توديع العام دروس وعبر

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 16 ذو القعدة 1444هـ | عدد الزيارات: 468 القسم: خطب الجمعة

الحمدُ لله الموفِّقِ لكلِّ خيرٍ، صاحبِ الفضلِ والجودِ، نعمُه كثيرةٌ، وجودُهُ دائمٌ لا ينقطع، وأشهد أنَّ لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُ الله ورسولُه.

أمَّا بَعْدُ: ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون[آل عمران 102]

عبادَ الله؛ رأسُ مال الإنسان في هذه الحياة عُمْرُهُ وسنواتُهُ وأيامُهُ، جعل اللهُ تقلُّبَ الليل والنهار وتعاقبهما عظةً لمن يعتبر ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ﴾ . [الفرقان 62]

عباد الله؛ ألم تروا إلى هذه الشهور تهل فيها الأهلة صغيرة كما يولد الأطفال ثم تنمو رويدا رويدا كما تنمو الأجساد حتى تتكامل فإذا تكامل نموها أخذت بالنقص وهكذا عمر الإنسان فاعتبروا يا أولي الأبصار ، ألم ترو إلى هذه الأعوام تتجدد عاما بعد عام فإذا دخل العام الجديد نظر الإنسان إلى آخره نظر البعيد ثم تمر به الأيام سراعا والليالي تباعا فينصرم العام كلمح البصر وإذا بالإنسان في آخره وهكذا عمر الإنسان يتطلع إلى آخره تطلع البعيد وفجأة إذا بالموت قد حضر وقد كان الإنسان يتسلى في دنياه بالأماني وطول الأمل ﴿ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ﴾. [ق 19]

إنَّ كُلَّ يومٍ يمرُّ بَلْ كل لحظة تمر على الإنسان فإنها تبعده عن الدنيا وتقربه من الآخرة، ، فطوبى لعبد اغتنم حياته فيما يقربه من ربه، طوبى لعبد شغل الليل والنهار فيما يرفعه في الجنة درجات، ويجنبه المعاصي والسيئات ويقيه من حر النار والدركات طوبى لعبد اتعظ في هذه الأحوال .

أيها المسلمون:

إننا نودع عامًا ماضيًا شاهدًا علينا بما أودعنا فيه من الحسنات والسيئات، وبما عملنا فيه من الباقيات الصالحات، وبما ارتكبنا فيه من المعاصي والمخالفات، نودع عامًا مضى من أعمارنا سوف يسألنا الله عنه، ونستقبل عامًا جديدًا لا ندري كم لنا فيه من الليالي والأيام؟ نستقبل عامًا جديدًا يقربنا من الآخرة ويبعدنا عن الدنيا.

أيها المسلمون:

إن انقضاء العام نستوحي منه دروسًا بالغةَ الأهميةِ ينبغي أن تكونَ أمامَ أعيننا حتَّى نفوزَ ونربحَ .

أولها: أنَّ الدنيا فانيةٌ، وما هي إلا مَعْبَرٌ للآخرة ومزرعةٌ لها، لمن وفَّقَهُ الله تعالى وأن عمر الإنسان فيها محدود وقليل، فلنقصر الأملَ ولنستحضر دومًا حلولَ الأجل، لقد بين لنا ربنا ورسوله قدر الدنيا وقيمتها وحقيقتها فهي متاع قليل ﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا[النساء 77].

وثانيها: أن الأيام والليالي أوقات غالية وجواهر نفيسة فإما أن يغتنمها ويعمل فيها وإلا فهي تعمل فيه خاصةً إذا علم أنَّ عمرَه فيها قصيرٌ فعن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال " أَعْمَارُ أُمَّتِي ما بين السِّتِّينَ إلى السَّبْعِينَ وَأَقَلُّهُمْ من يَجُوزُ ذلك " (صحيح الترمذي للألباني) لذلك أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى اغتنام ساعات العمر قبل انصرامها فقال لرجل وهو يعظه " اغْتَنِمْ خَمْسًا قبلَ خَمْسٍ: شَبابَكَ قبلَ هِرَمِكَ ، وصِحَّتَكَ قبلَ سَقَمِكَ ، وغِناكَ قبلَ فَقْرِكَ ، وفَرَاغَكَ قبلَ شُغْلِكَ ، وحَياتَكَ قبلَ مَوْتِكَ . " (صحيح الترغيب للألباني).

إنَّ الوقت غالٍ ونفيسٌ، وهو سريعُ الانقضاء لا ينتظر الغافلين حتى يستيقظوا بل كل نفس يتنفسه الإنسان جزء من عمره وكل يوم تغيب شمسه لا يعود للدنيا ثانية والذين يدركون سرعة الزمن هم الذين يوفقون لاغتنام ساعاته بما ينفع ويفيد، قال أحدُ البلغاء " من أمضى يومه في غير حق قضاه أو فرض أداه أو مجد أثله أو حمد حصله أو خير أسسه أو علم اقتبسه فقد عق يومه وظلم نفسه " إن مضي كل ساعة وكل يوم وكل شهر إنما هو نقص من عمر الإنسان وإبعاد له عن الدنيا وتقريب له من الآخرة.

فعلينا أيها المسلمون أن نغتنم الأيام والليالي فيما يقربنا إلى الله تعالى، ولنعلم جميعا أن طول العمر حُجَّةٌ، فعن أبي هُرَيْرَةَ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أَعْذَرَ الله إلى امْرِئٍ أَخَّرَ أَجَلَهُ حتى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً " (صحيح البخاري) .

أي: أزال عذره ولم يبق له موضع للاعتذار لأنه أمهله طول هذه المدة وسيسأل عنها بين يدي الله، فعن بن مَسْعُودٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لَا تَزُولُ قَدَمُ بن آدَمَ يوم الْقِيَامَةِ من عِنْدِ رَبِّهِ حتى يُسْأَلَ عن خَمْسٍ عن عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ وَمَالِهِ من أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ"(رواه الترمذي وصححه الألباني)

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب السموات والأرض ، رب العرش العظيم، يعطي الحكمة من يشاء ، ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا، وأشهد أنَّ لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُ الله ورسولُه، وبعدُ:

أيها المسلمون: علينا قبل أن نستقبل العام الجديد :

أن نحاسب أنفسنا، فإن أحسنا فلنحمد الله على ذلك ولنسأله المزيد من فضله والثبات على دينه حتى نلقاه، وإن كنا أسأنا وأذنبنا وأخطأنا فلنتب إلى الله توبة صادقة من ذنب عملناه ومن كل سوء فعلناه.

وعلينا أن نعقد العزم على تجديد العهد مع الله، وأن نستكثر من الطاعات وأن لا نفوت فرصة من فرص الخير إلا حرصنا عليها وسابقنا في تحصيلها وأن نبتعد عن الذنوب والآثام والخطايا والأوزار، وإن حصلت من أحدنا زلة أو هفوة بادرنا إلى الاستغفار والتوبة إلى الله منها .

وعلينا أن نكثر من ذكر الموت وما بعده من منازل الآخرة فإن ذلك أدعى للعمل والاستكثار من الصالحات فإن الإنسان لا يدري كم له في العام الجديد هل سيكمله ؟ أم أنه لم يبق له فيه إلا شهور وأيام .

وعلينا أن نحرص على نافلة الصيام في الشهر المحرم فصومه أفضل الصوم بعد صيام رمضان فعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ " (صحيح مسلم).

عباد الله؛ إن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه، وثنَّى بملائكته، فقال عزَّ من قائل عليمًا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[ الأحزاب: 56] ، اللهم صل على نبينا محمد، وعلى آل محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة: أبي بكر وعمر وعثمان، وعليٍّ، وعن الصحابة أجمعين، وعنا معهم بفضلك وجودك، اللهم اجعلنا ممن يتعظ بغيره ولا يتعظ غيره به، واجعلنا من عبادك الصالحين، واغفر لنا ولوالدَينا ووالدِي والديْنا، رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيْمَانِ، رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلّ شَيءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَاب الجَحِيمِ. اللهم وفقنا لكل خير وأصلحنا، واهدنا واجعلنا سببا لمن اهتدى، اللهم احفظ ديارنا وديار المسلمين من كل مكروه وسوء، ووفق ولي أمرنا وولي عهده، لما تحب وترضى.

وأقم الصلاة، إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.

١٥ ذو القعدة ١٤٤٤




التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 3 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي