الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد:
لا يجوزُ سكنُ الطالبِ مع العوائل لما في ذلك من التعرض للفتنة بأخلاق الكفار ونسائهم ، والواجبُ أن يكون السكنُ بعيداً عن أسباب الفتنة ، وهذا كلُّه على القول بجواز سفر الطالب إلى بلاد الكفرة للتعلم ، والصوابُ أنه لا يجوز السفرُ إلى بلاد الكفار للتعلم إلا عند الضرورة القصْوى بشرط أن يكون ذا علم ٍ وبصيرة وأن يكون بعيداً عن أسباب الفتنة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " أنا بريءٌ من كلِّ مسلِمٍ يقيمُ بينَ أظْهُرِ المشرِكينَ. " رواه أبو داود والترمذي والنسائي بإسناد جيد ، (قلت:أخرجه الترمذي وصححه والألباني).
فالواجب على المسلم الحذرُ من السفر إلى بلاد أهل الشرك إلا إذا كان ذا علم وبصيرة ويريد الدعوةَ إلى الله والتوجيه إليه ، فهذا أمر مستثنى وهذا فيه خير عظيم ، لأنه يدعو المشركين إلى توحيد الله ويعلمهم شريعة الله ، فهو محسن وبعيد عن الخطر لما عنده من العلم والبصيرة .
* من أعلن إسلامه لا يلزمه تغيير اسمِه إلا إذا كان معبداً لغير الله ولكن تحسينه مشروع فكونه يحسن اسمه من أسماء أعجمية إلى أسماء إسلامية فهذا مناسب وطيب أما الواجب فلا ، أو إن كان اسمه عبدَ المسيح وأشباهه من الأسماء المعبدة لغير الله فالواجبُ تغييره لأنه من التعبيد لغير الله بإجماع أهل العلم كما نقل ذلك أبو محمد بن حزم رحمه الله .
* الصحيح الذي عليه المحققون أنه ليس في القرآن مجازٌ على الحد الذي يعرفه أصحابُ فن البلاغة وكل ما فيه فهو حقيقةٌ في محله.
ومعنى قولِ بعضِ المفسرين أن هذا الحرف زائد يعني من جهة قواعد الإعراب وليس زائداً من جهة المعنى بل له معناه المعروف عند المتخاطبين باللغة العربية؛ لأن القرآن الكريم نزل بلغتهم كقوله سبحانه " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ " الشورى 11 ، يفيد المبالغة في نفي المثل ، وهو أبلغ من قولك - ليس مثله شيئاً - ، وهكذا قوله سبحانه " وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا ۖ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ " يوسف 82 ، فإن المراد بذلك سكانُ القرية وأصحابُ العير ، وعادة العرب تطلق القرية على أهلها والعير على أصحابها ، وذلك من سعة اللغة العربية وكثرة تصرفها في الكلام ، وليس من باب المجاز المعروف في اصطلاح أهل البلاغة ولكن ذلك من مجاز اللغة أي مما يجوز فيها ولا يمتنع ، فهو مصدر ميمي كـ " المقام " و " المقال " ، وهكذا قوله تعالى "وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ۚ " البقرة 93 ، يعني حبه ، وأطلق ذلك لأن هذا اللفظ يفيد المعنى عند أهل اللغة المتخاطبين بها ، وهو من باب الإيجاز والاختصار لظهور المعنى .
* لا يجوز للمسلم مسُّ المصحفِ وهو على غير وضوء عند جمهور أهل العلم وهو الذي عليه الأئمةُ الأربعةُ ، رضي الله عنهم ، وهو الذي كان يفتي به أصحابُ النبي ،صلى الله عليه وسلم ، وقد ورد في ذلك حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن : " لا يَمَسُّ القُرآنَ إلَّا طاهِرٌ"(قلت: صححه الألباني في صحيح الجامع) ، وبذلك يعلم أنه لا يجوز مسُ المصحف للمسلم إلا على طهارة من الحدثين الأكبر والأصغر ، وهكذا نقله من مكان إلى مكان إذا كان الناقل على غير طهارة ، لكن إذا كان مسه أو نقله بواسطة كأن يأخذه في لفافة أو في جرابه أو بعلاقته فلا بأس .
وأما القراءة فلا بأس أن يقرأ وهو محدث عن ظهر قلب أو يقرأ ويمسك له القرآن من يرد عليه ويفتح عليه فلا بأس بذلك ، لكن الجنب صاحب الحدث الأكبر لا يقرأ ، لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يحجبه شيء عن القراءة إلا الجنابة .
والمقصود أن الجنب لا يقرأ لا من المصحف ولا عن ظهر قلب حتى يغتسل ، وأما المحدث حدثاً أصغر وليس بجنب فله أن يقرأ عن ظهر قلب ولا يمس المصحف .
وهنا مسألة تتعلق بهذا الأمر وهي مسألة الحائض والنفساء هل تقرآن أم لا تقرآن ؟ في ذلك خلاف بين أهل العلم منهم من قال لا تقرآن وألحقهما بالجنب ، والقول الثاني أنهما تقرآن عن ظهر قلب دون مس المصحف ، لأن مدة الحيض والنفاس تطول وليستا كالجنب ، لأن الجنب يستطيع أن يغتسل في الحال ويقرأ ، أما الحائض والنفساء فلا تستطيعان ذلك إلا بعد طهرهما ، فلا يصح قياسُهما على الجنب لما تقدم.
فالصوابُ أنه لا مانعَ من قراءتِهما عن ظهر قلب وهذا هو الأرجحُ ؛ لأنه ليس في الأدلة ما يمنع ذلك بل فيها ما يدل على ذلك ، فقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعائشة لما حاضت في الحج " ،افْعَلِي ما يَفْعَلُ الحَاجُّ، غيرَ أنْ لا تَطُوفي بالبَيْتِ حتَّى تَطْهُرِي" ، والحاج يقرأ القرآن ولم يستثنه النبي صلى الله عليه وسلم فدل ذلك على جواز القراءة لها ، وهكذا قال لأسماء بنت عميس لما ولدت محمد بن أبي بكر في الميقات في حجة الوداع ، فهذا يدل على أن الحائض والنفساء لهما قراءة القرآن لكن من غير مس المصحف.
أما حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا تقرأ الحائضُ ولا الجنبُ شيئاً من القرآن "، فهو حديث ضعيف في إسناده إسماعيل بنُ عياش عن موسى بن عقبة ، وأهلُ العلم بالحديث يضعفون روايةَ إسماعيلَ عن الحجازيين ويقولون : إنه جيد في روايته عن أهل الشام أهلِ بلاده ، لكنه ضعيف في روايته عن أهل الحجاز ، وهذا الحديث من روايته عن أهل الحجاز فهو ضعيف.
وبالله التوفيق