تعظيم الأشهر الحرم

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 2 ذو القعدة 1444هـ | عدد الزيارات: 385 القسم: خطب الجمعة


الحمد لله رب العالمين ، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب: 70-71].

أما بعد:

عباد الله: من نعم الله سبحانه وكرمه ما يفتح الله –عزّ وجل- على عباده من مواسم الخيرات، تلك الأيام المباركات التي يمن الله بها - جل وعلا- على عباده، فما أن انقضى شهر رمضان في الليلة التي انقضى فيها الشهر، بدأ موسم كريم وهو موسم الحج لبيت الله الحرام.

يقول: تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197]، وهذه الأشهر تبدأ من أول شهر شوال، فهي أشهر الحج، أشهر مباركات فيها، ركن من أركان الدين.

ومن فضل الله تعالى ومنته يأتي مرةً أخرى بدخول الأشهر الحرم، والتي تبتدئ من أول ذي القعدة، يقول الله –عز وجل-: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُم} [التوبة: 36].

فبيّن الله –عز وجل- أن عدة الشهور وعددها في داخل السنة اثنا عشر شهرًا.

هذه الشهور موجودة منذ خلق الله -جل وعلا- السماوات والأرض، وإن كان أهل الجاهلية قد حرفوا فيها وبدلوا هروبًا من الأشهر الحرم وهي أربعة أشهر حرمها الله –عز وجل-، حرّم فيها سفك الدم، وسفك الدم محرم طوال العام، ولكنه في هذه الأشهر أشد تحريمًا.

هذه الأشهر الأربعة بيّنها خليل الله المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع، في حديث أبي بكرة -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خطب فقال: " الزَّمانُ قَدِ اسْتَدارَ كَهَيْئَةِ يَومَ خَلَقَ السَّمَواتِ والأرْضَ؛ السَّنَةُ اثْنا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْها أرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاثَةٌ مُتَوالِياتٌ:ذُو القَعْدَةِ، وذُو الحِجَّةِ، والمُحَرَّمُ، ورَجَبُ مُضَرَ الذي بيْنَ جُمادَى وشَعْبانَ، ".(صحيح البخاري)

فهذه هي الأشهر الحرم، وهذا هو بيانها، ثلاثة متوالية :وهي ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، وشهر واحد بمفرده وهو شهر رجب مُضَر، نسب إلى قبيلة مُضَر؛ لأن قبيلة مضر كانت تعظم هذا الشهر ولا تنسئه ولا تغيره.

عباد الله؛ ها نحن نستقبل هذه الأشهر المتوالية تباعًا، قال الله –عز وجل -: (فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ} وظلم النفس بالوقوع فيما لا يرضي الله –عز وجل-، بالتجرؤ على معصية الكبير المتعالي، محرم في سائر العام، ولكنه في هذه الأشهر أشد تحريمًا وتعظيمًا، وتجريمًا.

{فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ}: وظلم النفس يكون بالتعدي على حق الكبير المتعالي، ظلم وأي ظلم، ظلم النفس بالتعدي على حقوق عباد الله ظلم وأي ظلم. فعلى المرء المسلم أن يتقي الله –عز وجل-، وأن يراقب الله -تبارك وتعالى- في نفسه في هذه الأشهر، فهو أمام حرمة من حرمات الله: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32]، {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [الحج: 30]، وهو أمام حرمة من حرمات الله وشعيرة من شعائر الله، فينظر الله –عز وجل- كيف نعمل في هذه الأيام وفي هذه الأشهر، فاجتناب الظلم أيًّا كان نوعه واجب في سائر العام، وهو في هذه الأيام أشد وجوبًا.

ثم علينا الاجتهاد في الطاعة والإقبال على ما يُرضي الله –عز وجل-، رغبة في ثواب الله وطمعًا في كرمه سبحانه.

هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم .فاستغفروه إنه هوالغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمد الشاكرين، وأصلي وأسلم على النبي الكريم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

أيها الأحبة: إن الأيام تمر مسرعات، وهي مراحل نطويها إلى الدار الآخرة، أيام تمر نقطعها مرحلةً مرحلةً، وكل يوم يمر يقربنا إلى الدار الآخرة. فهلا اعتبرنا بسرعة مرور الأيام؟! هلا اعتبرنا بما مضى كيف مضى؟! هلا اعتبرنا كم ودعنا في الأيام الماضية من حبيب وقريب وصاحب؟! هلا اعتبرنا بمن رحلوا للدار الآخرة؟!

أيها المؤمنون اعتبروا -رحمكم الله- واتعظوا بمرور الأيام، وتزودوا منها لوقوفكم بين يدي الكبير المتعال.

واعلموا أن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه وثنى فيه بملائكته فقال عز وجل: { إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما } [الأحزاب:56].

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد ءامنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين ، اللهم اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك ، اللهم أصلح ولاة أمرنا وأصلح بطانتهم.

عباد الله: " إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون " النحل 90

فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون

١ ذو القعدة ١٤٤٤ هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 3 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي