عباد الله، أوصيكم بتقوى الله، واعلموا أن الإسلام قد اهتمَّ بالمرأة واعتنى بها وحفظ لها حقوقها، وبيَّنَ واجباتِها، ورفَعَ مقامها، فحارب التشاؤمَ بولادتها، وحرَّمَ وَأْدَها؛ بل أعلنَ أنَّ الإحسانَ إلى المرأة وإعالتَها سببٌ في دخول الجنة.
والإسلام هو الذي كرم المرأة أُمًّا، وأعلم الابنَ بأنَّ أحقَّ خَلْقِ الله بإكرامه وتعظيمه وحُسْن مُعاملته بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم هي أمُّه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "جَاءَ رَجُلٌ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، مَن أحَقُّ النَّاسِ بحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قالَ: أُمُّكَ، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أبُوكَ "، صحيح البخاري.
ورغَّب الإسلام في الإحسان إلى المرأة؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: دَخَلَتِ امْرَأَةٌ معهَا ابْنَتَانِ لَهَا تَسْأَلُ، فَلَمْ تَجِدْ عِندِي شيئًا غيرَ تَمْرَةٍ، فأعْطَيْتُهَا إيَّاهَا، فَقَسَمَتْهَا بيْنَ ابْنَتَيْهَا، ولَمْ تَأْكُلْ منها، ثُمَّ قَامَتْ، فَخَرَجَتْ، فَدَخَلَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَلَيْنَا، فأخْبَرْتُهُ فَقالَ: "مَنِ ابْتُلِيَ مِن هذِه البَنَاتِ بشيءٍ كُنَّ له سِتْرًا مِنَ النَّارِ" صحيح البخاري.
وحفظ الإسلام حقوق المرأة زوجةً، فقال صلى الله عليه وسلم: "ألا واستَوصوا بالنِّساءِ خيرًا، فإنَّما هُنَّ عوانٍ عندَكم" صحيح الترمذي للألباني، وأَعْلمَ الإسلامُ الزوجَ بأنَّ الزوجة الصالحة من أكبر نعم الله عليه؛ أخرج مسلم من حديث عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا المَرْأَةُ الصَّالِحَةُ ".
والإسلام هو الذي أوجب للمرأة الحق في الميراث بعد أن كانت لا ترث في الجاهلية؛ قال تعالى: ﴿ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا ﴾ [النساء: 7].
وحفظ الإسلام للمرأة حقوقها الزوجية فلها الحقُّ في الموافقة على الخاطب أو رفضه، ولا يجوز إجبارُها على الاقتران برجل لا تريده، قال صلى الله عليه وسلم: "لا تُنْكَحُ الأيِّمُ حتَّى تُسْتَأْمَرَ، ولا تُنْكَحُ البِكْرُ حتَّى تُسْتَأْذَنَ"، قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، وكيفَ إذْنُها؟ قالَ: "أنْ تَسْكُتَ" صحيح البخاري، وأَوْجبَ لها المهر في النكاح وجعله ملكًا لها، وجعل المعاشرة بينها وبين زوجها قائمة على المعروف، وجعل نفقة الزوجة حقًّا واجبًا على الزوج.
وأمر المرأة بالحجاب، ومنعها من الخلوة والاختلاط بالرجال الأجانب؛ حفاظا عليها فقال تعالى:﴿ يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 59].
عباد الله، ومن الأمور التي اهتم بها الإسلام تجاه المرأة المسلمة أن تلبس ما تشاء من أنواع اللباس ما لم يكن محظورًا شرعًا، وحرم الإسلام على المرأة اللباس الذي يصف لون بدنها أو مفاصل جسمها، إلا عن زوجها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صِنْفانِ مِن أهْلِ النَّارِ لَمْ أرَهُما: قَوْمٌ معهُمْ سِياطٌ كَأَذْنابِ البَقَرِ يَضْرِبُونَ بها النَّاسَ، ونِساءٌ كاسِياتٌ عارِياتٌ مُمِيلاتٌ مائِلاتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ البُخْتِ المائِلَةِ، لا يَدْخُلْنَ الجَنَّةَ، ولا يَجِدْنَ رِيحَها، وإنَّ رِيحَها لَيُوجَدُ مِن مَسِيرَةِ كَذا وكَذا" صحيح مسلم.
وهذه الأحكام والتعليمات التي بيَّنها الإسلام للمرأة هي عز وشرف وكرامة لها، فمتى التزمت المرأة بتعاليم الإسلام واستجابت لأمر الله تعالى ولأمر رسوله صلى الله عليه وسلم نالت العزة والكرامة في الدنيا والآخرة، وفازت في الدنيا في أن تعيش سعيدةً آمنة مطمئنة وفي الآخرة بالجنة التي أعدها الله تعالى لعباده المتقين المطيعين لأوامره.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
هذا، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه ؛ إنه هو الغفور الرحيم.