ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮﻗﻊ

الدرس 113: الجهاد

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 21 صفر 1438هـ | عدد الزيارات: 1547 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله الذي أمر بالجهاد في سبيله، ووعد عليه الأجر العظيم والنصر المبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل في كتابه الكريم (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخليله أفضل المجاهدين، وأصدق المناضلين، وأنصح العباد أجمعين، صلى الله عليه وسلم وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه الكرام الذين باعوا أنفسهم لله وجاهدوا في سبيله حتى أظهر الله بهم الدين، وأعز بهم المؤمنين، وأذل بهم الكافرين، رضي الله عنهم وأكرم مثواهم وجعلنا من أتباعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد

الجهاد: مصدر جاهد أي بالغ في قتال عدوه، وشرعاً: قتال الكفار

والجهاد في سبيل الله من أفضل الطاعات وأعظم القربات، وهو فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط عن الناس، وإلا أثم الكل، وهو أفضل متطوع به ثم النفقة فيه

والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة معلومة، ومما ورد في فضل الجهاد والمجاهدين من الكتاب المبين قوله تعالى: انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ * لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ * إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ

وقال تعالى في فضل المجاهدين: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ

وقال عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ

أما الأحاديث الواردة في فضل الجهاد والمجاهدين، والتحذير من تركه والإعراض عنه فهي أكثر من أن تحصر، وأشهر من أن تذكر، ففي الصحيحين عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا، وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثل المجاهد في سبيل الله والله أعلم بمن يجاهد في سبيله كمثل الصائم القائم، وتكفل الله للمجاهد في سبيله إن توفاه أن يدخله الجنة أو يرجعه سالماً مع أجر أو غنيمة). أخرجه مسلم

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مكلوم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة وكلمه يدمي، اللون لون الدم، والريح ريح المسك) متفق عليه

وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسول، قيل: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله. قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور

وعن أبي عبس بن جبر الأنصاري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أغبرت قدما عبد في سبيل الله فتمسه النار. رواه البخاري في صحيحه

والأحاديث في فضل الجهاد والمجاهدين وبيان ما أعد الله للمجاهدين الصادقين من المنازل العالية، والثواب الجزيل، وفي الترهيب من ترك الجهاد والإعراض عنه كثيرة جداً

وإذا نودي الصلاة جامعة لحادثة يشاور فيها لم يتأخر أحد بلا عذر

ولا يجوز لمسلم أن يقاتل تحت شعار دولة كافرة وإذا كان أبواه مسلمين أو أحدهما لم يجاهد تطوعاً إلا بإذنهما لقوله صلى الله عليه وسلم (ففيهما فجاهد) رواه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما. وإذنهما في غير الجهاد الواجب عليه الذي أمر به ولي الأمر فيجب المبادرة لأمره لقول النبي صلى الله عليه وسلم (وإذا استنفرتم فانفروا) رواه البخاري

وإذا لم يأمر ولي الأمر فأحسن إلى والديك وارحمهما، واعلم أن برهما من الجهاد العظيم، قدمه النبي صلى الله عليه وسلم على الجهاد في سبيل الله، كما جاء بذلك الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه قيل له: يا رسول الله أي العمل أفضل؟ قال: الصلاة على ميقاتها قلت ثم أي؟ قال: ثم بر الوالدين، قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله، فسكتُ عن رسوله الله صلى الله عليه وسلم، ولو استزته لزادني. متفق على صحته، فقدم برهما على الجهاد، وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد، فقال: أحي والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد. متفق عليه، وفي رواية أخرى قال صلى الله عليه وسلم (ارجع إليهما فاستأذنهما فإن أذنا لك فجاهد، وإلا فبرهما) رواه أبو داود

فإذا كان الجهاد واجب عليه فلا يستأذن والديه، والجهاد يكون فرض عين في أمور أربعة

الأول: إذا حضر الصف لقوله تعالى (يا أيها الذين ءامنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير) الأنفال، آية: 15

وجعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم التولي يوم الزحف من الموبقات إلا أن الله تعالى خفف عن عباده وأذن للمسلمين إذا كان العدو أكثر من مثليهم أن يفروا لقول الله تعالى (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مئتيين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين) الأنفال، آية:66

لهذا أجاز العلماء الفرار من العدو إذا كان أكثر من الضعف، مع أن المسلمين في معركة مؤتة عددهم ثلاثة آلاف وعدد الروم النصارى مئة ألف وعدد النصارى العرب مئة ألف فتقابل جيش مسلم قوامه ثلاثة آلاف وجيش كافر قوامه مئتي ألف وقتل قائد المسلمين زيد بن حارثة فأخذ الراية نائبه جعفر بن أبي طالب فقتل ثم أخذ الراية النائب الثاني عبد الله بن رواحة فقتل فأخذ الراية خالد بن الوليد وقاتل حتى كسر في يده تسعة أسياف، ولم يبق في يده إلا صفيحة يمانية كما قال ذلك رضي الله عنه، ومع ذلك انتصر عليهم

الثاني: إذا استنفره الإمام أي قال له أخرج وقاتل فإنه يجب على المسلمين أن يخرجوا ويقاتلوا لقول الله تبارك وتعالى (يا أيها الذين ءامنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض) التوبة، آية:38، أي ملتم إليها بثقل ومن يفضل الأرض على السماء فهو تائه (أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل) التوبة، آية: 38

الثالث: إذا حصر العدو بلده صار الجهاد واجباً لأنه جهاد دفاع إذ أن أهلها يكونون عرضة للهلاك

الرابع: إذا كان محتاجاً إليه بعينه وجب أن يقاتل

فهذه المواضع الأربعة يكون الجهاد فرض عين، وما عدا ذلك يكون فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين وإذا لم يقم به من يكفي تعين عليه

وكل واجب لا بد فيه من شرطين الأول: القدرة، لقول الله تعالى (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) البقرة: 286، وقوله تعالى (فاتقوا الله ما استطعتم) التغابن: 16، وقال تعالى (وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج) الحج: 78

ومن السنة قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم

الثاني: القوة فمع شرط القدرة لا بد من شرط القوة وهو أن يكون عند المسلمين قدرة وقوة يستطيعون بها القتال فإن لم يكن لديهم قدرة فإن إقحام أنفسهم في القتال إلقاء بأنفسهم إلى التهلكة ولهذا لم يوجب الله سبحانه وتعالى على المسلمين القتال وهم في مكة لأنهم عاجزون ضعفاء فلما هاجروا إلى المدينة وكونوا الدولة الإسلامية وصار لهم شوكة أُمروا بالقتال

ويتفقد الإمام جيشه عند المسير أو من ينيبه ويمنع من لا يصلح للحرب كالمخذل الذي يفند الناس عن القتال ويزهدهم فيه والمرجف كالذي يقول: هلكت سرية المسلمين وما لهم مدد أو طاقة. وكذا من يكاتب بأخبارنا أو يرمي بيننا بفتن. ويُعرف الأمير عليهم العرفاء ويعقد لهم الألوية والرايات ويتخير لهم المنازل ويحفظ مكامنها ويبعث العيون ليتعرف حال العدو وله أن يعطي زيادة على السهم عند دخوله أرض العدو

ولا جهاد إلا اذا توفرت ضوابطه وشروطه، أما إذا لم تتوفر الشروط والضوابط فليس جهاد شرعي، لأنه يترتب عليه ضرر بالمسلمين أكثر من المصلحة الجزئية، فلا بد من الشروط والضوابط ومع قائد مسلم وراية مسلمة ويكون هذا بأمر الإمام الذي عقد معهم هذا العقد وهو الذي يتولى النقض، فهو من صلاحية الإمام وليس من صلاحية أي أحد سواه حتى لا يصير الأمر فوضى، فلا جهاد إلا بإذن ولي الأمر لأن هذا من صلاحيته، والجهاد بدون إذنه افتيات عليه، فلا بد من رأيه وإذنه، وإلا كيف تقاتل وأنت لست تحت إمرة ولي أمر المسلمين، مع توفر القوة والقدرة للمسلمين

وبالله التوفيق

وصلي اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1438-02-21

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

8 + 3 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 118 الجزء الثالث ‌‌هل الرسول أوصى بالخلافة لعلي رضي الله عنه ؟ - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 116 الجزء الثالث حكم التوسل بالموتى وزيارة القبور - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 115 الجزء الثالث ‌‌حكم ما يسمى بعلم تحضير الأرواح  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 114 الجزء الثالث ‌‌إيضاح الحق في دخول الجني في الإنسي والرد على من أنكر ذلك  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 113 الجزء الثالث : تابع الدروس المهمة لعامة الأمة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي