الدرس 290: الصلاة على الميت

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 19 صفر 1438هـ | عدد الزيارات: 1416 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

دلت الأدلة الشرعية على أن صلاة الجنازة تجب على أموات المسلمين، برهم وفاجرهم، ما دام فجوره لم يصل به إلى حد الشرك بالله؛ لقوله سبحانه (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) [النساء 48] ويرجى لمحسنهم، ويخاف على مسيئهم، أما الكافر يهوديا أو نصرانيا أو ملحدا، أو خرافيا؛ كعباد الأضرحة ودعاة الأموات ونحوهم فلا يصلى عليهم

ويجعل من يريد صلاة الجنازة الميت بينه وبين القبلة، ثم يرفع يديه حذو أذنيه، أو منكبيه، يكبر تكبيرة الإحرام ناويا في نفسه صلاة الجنازة، ثم يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، ويقرأ سورة الفاتحة، ثم يرفع يديه ويكبر ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، والأحسن أن تكون بالصيغة التي يصلى عليه بها بعد التشهد في صلاة الفريضة أو النافلة بعد التشهد الأخير، ثم يرفع يديه ويكبر ثم يدعو للميت وللمسلمين والمسلمات فيقول: (اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا إنك تعلم منقلبنا ومثوانا إنك على كل شيء قدير، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده) وقد وردت أدعية أخرى في الصلاة على الجنازة فارجع إليها في بلوغ المرام، ومنتقى الأخبار وغيرهما من كتب الحديث. ثم يرفع يديه ويكبر التكبيرة الرابعة ثم يسلم تسليمة واحدة

لا يجوز عمل مظلة في المقبرة للعزاء؛ لما يترتب على ذلك من المفاسد التي لا تخفى، ولم يعرف هذا عن سلف الأمة، وإذا كان فيه مظلات معمولة في المقابر القديمة وجب إزالتها؛ سدا للذريعة، وأما القبور فالطريقة الشرعية فيها أن يحفر لكل ميت قبر خاص به، ويكون فيه لحد، ويدفن الميت في هذا القبر بمفرده، ولا يجوز جمع الأموات في حفرة واحدة، وكذلك لا يجوز نبش الأموات بعد فترة، وأخذهم من قبورهم ووضعهم في حفرة واحدة

رفع اليدين في جميع التكبيرات على صلاة الميت سنة

يجوز للرجل أن يصلي صلاة الجنازة على من دفن حديثا من المسلمين إذا لم يكن صلى عليه قبل ذلك، ولو لم يعرفه؛ لما في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال (انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قبر رطب، فصلى عليه وصفوا خلفه وكبر أربعا) وتسن زيارة القبور للأقارب وغيرهم للاتعاظ وتذكر الآخرة، والدعاء للميت، ويقول ما رواه مسلم عن بريدة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقول قائلهم: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية

تجوز الصلاة عليها بعد الدفن؛ لما ثبت (أن جارية كانت تقم المسجد، فماتت فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عنها، فقالوا: ماتت، فقال: أفلا كنتم آذنتموني، فدلوني على قبرها، فدلوه فصلى عليها ثم قال: إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله ينورها لهم بصلاتي عليهم) رواه مسلم

يجوز الصلاة على الجنازتين الحاضرة والغائبة، صلاة واحدة كالصلاة على جنازتين حاضرتين أو غائبتين

مذهب أهل السنة والجماعة من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من سلف الأمة أنهم لا يكفرون أهل الكبائر؛ كالقاتل عمدا، وقاتل نفسه ونحوهما، ويرون أن يصلى عليهم، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة على الغال، ففي مسند الإمام أحمد عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه (أن رجلا من المسلمين توفي بخيبر، وأنه ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: صلوا على صاحبكم. قال فتغيرت وجوه القوم لذلك، فلما رأى الذي بهم قال: إن صاحبكم غل في سبيل الله. ففتشنا متاعه فوجدنا فيه خرزا من خرز اليهود ما يساوي درهمين) ولكن لا يصلي عليه إمام المسلمين للحديث المذكور.

يجوز الدفن في الليل فقد دفن النبي صلى الله عليه وسلم ليلاً ودفن أبو بكر وعثمان وعائشة وابن مسعود ليلاً

من أدرك مع الإمام تكبيرة من صلاة الجنازة فإنه يكمل صلاة الجنازة فيكبر ثلاث تكبيرات قضاء قبل رفع الجنازة، لما فاته ثم يسلم، ويعتبر ما أدركه مع الإمام أول صلاة، ويكفيه أقل الواجب بعد التكبيرة الثانية والثالثة، فيقول بعد الثانية: اللهم صل على محمد، وبعد الثالثة: اللهم اغفر له، ويسلم بعد الرابعة

من دفن ولم يصلى عليه صلي عليه على قبره

إذا نزل الطفل من بطن أمه ميتا بعد أن نفخ فيه الروح غسل وكفن وصلي عليه صلاة الجنازة ودفن وسمي، ويسن أن يكون الكفن أبيض، ولو كفن بأسود جاز، وهو مخالف للسنة

قلت: تنفخ الروح في الطفل إذا أكمل أربعة أشهر

حكم الأطفال إذا ماتوا في الدنيا يعاملون معاملة آبائهم وأمهاتهم، فمن كان أبواه مسلمين أو كان أحدهما مسلما عومل معاملة المسلمين في الغسل والكفن، والصلاة عليه والدفن في مقابر المسلمين، وفي إرث أقاربه المسلمين منه، وإن كان أبواه كافرين عومل معاملة الكافرين

أما حكمهم بالنسبة للآخرة فإن كان آباؤهم كفارا فأمرهم إلى الله العليم الحكيم العدل الرؤوف الرحيم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم حينما سئل عن أولاد المشركين: الله أعلم بما كانوا عاملين. أخرجه البخاري ومسلم، سبحانه لا يظلم مثقال ذرة وهو اللطيف الخبير، وإن كان أبواه أو أحدهما مسلما فهو من أهل الجنة بفضل الله تعالى

ولد الزنا يصلى عليه إذا كانت أمه مسلمة ولا ذنب عليه فيما اقترف الزاني والزانية

من أقيم عليه حد الرجم أو قتل قصاصاً صلي عليه صلاة الجنازة

الحدود كفارات للذنوب التي أقيمت من أجلها، لما ثبت من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه (بايعوني على ألا تشركوا بالله شيئا، ولا تزنوا ولا تسرقوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب منكم شيئا من ذلك فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب شيئا من ذلك فستره الله عليه فأمره إلى الله؛ إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له، قال: فبايعناه على ذلك) رواه البخاري ومسلم

لا يجوز للمرأة أن تقف مع الرجال في صلاة الجنازة أو غيرها من الصلوات، ويشرع لها الصلاة على الجنازة وتكون خلف الرجال، كما يفعل النساء في الصلوات مع الرجال، لكن ليس للمرأة أن تتبع الجنازة لما ثبت من قول أم عطية: (نهينا عن اتباع الجنائز، ولم يعزم علينا) رواه البخاري ومسلم، وفي رواية (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم) الحديث

تجوز صلاة الجنازة على الميت الغائب لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، وليس ذلك خاصا به، فإن أصحابه رضي الله عنهم صلوا معه على النجاشي، ولأن الأصل عدم الخصوصية، لكن ينبغي أن يكون ذلك خاصا بمن له شأن في الإسلام، لا في حق كل أحد

يشرع لمن غسل ميتاً الغسل والوضوء، ولا يجبان عليه، إلا إن مس فرج الميت فإنه يجب عليه الوضوء

لا نعلم دليلاً يدل على كشف وجه الميت في القبر، بل ظاهر الأدلة الشرعية يدل على أنه لا يكشف؛ ذكر كان أو أنثى؛ لأن الأصل تغطية الوجه كسائر بدنه، إلا أن يكون الرجل محرما فلا يغطى رأسه ولا وجهه

تجب قراءة فاتحة الكتاب في صلاة الجنازة بعد التكبيرة الأولى، تكبيرة الإحرام؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) ولعمل النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه ثبت عنه أنه كان يقرؤها بعد التكبيرة الأولى، وتجب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التكبيرة الثانية، ويجب الدعاء للميت وغيره بعد التكبيرة الثالثة، ثم السلام بعد الرابعة

اللحد في القبر هو: أن يحفر في الأرض الصلبة إلى أسفل طولا، ثم يميل الحافر بالحفر إلى جانبه الذي من جهة القبلة ليوضع الميت في الحفر الجانبي مستقبلا القبلة. ولا يتيسر ذلك إلا في الأرض الصلبة أو المتماسكة

والشق هو: أن يحفر القبر في الأرض طولا فقط ليوضع الميت في ذلك طولا، ويكون ذلك في الأرض الرخوة غير المتماسكة كالأرض الرملية

روى أبو داود في سننه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في ذلك (احفروا وأوسعوا وأعمقوا) والسنة أن يعمق تعميقا يمنع خروج الريح وحفر السباع له

روى مسلم في صحيحه عن عامر بن سعد بن أبي وقاص: أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما قال في مرضه الذي هلك فيه: الحدوا لي لحدا، وانصبوا علي اللبن نصبا، كما صُنع برسول الله صلى الله عليه وسلم

ولا يجعل القبر على هيئة شق؛ بأن يحفر في الأرض شق مستطيل يوضع فيه الميت

ويجعل عليه سقف يحفظ الميت؛ لما رواه أبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (اللحد لنا، والشق لغيرنا) إلا إذا لم يمكن اللحد فيجوز الشق؛ لقوله تعالى (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) [البقرة 286] وقوله (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)[الحج 78] وقوله (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن 16]وقوله صلى الله عليه وسلم: إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم

وطريقة دفن الميت وتوجيهه في قبره فالمستحب أن يدخل رأسه من الجهة التي ستكون فيها رجلاه من القبر إذا تيسر ذلك، ثم يسل سلا حتى يتم وضعه في لحده الذي جعل له في الحفر مما يلي القبلة على جنبه الأيمن، روي ذلك عن عبد الله بن عمر وأنس وعبد الله بن يزيد الأنصاري والنخعي والشافعي رضي الله عنهم

ويوضع تحت رأسه شيء مرتفع لبنة أو حجر، أو تراب، كما يصنع الحي، ويدنى من الجدار القبلي من القبر لئلا ينقلب على وجهه، ويسند بشيء من وراء ظهره لئلا ينقلب إلى خلفه

ويقول من تولى دفنه حين وضعه في اللحد بسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما روى الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أدخل الميت القبر قال: بسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم) وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

1438/2/19 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

1 + 1 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي