يوم عاشوراء

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 17 ذو القعدة 1444هـ | عدد الزيارات: 419 القسم: خطب الجمعة

الحمدُ لله، إليه تصير الأمور، وبيدِه تصريفُ الدّهور، أحمده سبحانه وأشكره، عمَّ الخلائقَ فضلُه وإحسانه، ووسِع المذنبين عفوُه وغفرانُه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، عظُم شأنُه وعزّ سلطانهُ وجل ثناؤه وتقدست أسماؤه ، وأشهد أنّ محمّدًا عبد الله ورسوله، بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، صلّى الله وسلّم وبارك عليه ، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين، وسلَّم تسليمًا ، أما بعد:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران 102]

عباد الله: من فضل الله تعالى على عبادِه ونعمِه عليهم أن اختص بعض الأزمنة على بعض بمزيد من الفضل ، ومن تلك الأزمنة شهر الله المحرم، وهو شهر عظيم من أشهر العام، وهو أحد الأشهر الحُرُم التي نهانا فيها مولانا أن نظلم فيهنَّ أنفسنا؛ لأنَّها آكد وأبلغ في الإثم من غيرها. قال - تعالى -: {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: 36].

ومما اختصَّ اللهُ به شهرَ المحرم اليوم العاشر منه، وهو عاشوراء، هذا اليوم الذي احتسب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - على الله أن يكفِّر لمن صامه السنة التي قبله؛ فعن أبي قتادة - رضي الله عنه - أنَّ رجلاً سأل النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن صيام عاشوراء، فقال: "أحتسب على الله أنْ يكفر السنة التي قبله" (رواه مسلم).

وقد صامه النبي - صلى الله عليه وسلَّم ، واليهود أتباع موسى - عليه السَّلام - كانوا يصومونه ؛ وذلك لأنه اليوم الذي نَجَّى الله فيه موسى - عليه السَّلام - من فرعون وقومه؛ فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: " قدم النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم – المدينة، فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح نَجَّى الله فيه بني إسرائيل من عدوِّهم، فصامه موسى" (صحيح البخاري).

ونحن المسلمين أحقُّ بصيام هذا اليوم؛ لأننا أولى بموسى منهم، فنصومه ؛ كما قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم-. " فأنَا أحَقُّ بمُوسَى مِنكُمْ، فَصَامَهُ، وأَمَرَ بصِيَامِهِ ". (صحيح البخاري).

عباد الله:

صومُ عاشوراء وإن لم يكن واجبًا باتِّفاق جمهور العلماء، فهو من المستحبات التي ينبغي الحرص عليها، وذلك لأن رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - تحرى صيامَ هذا اليوم، فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "ما رأيت النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يتحرَّى صومَ يومٍ فضَّلَه على غيره إلاَّ هذا اليوم يومَ عاشوراء" (أخرجه البخاري)؛ ولحرص الصحابة - رضوان الله عليهم - على صيام صبيانِهم ذلك اليوم؛ تعويدًا لهم على الفضل؛ فعن الربيع بنت معوذ قالت: "أَرْسَلَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إلى قُرَى الأنْصَارِ: مَن أصْبَحَ مُفْطِرًا، فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَومِهِ، ومَن أصْبَحَ صَائِمًا، فَليَصُمْ. قالَتْ: فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ، ونُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا، ونَجْعَلُ لهمُ اللُّعْبَةَ مِنَ العِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أحَدُهُمْ علَى الطَّعَامِ، أعْطَيْنَاهُ ذَاكَ حتَّى يَكونَ عِنْدَ الإفْطَارِ.". (صحيح البخاري).

وكان الزهري يقول: رمضان له عدة من أيَّام أخر، وعاشوراء يفوت، ونص أحمد على أنه يصام عاشوراء في السفر.

عباد الله:

إن من فضل الله علينا أنْ وهبنا بصيام يوم واحد تكفيرَ ذنوب سنة كاملة، وهذه الذنوب التي يكفرها صيام يوم عاشوراء هي الذُّنوب الصَّغائر فقط، أما الكبائر فلا تكفرها إلا التوبة وقبولها، كما أشار إلى ذلك العلماء المحقِّقون كابن تيمية وغيره - رحمة الله على الجميع-.

عباد الله: قد ثَبَت عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - صام يوم عاشوراء، ، وثبت عنه أنَّه قال: "لئن بقيت إلى قابل، لأصومَنَّ التاسع(صحيح مسلم). فصام - عليه الصلاة والسَّلام - اليومَ العاشر فعلاً، وهَمَّ بصيام التاسع، والهم هنا يحاكي الفعل، فهاتان مرتبتان ثابتتان في السنة.

قال ابن القيم :" صيام العاشر فقط يجزئ، والتاسع مع العاشر أفضل، والتاسع مع العاشر والحادي عشر أكمل "

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ، ونفعني وإياكم بما فيهما من الفضل والحكمة.

هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هوالغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبد الله ورسوله.

عبادَ الله: إن ممَّا أحدثته بعض الفرق الضالة في يوم عاشوراء، بحجة مقتل الحسين رضي الله عنه، واتخذته مأتما وحزنا ونياحة تظهر فيه شعار الجاهليَّة من لطم الخدود، وشقِّ الجيوب، والتعزي بعزاء الجاهليَّة وإنشاد قصائد الحزن، ورواية الأخبار التي فيها كذب كثير، ليس فيه إلا تجديد للحزن والتعصُّب، وإثارة الشحناء والحرب، وإلقاء الفتن بين أهل الإسلام، للوصول بذلك إلى سبّ السابقين الأولين، فكل هذا مما زينه الشيطان لأهل الضلال والغي. وشر هؤلاء وضررهم على أهل الإسلام لا يُحصيه الرجل الفصيح في الكلام.

عباد الله إن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه وثنى فيه بملائكته فقال عز من قائل عليمًا :{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } [الأحزاب56] ، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن الصحابة أجمعين ، وعنا معهم بفضلك وجودك، اللهم احفظ بلادنا من كل سوء، ووفق ولي امرنا وولي عهده لما تحب وترضى، وأقم الصلاة، إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا.

١٦ ذو القعدة ١٤٤٤ هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 1 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي