ترويع الآمنين

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 14 شعبان 1443هـ | عدد الزيارات: 1150 القسم: خطب الجمعة

إنَّ الحمدَ لله نحمده ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتد ، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. أما بعد؛

فخير ما يُوصى به المؤمن تقوى الله -عز وجل- والخوف منه، وإياكم و الدنيا وسيئَ القول والعمل، فمن اتقى الله أحسن في طاعته "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا" (الأحزاب:70-71.)

عباد الله: إن من أعظم نعم الله على عباده أن يصبح الإنسانُ آمنا على نفسه، مطمئنا على عرضه، لا يخاف ظلم ظالم، ولا جور جائر، وقد أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن من اجتمع له الأمنُ في وطنه والصحةُ في بدنه مع وجود قوت يومه، فقد جُمعتْ له الدنيا كما قال صلى الله عليه وسلم: "من أصبَح منكم آمنًا في سِربِه، معافًى في جسدِه، عنده قوتُ يومِه، فكأنّما حيزَت له الدّنيا بحذافيرها" السلسلة الصحيحة للألباني .

والأمنُ في البلاد مع الصحة في الأبدان نعمةٌ يجب أن تشكرَ، فإن من فاتته هذه النعمة لم يسعد في الحياة بشيء؛ ولذلك جاء في الْحِكَمِ:"نعمتان مجحودتان:الأمن في الأوطان والصحة في الأبدان".

ولهذا كانت أوَّل تضرُّعات الخليل عليه السلام لربّه جل وعلا أن يبسُطَ الأمنَ على مهوى أفئِدَة المسلمين، فقال: (ربِّ اجعل هذا البلدَ أمنًا) فاستجاب الله دعاءَه، فقال سبحانه: (وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا)[آل عمران:97].

وفضَّل اللهُ البيتَ الحرام بما أحلَّ فيه من الأمنِ والاستقرار، فقال: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا)[البقرة: 125]. وضرب الله تبارك وتعالى مثلا ببلاد سبأ؛ إذ كانوا يعيشون آمنين في بلادهم ، فلما أعرضوا عن دين الله، مزقهم كل ممزق، وجعلهم أحاديث، يقول عز وجل: (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرىً ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ * فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) [سبأ: 18-19]. ويوسفُ عليه السلام يخاطبُ والدَيه وأهلَه ممتنًّا بنعمة الله عليهم بدخولهم بلدًا آمنًا مستقرًّا تطمئنّ فيه نفوسُهم:(وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ) [يوسف: 99].

والعربُ قبلَ الإسلام كانت تعيش حالةً من التمزُّق والفوضى والضّياع، تدور بينهم حروبٌ طاحنة، ومعاركُ ضارية، وعَلَتْ مكانةُ قريش من بينهم لاختصاصها بالأمن، ولاحتضانها بلدًا آمنا، قال تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) [العنكبوت:67].

والأمن في حياة الناس مطلبٌ هامٌ وضروري؛ تسعى إليه جميع الدول والشعوب والمجتمعات، بكل طاقاتها وخبراتها، وقوانينها وتشريعاتها، فلا حياة بدون أمن واستقرار.

أيها المؤمنون : لقد جاءت الشريعةُ الإسلاميةُ بأحكامها وتشريعاتها لتنشر الأمن والأمان بين الناس، فشرعت القوانين، وسنت الأحكام، وخاطبت القلوب والعقول، ورتبت على ذلك الثواب والعقاب، في الدنيا والآخرة، وصانت لأجل ذلك الدماء والأعراض والأموال، وحفظت الحقوق، وحذرت من التعدي والظلم والبغي من الإنسان على أخيه الإنسان.

بل حذرت الشريعة الإسلامية حتى من مجرد ترويع المسلم وتخويفه، ولو على سبيل المزاح، فقال عليه الصلاة والسلام: "لا يأخذ أحدكم متاع أخيه لا جاداً ولا هازلاً"أخرجه والترمذي في الفتن وحسنه الألباني في صحيح الترغيب .

وفي بعض أسفاره صلى الله عليه وسلم ينام رجلٌ من الصحابة على دابته، فأخذ شخص سهامه من كنانته، فاستيقظ مُرتاعاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لرجل أن يروّع مسلماً"أخرجه الطبراني في الأوسط وحسنه الألباني في صحيح الترغيب.

فإذا كان هذه التحذيرُ والوعيدُ من مجرد ترويع المسلم وتخويفه، فكيف بمن يستحل دم المسلم وعرضه وماله، ويكون سبباً في ترويع الناس، ونشر الخوف في المجتمع بأفعاله وسلوكه، فكم من دماءٍ سفكت، وأعراض انتهكت، وأموال نهبت ظلماً وطغياناً !.

عباد الله: أي جريمة يرتكبها هذا الإنسان بسفك دماء الآخرين! وأي تصرف عدواني يقوم به، وأي غاية يسعى إليها بأفعالٍ من شأنها تقويض المجتمع، وتصدع أركانه، وتهدم بنيانه؟!

قال عليه الصلاة والسلام: "لن يزال المؤمن في فُسحةٍ من دينه ما لم يُصِب دمًا حرامًا" رواه البخاري .

ألا فلنحذر من ترويع المسلمين وتخويفهم وأذيتهم؛ لنلقى الله بأعمالٍ تبيض وجوهنا بين يديه، ولنأخذ على يدي الظالم والمعتدي حتى يرتدع عن أعماله، ولننشر في مجتمعنا الحب والأمن والأمان.

هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

أما بعد:

عباد الله: ما قيمة المال إذا فقد الأمن؟! ما طيب العيش إذا انعدم الأمن؟! وكيف تنتعش الحياة بدون الأمن؟! وكيف يتبادل الناس المنافع وكيف تعمر الديار وتوصل الأرحام إذا فقد الأمن؟!

إن الأمن مِن نعم الله العظمى، وآلائه الكبرى، لا تصلُح الحياة إلا به .

هذا وصلوا على نبيكم كما أمركم ربُّكم فقال في محكم كتابه (إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب:56].

اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وفضلك .

اللهم وفق ولي أمرنا وولي عهده لما تحب وترضى، وانصر جنودنا على حدودنا، " رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ" (البقرة201).

عباد الله: اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ، وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.

1443/8/14 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 1 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي