الدرس 114: الجهاد 2

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 29 صفر 1438هـ | عدد الزيارات: 1402 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

الجهاد مصدر جاهد، وهو بذل الجهد في قمع أعداء الإسلام بالقتال وغيره؛ لتكون كلمة الله هي العليا

وينقسم الجهاد إلى ثلاثة أقسام: 1. جهاد النفس، 2. جهاد المنافقين، 3. جهاد الكفار المبارِزين

وجهاد النفس هو إرغامها على طاعة الله، ومخالفتها في الدعوة إلى معصية الله، وهذا الجهاد يكون شاقًّا على الإنسان إذا كان في بيئة فاسقة، فإن البيئة الفاسقة تعصف به حتى ينتهك حرمات الله، ويدع ما أوجب الله عليه

الثاني: جهاد المنافقين، ويكون بالعلم، لا بالسلاح؛ لأن المنافقين لا يُقاتَلون، فإن النبي صلّى الله عليه وسلّم استؤذن أن يُقْتل المنافقون الذين عُلم نفاقهم فقال (لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه) أخرجه مسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه، والدليل أنهم يجاهَدون قول الله تعالى (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ) التحريم: 9

فعلينا أن نتسلح بالعلم أمام المنافقين الذين يوردون الشبهات على دين الله؛ ليصدوا عن سبيل الله

الثالث: جهاد الكفار المحاربين، وهذا يكون بالسلاح، لقول الله تعالى (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) الأنفال: 60

ولقول النبي صلّى الله عليه وسلم: ألا إن القوة الرمي

ويجب الجهاد بالمال لمن لا يقدر على الجهاد ببدنه

ويجب بالبدن في حال من لا مال له

ويجب بالمال والبدن في حال القادر مالياً وبدنياً

ويسن للإنسان أن يرابط على الحدود التي بين الأرضين الإسلامية والأرضين الكفرية لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) آل عمران: 200

فالمراد بالآية الرباط على الثغور فيرابط الإنسان ليحمي بلاد المسلمين من دخول الأعداء

ويجب على المسلمين أن يحفظوا حدودهم من الكفار إما بعهد وأمان وإما بسلاح رجال حسب ما تقتضيه الحال

والرباط على الحدود أقله ساعة واحدة إذ لو تناوب مع زملائه ساعة واحدة حصل له أجر

وله أن يعطي زيادة على السهم عند دخوله أرض العدو وبعث سرية تُغير دون أربعمائة نفر فله أن يقول لهم لكم بعد الخمس الربع لأن هذه السرية إذا ذهبت فإنها تذهب وهي أقل خوفاً من السرية التي تُبعث بعد رجوع الإمام لأنهم يقولون الجيش خلفناً فيقول اذهبوا وقاتلوا وما تغنمون نأخذ الخمس منه ولكم بعد ذلك الربع خاصة لكم ثم يقسم الباقي على الجيش

وله أن ينفل الثلث بعده أي بعد الرجوع وانتهاء القتال فيبعث سرية ربما تتفقد من بقي من العدو ويجعل لها الثلث وزادت عن السرية الأولى لأنها أشد خوفاً ولأن العدو في البداية ربما يكون على غفلة وعلى غرة وهنا العدو قد انتبه وربما يكون قلبه حنق يريد أن ينتقم؛ ولأن الجيش لما فرغ من القتال صار متشوفاً ففي ذلك مشقة شديدة، ولذلك كان التنفيل في الرجعة أكثر من التنفيل في البدأة، فلذلك تعطى مقابل هذا أربعة من اثني عشر لحديث حبيب بن مسلمة (شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم نفل في البدأة والثلث في الرجعة) رواه أبو داود وابن ماجه من حديث عبادة بن الصامت

ويلزم الجيش طاعة أميره الذي هو نائب الإمام، وهو ما يسمى في عرفنا الآن القائد أو حسب ما يعرف، فيلزم الجيش طاعته فيما أمر، ودليل ذلك قوله تعالى (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ) النساء: 59

ويشترط لوجوب طاعته ألاَّ يخالف أمر الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، فإن خالف أمر الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ولهذا لو أمر ولي الأمر بمخالفة أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم قلنا لا سمع ولا طاعة

وتجب طاعة ولي الأمر ولو كان من أفسق عباد الله؛ وذلك لعموم الأدلة الدالة على وجوب طاعة ولاة الأمور، والصبر عليهم وإن رأينا منهم ما نكره في أديانهم وعدلهم واستئثارهم، فإننا نسمع ونطيع فنؤدي الحق الذي أوجب الله علينا، ونسأل الله الحق الذي لنا، هكذا أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه، وهكذا جرى عليه سلف هذه الأمة

فإن أمر بمعصية الله فإنه لا طاعة له؛ لأنه هو نفسه عبد لله مأمور لله، فكيف يأمر بما يخالف أمر الله، نقول: ربنا وربك الله، ولا طاعة لك في معصية الله أبداً، ويدل لهذا قصة السرية الذين بعثهم الرسول صلّى الله عليه وسلّم وأمر عليهم رجلاً وأمرهم أن يطيعوا أميرهم، وفي يوم من الأيام أغضبوه فأمرهم أن يجمعوا حطباً، فقالوا: سمعاً وطاعة فجمعوا الحطب، وأمرهم أن يوقدوا فيه النار، قالوا: سمعاً وطاعة وأوقدوا النار، قال: ألقوا أنفسكم فيها، فتردد القوم؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمرهم أن يطيعوه، ولكن لما آمنوا آمنوا خوفاً من النار، فقال بعضهم لبعض: كيف نلقي أنفسنا في النار، ونحن إنما آمنا فراراً منها، وهذا قياس صحيح، فأبوا أن يلقوا أنفسهم في النار، فلما رجعوا إلى المدينة، وأخبروا النبي صلّى الله عليه وسلّم بهذا، قال (لو دخلوا فيها ما خرجوا منها) أخرجه البخاري ومسلم، لأنهم قتلوا أنفسهم، ومن قتل نفسه بالنار عذب بها في نار جهنم فلو قتل نفسه بخنجر فإنه يوم القيامة يعذب بهذا الخنجر في نار جهنم، ولو قتل نفسه بالتردي من شاهق فإنه يخلق له في النار شاهق فيتردى منه يعذب به في نار جهنم، ومن قتل نفسه بسم بأن تحسى هذا السم عذب به في نار جهنم، ولو دخلوا النار عذبوا بها في نار جهنم

والطاعة في المعروف للحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه

أي الذي ليس بمنكر، وأمره لهم بإحراق أنفسهم يعتبر منكر فلا طاعة له حينئذ

ويلزمنا الصبر مع الإمام، وألا نتخاذل وننصرف؛ لأن في هذا كسر لقلوب المسلمين، وإعزازاً لقلوب الكافرين، والواجب أن نصبر، وهذا في غير ما إذا تقابل الصفان، فإن تقابل الصفان؛ فالتولي من كبائر الذنوب

ولا يجوز غزو الجيش إلا بإذن الإمام مهما كان الأمر؛ لأن المخاطب بالغزو والجهاد هم ولاة الأمور، وليس الناس، فأفراد الناس تبع لأهل الحل والعقد، فلا يجوز لأحد أن يغزو دون إذن الإمام إلا على سبيل الدفاع، وإذا فاجأهم عدو يخافون شره فحينئذ لهم أن يدافعوا عن أنفسهم لتعين القتال إذاً

وإنما لم يجز ذلك؛ لأن الأمر منوط بالإمام، فالغزو بلا إذنه افتيات وتعد على حدوده، ولأنه لو جاز للناس أن يغزوا بدون إذن الإمام لأصبحت المسألة فوضى، كل من شاء ركب فرسه وغزا، ولأنه لو تمكن الناس من ذلك لحصلت مفاسد عظيمة، فقد تتجهز طائفة من الناس على أنهم يريدون العدو، وهم يريدون الخروج على الإمام، أو يريدون البغي على طائفة من الناس، كما قال الله تعالى (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) [الحجرات: 9

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث البعوث إلى الكفار ويدعونهم إلى الإسلام فإن أبوا عرضوا عليهم الجزية فإن أبوا فالقتال كما في الحديث الذي أخرجه مسلم عن بريدة رضي الله عنه

ويجوز رمي الكفار بالمنجنيق، وهو بمنزلة المدافع عندنا، وكانوا في الأول يضعون المنجنيق بين خشبتين وعليهما خشبة معترضة، وفيها حبال قوية، ثم يجعل الحجر بحجم الرأس أو نحوه في شيء مقبب، ثم يأتي رجال أقوياء يشدونه ثم يطلقونه، وإذا انطلق الحجر انطلق بعيداً، فكانوا يستعملونه في الحروب، وفي الوقت الحاضر لا يوجد منجنيق، لكن يوجد ما يقوم مقامه كالطائرات والمدافع والصواريخ وغيرها

وإذا رميناهم بالمنجنيق فإنه سوفَ يُتلف من مر عليه من مقاتل وشيخ كبير لا يقاتل، وامرأة وصبي، من غير قصد فلا بأس، أما إذا تعمد قصف الصبيان والنساء ومن لا يقاتل فهذا حرام، إذ لا يجوز قتل صبي ولا امرأة ولا خنثى ولا راهب ولا شيخ فان ولا أعمى لا رأي لهم ولم يقاتلوا أو يُحرضوا هؤلاء لا يجوز قتلهم إلا بواحد من أمور ثلاثة

الأول: أن يكون لهم رأي وتدبير

الثاني: إذا قاتلوا

الثالث: إذا حرضوا المقاتلين على القتال

ويكونون أرقاء بسبي

وبالله التوفيق

وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1438-02-29

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

3 + 6 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 122 ‌‌مكانة المرأة في الإسلام - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي