الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد
إذا أريد بيان مَنْ هو الأحق بالوصف الأعلى فالجواب هو الله وحده ؛ لأنه سبحانه هو الذي له المثل الأعلى في كل شيء ، ومعناه الوصف الأعلى ، وهو سبحانه الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله لا شبيه له ولا نِدَّ له ، وهذا المعنى هو المراد في الآيتين الكريمتين : قولِه تعالى " ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم " النحل 60 ، وقولِه سبحانه " وهو الذي يبدؤا الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم " الروم 27 ، وقد قال الله عز وجل " قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كُفُواً أحد " سورة الإخلاص ، وقال سبحانه " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير " الشورى 11 .
أما إن أريد مَنْ هو المثل الأعلى في المنهج والسيرة فإنه يفسر بالرسول ، صلى الله عليه وسلم ، فإنه أكمل الناس هدياً وسيرة وقولاً وعملاً وهو المثل الأعلى للمؤمنين في سيرتهم وأعمالهم وجهادهم وصبرهم وغيرِ ذلك من الأخلاق الفاضلة كما قال الله سبحانه : " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا " الأحزاب 21 ، وقال عز وجل في وصف نبيه صلى الله عليه وسلم " وإنك لعلى خلق عظيم " القلم 4 ، قالت عائشة رضي الله عنها " كان خُلُقُه القرآنَ " ،(قلت: صححه الألباني في صحيح الجامع) ، والمعنى أنه كان عليه الصلاة والسلام يعمل بأوامر القرآن وينتهي عن نواهيه ويتخلق بالأخلاق التي أثنى القرآن على أهلها ، ويبتعد عن الأخلاق التي ذمَّ القرآن أهلها .
* التوكل على الله يجمع شيئين :
أحدهما : الاعتماد على الله والإيمان بأنه مسبب الأسباب ، وأن قدره نافذ وأنه قدَّر الأمور وأحصاها وكتبها سبحانه وتعالى .
والثاني : تعاطي الأسباب ، فليس من التوكل تعطيل الأسباب ، بل التوكل يجمع بين الأخذ بالأسباب والاعتماد على الله ، ومن عطَّلها فقد خالف الشرع والعقل ؛ لأن الله ، عز وجل، أمر بالأسباب وحثَّ عليها سبحانه وأمر رسوله بذلك وفطر العباد على الأخذ بها ، فلا يجوز للمؤمن أن يعطل الأسباب بل لا يكون متوكلاً حقيقة إلا بتعاطي الأسباب ، ولهذا شرع النكاح للعفة وحصول الولد وأمر بالجماع ، فلو قال أحد من الناس أنا لا أتزوج وأنتظر الولد بدون زواج لعُدَّ من المجانين ، وليس هذا من أمر العقلاء ، وكذلك لو جلس في البيت أو في المسجد يتحرى الصدقات لم يكن ذلك مشروعاً ولا توكلاً بل يجب عليه أن يسعى في طلب الرزق ويعمل ويجتهد مع القدرة على ذلك ، ومريم رحمة الله عليها لم تدع الأسباب ومن قال ذلك فقد غلط ، وقد قال الله لها " وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فَكُلِي وَاشْرَبِي " (مريم 25 ، 26 )، وهذا أمر لها بالأسباب وقد هزت النخلة وتعاطت الأسباب حتى وقع الرطب فليس في سيرتها ترك الأسباب ، أما وجود الرزق عندها وكون الله أكرمها به وأتاح لها بعض الأرزاق فلا يدل على أنها معطلة للأسباب بل هي تتعبد وتأخذ بالأسباب ، وإذا ساق الله لبعض أوليائه من أهل الإيمان شيئاً من الكرامات فهذا من فضله سبحانه لكن لا يدل على تعطيلهم الأسباب ، فعن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال صلى الله عليه وسلم : " احْرِصْ علَى ما يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ باللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ، " رواه مسلم ، وقال سبحانه " إيَّاك نعبد وإيَّاك نستعين " الفاتحة 5 ، فشرع لعباده العبادة له والاستعانة به وكلتاهما من أسباب السعادة في الدنيا والآخرة .
* الواجب على الداعي إلى الله أن يتبصر فيما يدعو إليه ويتدبر القرآن والسنة وكلام أهل العلم فيما يريد أن يتكلم فيه ، فإذا كان الكلام في التوحيد وترك الشرك تدبَّرَ الآياتِ والأحاديث التي تحث على ذلك ، ويراجع كلام أهل التفسير كابن كثير وابن جرير والبغوي حتى يكون على بينة لمعرفة حقيقة التوحيد ومعرفة حقيقة الشرك ، ومن أفضل الكتب المُعِينةِ على ذلك كتبُ شيخِ الإسلام ابنِ تيمية وابنِ القيم والشيخِ محمد بن عبد الوهَّاب وأتباعِهم من أهل العلم .
ومن الكتب المفيدة في ذلك :( زاد المعاد ) لابن القيم ، و ( القاعدة الجليلة في التوسل والوسيلة ) لشيخ الإسلام ابن تيمية و ( العقيدة الواسطية ) له أيضاً ، وكتاب ( التوحيد ) للشيخ محمد بن عبد الوهاب ، و ( فتح المجيد ) لحفيده الشيخ عبد الرحمن بن حسن .
وإذا كان الكلام في الصلاة والزكاة أو غيرِهما من الفروع تأمَّلَ النصوصَ الواردة في ذلك وأرشدَ المدعو إلى ما علمه من ذلك مع مراعاة الاختصار والأسلوب الحسن والعبارات الجامعة حتى يتيسر للمدعو فَهْمَها .
وبالله التوفيق