ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮﻗﻊ

أضرار المبالغة في الإيجار

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 14 ربيع الثاني 1447هـ | عدد الزيارات: 188 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله ربِّ العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }[آل عمران 102]

أما بعد؛

عباد الله؛ اعلموا أن الإسلام رِسالةُ خيرٍ وسَلامٍ ورحمةٍ للبشرية كُلِّها، دعا إلى التراحم، وجعل الرحمةَ من دلائل كمال الإيمان، والرحمةُ صِفَةُ هذه الأُمَّة، وتشملهم جميعاً؛ كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى " رواه مسلم.

معاشرالإخوة؛ يقول الله تعالى في قصة موسى وشعيب: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ}. [القصص : 27]

يَقْصِدُ شعيبٌ: أريد أن تكون أجيراً عندي ثماني سنوات، وهذا مَهْرالفتاة، أراد به أن يُغلِي من قيمة ابنته، حتى لا يقول زوجها: إنها رخيصة، أو أن أباها رماها ، لكنه استدرك بقوله: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ}، يعني: لا أريد أن يحملني قصدي على إلحاق المشقة بك لتطبيق ما اتفقنا عليه.

وفي صحيح الترمذي للألباني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الرَّاحمونَ يرحمُهُمُ الرَّحمنُ ، ارحَموا من في الأرضِ يرحَمْكم من في السَّماءِ».

أيها الإخوة: الإسلام : عقيدة، وشريعة، وأخلاق، وتنقسم الشريعة إلى خمسة أبواب، وهي:

العبادات، والمعاملات، والأسرة ، والقضاء، والسياسة الشرعية.

ولا يستقيم إسلام مسلم حتَّى تستقيم منه هذه الأبواب الخمسة كاملة، فنحن -المسلمين- نتقرب إلى الله تعالى بإتقان معاملاتنا المالية وبحسن الكسب والإنفاق على بيوتنا تماماً كما نتقرب إليه بصلاتنا وصيامنا، ولعلَّ رجلاً ينال رتبة عالية عند الله تعالى بحُسن تحرِّيه الحلال في رزقه، فحسن الاقتصاد من الدين، وهو ضامن للحياة الكريمة في الدنيا.

عباد الله؛ هناك جانب يمس قطاعا كبيرا في المجتمع والتغافل عنه يؤدي إلى عدم استقراره، ومضاعفة أعبائه : المادية والنفسية، والتاثير على جودة الحياة، ألا وهو غلاء الايجارات.

أيها المؤمنون ؛ يرجع غلاء أسعار الإيجارات غالباً إلى أسباب منها: التقليد، والطمع.

- التقليد:

بدايةً: إنَّ ما تعارف عليه الناس محترم ومقدر في الإسلام ما لم يخالف نصاً شرعياً، فالعرف في الشريعة الإسلامية أحد المصادر التبعية للأحكام الشرعية، فلا تجد فقيهاً إلا وقد عاد للعرف في عدد من المسائل التي اجتهد فيها، كأجرة المثل، وثمن المثل، ومهر المثل، وقيمة كفارة الإطعام، والنفقة على الأصول والفروع ونحو ذلك...

ومن هذا العرف ما تعارف الناس عليه من الأسعار والإيجارات، لكن المشكلة تحدث عندما تختل الموازين، وترتفع الأسعار والإيجارات بشكل جنوني، فيندفع عدد من أصحاب البيوت إلى رفع إيجارات بيوتهم للحاق بركب ارتفاع الإيجارات حولهم، فيتبع الواحد منهم كل تغير جديد، دون النظر إلى بقية الاعتبارات.

فأقول لمن أراد تقليد هؤلاء ما قال عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه،: « لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً ، تَقُولُونَ : إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا ، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا ، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ ، إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا ، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَا تَظْلِمُوا".

والأصل أن يتسابق الناس بالخيرات، ويتنافسون بالمبرات، {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ}[الحديد:21] {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين:26] لا أن يتنافسوا ويتسابقوا في بلوغ مصالحهم على حساب إخوانهم، وسرد التبريرات لسلوكياتهم وفق النظام الاقتصادي الدنيوي دون النظر في الميزان السماوي.

واعلم يا أخي -صاحب العقار- أنه من آدم إلى يومنا هذا لم يتفق اثنانِ في صورةٍ واحدةٍ، إلا من رحم ربي، {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُم} {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ} فلا تحشرْ نفسك في سرداب التقليد والمحاكاة لمن لا يُقيمون لميزان الآخرة اعتباراً، وابذل ما تستطيع من الخير، مستحضراً قوله صلى الله عليه وسلم: :" مَنِ استطاع منكم أنْ ينفعَ أخاهُ فَلْيَنْفَعْهُ." صحيح الجامع للألباني.

- الطمع:

فكلكم يعلم أن هذا الخلق مذموم في الدنيا والآخرة، وترون كم أوقع بين الأرحام والخلان، فأغلق أصحاب الدور دورهم في وجوه أرحامهم لزعمهم أن القريب لا يُعامل بالمال، وبعضهم كان أجرأ من ذلك فطلب من القريب أكثر مما يطلب من الغريب، ولم يرقب فيه إلا ولا ذمة، فنعوذ بالله من نفس لا تشبع.

ويغنينا عن الكلام الكثير في الأمر قولُ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كما أخرج البخاري ومسلم، واللفظ للأول: « لَوْ أنَّ لِابْنِ آدَمَ مِثْلَ وادٍ مالًا لَأَحَبَّ أنَّ له إلَيْهِ مِثْلَهُ، ولا يَمْلَأُ عَيْنَ ابْنِ آدَمَ إلَّا التُّرابُ، ويَتُوبُ اللَّهُ علَى مَن تابَ».

هذه من الأسباب التي وجدتها أصلاً في ارتفاع الإيجارات.

وكما ذكَّرت أصحاب العقارات بتقديم المعونة للمستأجر أذكِّر مستأجراً يتلف البيت الذي يسكنه، ويتناسى فواتير الكهرباء والماء، ويماطل صاحب الدار على رأس كل شهر، ويسرق بعض متاع البيت إذا غادر، فاتق الله أخي في مال الناس، وأحسن لمن أحسن إليك، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟!

هذا، وأستغفر الله لي ولكم ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية :

الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ،وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

أما بعد؛

عباد الله؛ إنَّ الرحمةَ خُلُقٌ عظيم، ووصْفٌ كريم، أُوتيَه السُّعَداء، وحُرِمه الأشقياء، جَبَلَ اللهُ سبحانه الناسَ عليها؛ بل هذه الرحمة ضارِبةٌ في جُذور المخلوقات، ومُختلِطة بكيان الموجودات، وبها يرحم بعضُهم بعضاً؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « إنَّ اللَّهَ خَلَقَ الرَّحْمَةَ يَومَ خَلَقَها مِائَةَ رَحْمَةٍ، فأمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعًا وتِسْعِينَ رَحْمَةً، وأَرْسَلَ في خَلْقِهِ كُلِّهِمْ رَحْمَةً واحِدَةً...» صحيح البخاري.

فما أحوجَ الناسَ إلى التخلُّق بالرحمة في هذا الزمان الذي غلبت فيه الأهواء، وأُعجِبَ فيه كُلِّ ذِي رأيٍ برأيه؛ فإنَّ الحياةَ لا تستقيمُ إلاَّ بالتَّراحم، وأوَّل مَنْ ينتفِع بالرحمة صاحبُها في الدنيا والآخرة، يقول النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلاَثَةٌ» - وذَكَرَ منهم: «رَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ» رواه مسلم.

والرحمة الكاملة الشاملة هي رحمةُ اللهِ، التي عمَّتْ جميعَ الكائنات، فما من مَوجودٍ إلاَّ ويرحمه اللهُ تعالى: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ[الأعراف: 156]. ورحمةُ اللهِ تعالى بعباده لا يُمكن حَصْرُها؛ ومن أمثلتِها: تكفُّل اللهِ تعالى برزق عباده؛ فلم يَكِلْ أحداً إلى أحد، وإنما تكفَّل بِرِزق الجميع فالجميع تحت فضلِه وكرمِه وإحسانِه.

اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا ، وانصرنا على القوم الكافرين ، واحفظ بلادَنا وإمامَنا ووليَّ عهده، ووفقهما لما فيه صالح العباد والبلاد، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

1 + 3 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي