الدرس 291: دفن الميت

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 6 ربيع الأول 1438هـ | عدد الزيارات: 1558 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

يجب دفن موتى المسلمين في مقبرة مستقلة لهم، ولا يجوز دفنهم في مقابر غير المسلمين

ولا يجوز أن يدفن الكفار أياً كانت دياناتهم في مقابر المسلمين، ولا أن تدفن أعضاؤهم المبتورة منهم فيها، ولا يجوز أن يجعل لهم مقبرة خاصة في أرض الجزيرة العربية لدفن موتاهم، أو ما بتر منهم من أعضائهم؛ لما يترتب على ذلك من المفاسد الدينية والدنيوية، ولكن تسلم الجثة لوليها ويسلم العضو المبتور لصاحبه، أو وليه لينقله إلى ما يشاء خارج أرض الجزيرة، فإن لم يتيسر إخراجها دفنت في أرض مجهولة غير مملوكة لأحد؛ تحقيقًا لوجوب مواراتها، وحرصاً على السلامة من أذاها

من مات وهو تارك للصلاة لا يصلي عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين

إذا وجد من الكفار من يقوم بدفن موتاهم فليس للمسلمين أن يتولوا دفنهم، ولا أن يشاركوا الكفار ويعاونوهم في دفنهم، أو يجاملوهم في تشييع جنائزهم؛ عملاً بالتقاليد السياسية، فإن ذلك لم يعرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن الخلفاء الراشدين، بل نهى الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقوم على قبر عبد الله بن أبي بن سلول لكفره فقال تعالى (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ) [التوبة 84]وأما إذا لم يوجد منهم من يدفنه دفنه المسلمون كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بقتلى بدر ، وبعمه أبي طالب لما توفي قال لعلي: اذهب فواره

الدعاء عبادة من العبادات، والعبادات مبنية على التوقيف، فلا يجوز لأحد أن يتعبد بما لم يشرعه الله، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا بصحابته على جنازة ما بعد الفراغ من الصلاة عليها، والثابت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقف على القبر بعد أن يسوى على صاحبه ويقول (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت، فإنه الآن يسأل) فالدعاء بصفة جماعية بعد الفراغ من الصلاة على الميت بدعة

هدي الرسول صلى الله عليه وسلم إذا تبع الجنازة أنه لا يسمع له صوت بالتهليل أو القراءة أو نحو ذلك، ولم يأمر بالتهليل الجماعي، بل قد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه (نهى أن يتبع الميت بصوت أو نار) رواه أبو داود

وبذلك يتضح أن رفع الصوت بالتهليل مع الجنائز بدعة منكرة وهكذا ما شابه ذلك من قولهم (وحدوه) أو (اذكروا الله)

تقسيم الصدقة في المقبرة بدعة تخالف هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم

ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه شيع جنازة مع التهليل

من أقدم على قتل نفسه فهو مرتكب لكبيرة من الكبائر، ومتعرض لعذاب الله، ويجوز أن يترحم عليه، وأن يدعى له، وتعزية أهله وأقاربه؛ لأنه لم يكفر بقتل نفسه

والصدقة عن الميت من الأمور المشروعة، سواء كانت هذه الصدقة مالاً أو دعاءً، وأفضل الشهور للصدقة شهر رمضان والعشر الأول من شهر ذي الحجة لما ورد في ذلك من الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأفضل البقاع مكة المكرمة؛ لما في ذلك من مضاعفة الأجر، إذا وجد فيها من هو محتاج للصدقة، وإلا فالأفضل صرفها في أشد الفقراء حاجة في أي مكان، وفي الفقراء من الأقارب أفضل وأعظم أجرا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الصدقة على الفقير صدقة، وعلى ذي الرحم اثنتان: صدقة وصلة) أخرجه أحمد

لا يجوز استئجار من يقرأ القرآن على قبر الميت أو على روحه، ويهب ثوابه للميت؛ لأنه لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من السلف

وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يزور القبور، ويدعو للأموات بأدعية علمها أصحابه، وتعلموها منه، من ذلك: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية)

ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ القرآن ووهب ثوابه للأموات من أقربائه أو من غيرهم، ولو كان ثوابه يصل إليهم لحرص عليه، وبينه لأمته لينفعوا به موتاهم

وعلى هذا لا تجوز قراءة القرآن للميت، ولا يصل إليه ثواب هذه القراءة بل ذلك بدعة، لأنها ليست من عمله، وقد قال الله تعالى (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) [النجم 39]وإنما هي من عمل الحي، وثواب عمله له، ولا يملك أن يهب ثواب قراءة لغيره

ففعل القرب من حي لميت مسلم لا يجوز، إلا في حدود ما ورد الشرع بفعله؛ مثل الدعاء له، والاستغفار، والحج، والعمرة، والصدقة عنه، والضحية، وصوم الواجب عمن مات وعليه صوم واجب

لا تجوز الصلاة عن الوالدين ولا غيرهما، ولا إهداء ثواب الصلاة لهما، وما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضوان الله عليهم ما يدل على جواز إهداء الصلاة إلى الميت

لا نعلم أصلا شرعيا من كتاب الله تعالى ولا من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم يدل على وضع طينات تحت الخد الأيمن والفخذ وتحت كعبه، بل ذلك بدعة

ما يفعله بعض الناس من الوقوف زمناً مع الصمت تحية للشهداء، أو الوجهاء، أو تشريفاً وتكريماً لأرواحهم، وإحداداً عليهم، وتنكيس الأعلام من المنكرات والبدع المحدثة التي لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا عهد أصحابه ولا السلف الصالح، ولا تتفق مع آداب التوحيد، ولا إخلاص التعظيم لله، بل هذا مما تأباه أصول الإسلام

لا يجوز تعليق صور ذوات الأرواح في البيوت، ولا غير البيوت، سواء كانت لأحياء أو لأموات، أو للذكرى أو لغير ذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه (لا تدع صورة إلا طمستها، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته) رواه مسلم

الأصل عدم سماع الأموات كلام الأحياء، إلا ما ورد فيه النص؛ لقول الله سبحانه يخاطب نبيه صلى الله عليه وسلم (فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى) [الروم 52] وقوله سبحانه (وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ) [فاطر: 22]

لا يصح الاحتجاج ببناء الناس قبة على قبر النبي صلى الله عليه وسلم على جواز بناء قباب على قبور الأموات، صالحين أو غيرهم؛ لأن بناء أولئك الناس القبة على قبره صلى الله عليه وسلم حرام يأثم فاعله؛ لمخالفته

ثبت عن جابر رضي الله عنه قال (نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه) رواه مسلم

اعتياد الناس إقامة المآتم والجلوس لها لأجل التعزية بدعة؛ لمخالفتها لما كان عليه عمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم

السنة في تشييع الجنازة الصمت، وتذكر الموت، والقصد إلى أداء الواجب

التلقين بعد الموت غير مشروع، بل بدعة

يجوز الوقوف عند قبر الميت بعد دفنه وإهالة التراب عليه للاستغفار والدعاء له، بل ذلك مستحب

بناء القباب على القبور منكر ويجب ألا يكون، وما وجد يجب هدمه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن البناء على القبور، وأمر بتسوية ما رفع منها

ما تعمله المرأة التي مات عنها زوجها من لبسها الثوب الأسود عادة غير مشروعة ولا أصل لها، والواجب تركها

زيارة القبور سنة للرجال دون النساء، وهي للعظة والاعتبار وتذكر الموت والدعاء للأموات بالمغفرة والرحمة، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وعلم أصحابه رضي الله عنهم، وليست للاستغاثة بالأموات والتبرك بهم وطلب الشفاعة منهم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم (زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة) رواه مسلم

فزيارة القبور دون شد الرحال إليها سنة بالنسبة للرجال

أما بالنسبة للنساء فزيارة القبور منهن عموماً ومنها قبر النبي صلى الله عليه وسلم منهي عنها، وليست من السنة، بل لا يجوز لهن زيارة قبره صلى الله عليه وسلم ولا سائر القبور؛ لما رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج

بكاء النساء بصوت نوع من النياحة، وهي من كبائر الذنوب، وكذلك لطمهن خدودهن، وشقهن ثيابهن، من كبائر الذنوب؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران، ودرع من جرب) رواه مسلم ولما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أيضًا أنه قال (ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية) رواه البخاري ومسلم

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

1438/3/6 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 3 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي