الدرس 289: تغسيل الميت وتكفينه وحمله

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 12 صفر 1438هـ | عدد الزيارات: 1362 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

إذا حضرت المسلم الوفاة وجه إلى القبلة حتى إذا تيقنت وفاته غمضت عيناه ودعي له، ولا يذكر عنده إلا الخير؛ لما روى مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها قالت (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه، ثم قال: إن الروح إذا قبض تبعه البصر. فضج ناس من أهله فقال: لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون. ثم قال: اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين المقربين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وافسح له في قبره، ونور له فيه) أخرجه أحمد

ويشد لحياه لئلا يبقى فمه مفتوحا بعد أن يبرد، وتنزع ثيابه عنه، ويغطى بثوب يستره جميعه، ويستحب الإسراع بتجهيزه لئلا يتغير، ثم يجرد لتغسيله ويُستر من سرته إلى ركبته حين تغسيله، ولا يحضر إلا من يعين في غسله، ويشرع الإسراع في قضاء دينه إبراء لذمته، وتنفيذ وصيته لينتفع بثوابها، ويكفن في ثلاثة أثواب بيض ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين ويدعى له بالمغفرة بعد دفنه

أما تشييعه إلى المقبرة فمع السكوت، لا مع ذكر وقراءة قرآن؛ عملاً بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين والقرون الأولى التي شهد لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخير

مؤن التجهيز كثمن الكفن وأجرة الغاسل وحافر القبر، لازمة من ماله ومقدمة فيه

والطعام الذي يُصنع للمعزين ونفقات إقامة سرادقات ونحو ذلك، لا يجوز لا من مال الميت ولا من مال غيره، أما بعث الطعام من الجيران أو غيرهم من الأقارب لأهل الميت فهو مستحب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء خبر موت جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه أمر أهله أن يصنعوا لأهله طعاما وقال: إنه أتاهم ما يشغلهم

إذا تبين موت المسلم شرع لمن حوله تغميض عينيه، وشد لحييه، وتسجيته، والإسراع في تجهيزه، ابتداء بغسله الغسل الشرعي، فيغسل يديه، ثم ينجيه ثم يوضئه وضوء الصلاة، ثم يغسل رأسه ولحيته بماء وسدر أو نحوه من صابون أو أشنان، ثم يفيض الماء على شقه الأيمن، ثم الأيسر، ثم يغسله كذلك مرة ثانية، وثالثة، وإن لم ينق زاد إلى خمس أو سبع، ويجعل في الأخيرة كافورا إن تيسر، ويجعل الطيب في مغابنه، ومواضع سجوده، وإن طيبه كله فحسن، وإن اكتفى بغسلة واحدة جاز ذلك، والمرأة يظفر رأسها ثلاثة قرون، وتجعل من ورائها، ثم يكفن في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة، يدرج فيها إدراجا، ويجوز أن يكفن في قميص وإزار ولفافة أو لفافة فقط

والمرأة تكفن في خمسة أثواب في درع ومقنعة وإزار ولفافتين، وإن كفنت في لفافة واحدة جاز

ويصلى عليه الصلاة الشرعية يكبر ويقرأ الفاتحة، ثم يكبر ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يكبر ويدعو للميت، وإن جاء بنص الدعاء المأثور فهو حسن، ومنه (اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأُنثانا، اللهم من أحييته فأحيه على الإسلام، ومن توفيته فتوفه على الإيمان، اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده، اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه، وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيرا من داره وأهلاً خيراً من أهله، وادخله الجنة وقه فتنة القبر وعذاب النار) أخرجه مسلم

ثم يكبر الرابعة ويسلم تسليمة واحدة عن يمينه .

ولا يجوز أن يتبع بأنوار ولا أن ترفع الأصوات معه بدعوات، ولا تهليلات. ويوضع في لحد إن أمكن، وإلا قص شق، وبعد تسوية قبره يستحب أن يقف الحاضرون عليه، ويستغفرون له، ويدعون له بالثبات، ولا يجوز أن يؤخر إلا في حدود حاجة تجهيزه أو انتظار حضور أقاربه، أو جيرانه إذا لم يطل ذلك عرفاً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم (أسرعوا بالجنازة) أخرجه البخاري ومسلم

ولا يجوز أن يقام له مأتم، سرادقات ونحوها، بما يسمى بمراسم العزاء، ويصلي على قبره من لم يحضر الصلاة عليه إذا كان في المدينة التي هو فيها، إلى حدود شهرين، فإن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر أم سعد وقد مضى على دفنها شهر

ولا يجوز دفن المسلم في مقابر النصارى ولا غيرهم من الكفرة كاليهود والملحدين وعباد الأوثان

الميت الذي مات ودفن ويوجد به أسنان ذهب ليس عليه إساءة في ذلك، فإن قدر على نزعها قبل الدفن ولم يترتب على نزعها ضرر عليه فإنها تنزع، فإن دفن ولم تنزع فلا ينبش لنزعها، قال أحمد في الميت تكون أسنانه مربوطة بذهب إن قدر على نزعه من غير أن تسقط بعض أسنانه نزعه، وإن خاف سقوط بعضها تركه

يسن وضع سدر مع الماء في غسل الميت؛ لما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما في الرجل الذي وقصته ناقته بعرفة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تحنطوه، ولا تخمروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا) أخرجه مسلم

وذلك بدق السدر بعد تيبيسه، ومزجه بالماء والمراد بالسدر: ورق شجر معروف

لا ينبغي أن يحضر تغسيل الميت إلا من تدعو الحاجة إليه، كمن يعين في صب ماء ونحو ذلك، أما عورته فلا يجوز أن يراها أو يلمسها أحد لا المغسل ولا غيره، إلا عند الضرورة، ولدى تنجيته يضع المغسل خرقة على يده

يشرع تغسيل المسلم المنتحر والصلاة عليه، وهكذا غيره من العصاة مع الدعاء لهم بالعفو والمغفرة

دلت السنة على أن المشيعين للميت يكونون أمامه وخلفه وعن يمينه وشماله غير أنه من الأفضل أن يكون المشاة أمامه والركبان خلفه لما ورد في ذلك من الأحاديث

يكفن الرجل في ثلاثة أثواب، يبسط بعضها فوق بعض، ويوضع عليها مستلقيا، ثم ترد أطراف الثوب الذي يليه بعضها على بعض، وهكذا الثوب الثاني والثالث، وإذا كان عرض القماش لا يكفي لتغطية الميت فيوصل بما يكفي ستره، ويربط الكفن ثم تحل العقد إذا وضع في القبر

والمرأة يبدأ تكفينها بالإزار على العورة وما حولها، ثم قميص على الجسد، ثم القناع على الرأس وما حوله، ثم تلف بلفافتين، ولا يكشف وجه الميت في القبر، سواء كان رجلاً أو امرأة؛ لعدم الدليل على ذلك

ولا يجوز للرجل أن يغسل غير زوجته من الإناث، سواء كن محارم أم أجنبيات، إلا الطفلة الصغيرة التي ماتت دون سبع سنوات، فله أن يغسلها، وإن ماتت امرأة بين رجال فقط، ليس فيهم زوج لها ولا امرأة يممت بالنية عن الوضوء والغسل جميعا، تغليباً لجانب المحافظة على عورتها

يجوز للرجل أن يغسل زوجته، كما يجوز للزوجة أن تغسل زوجها، والأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها (ما ضرك لو مت قبلي فغسلتك وكفنتك ثم صليت عليك ودفنتك) رواه أحمد

وأوصى أبو بكر الصديق رضي الله عنه أن تغسله زوجته أسماء بنت عميس رضي الله عنها، وليس للمرأة أن تغسل من بلغ سبعاً من الذكور سواء كان ابنها أو غيره، وليس للرجل أن يغسل من بلغت سبعًا من الإناث سواء كانت ابنته أو غيرها

للزوج أن يدخل زوجته في قبرها

والحيض ليس مانعاً للمرأة من تغسيل النساء وتكفينهن، ولا يختن الطفل بعد موته لفوات زمان ختانه وهو مدة حياته

لا حرج على الزوجة من تقبيل وجه زوجها بعد تغسيله وتكفينه

إذا تعذر غسل الميت فإنه ييمم لعموم قوله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)، [التغابن 16] ولأن الله شرع التيمم للطهارة من الحدث الأكبر والأصغر في حالة عدم وجود الماء، أو العجز عن استعماله، أو التضرر باستعماله

لا يجوز تأخير دفن الجثة من أجل انتظار أحد أقارب الميت، لكن إذا دعت ضرورة إلى التأخير جاز كما إذا قُتل وأخر دفنه من أجل التأكد ممن قتله

مجرد مس جسد الميت لا ينقض الوضوء ولا يوجب الغسل، إلا إذا مس الفرج من غير حائل فإنه ينتقض وضوء الماس بذلك

الشهيد في المعركة خاصة فإنه لا يُغسل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يُغسل شهداء المعركة ولم يصل عليهم

من قتل دون ماله أو نفسه أو عرضه فهو شهيد من حيث الفضل والأجر، ولكنه ليس له حكم شهيد المعركة فيغسل ويكفن ويصلى عليه كما ثبت في سنن أبي داود عن سعيد بن زيد قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من قُتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد. أخرجه أحمد وصححه الترمذي

وقتل عمر وعثمان وعلي وغسلوا وصلي عليهم لأنهم قتلوا مظلومين

قتيل الحوادث نرجو أن يكون شهيداً؛ لأنه يشبه المسلم الذي يموت بالهدم، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه شهيد

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

1438/2/12 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 3 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 143 الجزء الرابع تأويل الصفات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 142 الجزء الرابع التحدث بالنعم والنهي عن الإسراف - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 141 الجزء الرابع ‌‌أخلاق أهل العلم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 140 الجزء الرابع ‌‌أهمية العلم في محاربة الأفكار الهدامة. - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 139 الجزء الرابع  الحاجة للقضاء الشرعي - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 138 الجزء الرابع  أخلاق المؤمنين والمؤمنات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي