على طاعة الله ورسوله وأن يعيذهم من الأعداء والمنافقين المحاربين لله ورسوله الذين يدعون إلى ضد كتاب الله وإلى ضد سنة رسوله عليه الصلاة والسلام .

ونسأل الله أن يبطل كيد أعداء الله ويفرق شملهم ويوفق دعاة الحق لما فيه رضاه وأن يصلح أحوال المسلمين جميعاً في كل مكان وأن يجمع كلمتنا جميعاً معشر المسلمين على الحق والهدى أينما كنا وأن يكفينا شر أعدائنا أينما كانوا إنه جواد كريم .

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان .

18 - 8 - 1442هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

3 + 2 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 122 ‌‌مكانة المرأة في الإسلام - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 121 الجزء الثالث عوامل النصر  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 120 الجزء الثالث ‌‌حكم الإسلام في إحياء الآثار - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 119 الجزء الثالث ‌‌القول بإباحة تحديد النسل مخالف للشريعة والفطرة ومصالح الأمة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر