إنّ الحمدَ للهِ، نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ منْ شُرورِ أنفسِنَا ومِنْ سَيّئَاتِ أعمالِنا، وَأَشْهَدُ ألّا إِلَهَ إِلّا اللهُ وحدهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنّ محمدًا عبدهُ ورسولُه، صلّى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وصحبِهِ وسلّم تسليمًا .
أمّا بعدُ: فاتّقُوا اللهَ أَيُّهَا المؤمنونَ، واعلموا أنَّ التَّقوى هي سبيلُ النَّجاةِ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون)[آل عمران:102].
عبادَ اللهِ: من مكارمِ الإسلامِ وفضائلهِ العظيمةِ حرصُه على كبارِ السنِّ، وأمرُه برعايتهِم، والقيامِ بحقوقهِم، لتتحققَّ الثمرةُ المرجوةُ وهي نزولُ الرحمةِ، ونيلُ رضا اللهِ -جلَّ وعلا-، وحلولُ الخيرِ والبركةِ، قال -صلى اللهُ عليه وسلم-: "هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ"(رواه البخاري)
عبادَ اللهِ: وهؤلاءِ الكبارُ الأكارمُ، هُم أحْبابُنا وبركةُ حياتِنا، فيجبُ علينَا أن نؤدِّيَ شيئًا من حقوقِهم طاعةً للهِ -جلَّ وعلا-، وأداءً لشيءٍ من إحسانِهم وفضلِهم وردًا لجميلِهم فيمَا مَضَى، ومن ذلك ما يلي:
أولاً: إكرامُهم وتوقيرُهم وإجلالهم، وقد حثَّنا رسولُنا -صلى اللهُ عليه وسلم- على ذلك؛ فعن معاذِ بنِ جبلٍ -رضي الله عنه-: أن رسولَ الله -صلى اللهُ عليه وسلم- قال: "إذَا أتاكم كبيرُ قومٍ فأكرمُوه"(رواه ابن ماجه وحسَّنه الألباني).
ثانيًا: بَدْؤهمْ بالسلامِ: احترامًا وتقديرًا لهم، قال -صلى اللهُ عليه وسلم-: "يُسَلِّمُ الصَّغيرُ على الكَبيرِ، وَالمَاشِي على القاعِدِ، وَالقَلِيلُ على الكَثِير"(رواه البخاري).
ثالثًا: حُسنُ الحديثِ والخطابِ معهُم: فَنتَكَلَّم معهُم بألطفِ خطابٍ، وأجملِ كلامٍ، دلالةً على قدرهِم ومنزلتِهم في نفوسِنا.
رابعًا: تقديمُهم في المجالسِ، والكلامِ، والطعامِ، والشرابِ، والدخولِ والخروجِ.
خامسًا: الدعاءُ لهم: بطولِ العُمرِ، والازديادِ من العملِ الصالحِ، والحفظِ والإعانةِ على الخيرِ، وحُسنِ الخاتمةِ، لما ورد عن عبدِاللهِ بنِ بسرٍ: أنَّ أعرابيًّا قال: يا رسول اللهِ، مَن خيرُ الناسِ؟ قال: "مَن طال عمرُه، وحسُن عمله"( صحيح الترمذي للألباني).
سادساً: مراعاةُ حالِهم وضعفِهم: بسببِ الكبرَ والتجاوزِ في العمرِ؛ وهذا يوجبُ زيادةَ العنايةِ والاهتمامِ بهم، وإدخالِ السرورِ عليهم.
سابعًا: الذهابُ بهِم للحجِّ والعمرةِ، وإعانتُهم على الزياراتِ العائليةِ وصلةِ الأرحامِ، والخروجِ بهم للمنتزّهاتِ إذا أحبوا ذلك ورغبوا فيه.
ثامنا: التوسعةُ لهُم في الاجتماعاتِ الأسريةِ، والمبادرةُ للسلامِ عليهِم، وتقديمُ الأطفالِ الصغارِ للسلامِ عليهم وإشعارُهم بوقَارهِم ومكانتِهم.
تاسعا: الاهتمامُ بملبسِهم ومظهرهِم، خاصةً في أيامِ المناسباتِ؛ كالأعيادِ وغيرِها؛ لكي يظهرَ بالمظهرِ الطيِّبِ، ويُشاركَ الناسَ في فرحتِهم وبهجتِهم.
عاشرا: أنْ نُخَصِّص لهم في بيوتِنا أماكنَ للعبادةِ، فَنَجعْلَ لهُم مصلَّى بفراشٍ لينٍ، ورائحةٍ طيبةٍ، وأضواءَ مناسبةٍ تُعينهُم على الخلوةِ بربِّهم ومناجاتِه، ولو وُضعَ فيهِ مصحفٌ يقرأُ فيه فهذا خيرٌ على خيرٍ.
أحد عشر: إشراكهُم في الحديث في المجالسِ بطرحِ الأسئلةِ عليهِم فيمَا يُحبُّونَه ويرغبونَه، ولا سيَّما في ماضي حياتِهم، بذكرِ بعضِ مواقفهِم وأعمالِهم التي يُسَرُّونَ بالحديثِ عنها، ويكونُ فيهَا نفعٌ للحاضرين.
(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون)[النحل:97].
هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروا إنَّه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ على فضلهِ وإحسانهِ، والشُّكرُ لهُ على تَوفيقهِ وامتنانهِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه صلى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِه ومن سارَ على نهجِه إلى يومِ الدين.
أما بعد: فاتقوا اللهّ عبادَ اللهِ: واعلموا أنَّ "ليسَ أحدٌ أفضلَ عندَ اللهِ من مؤمنٍ يُعَمّر في الإسلامِ؛ لتحميدِه وتسبيحِه وتكبيرِه وتهليلِه"(رواه أحمد، وحسنه الألباني في الصحيحة).
فَأَبْشِروا وأمِّلوا يا مَنْ أمدَّ اللهُ في أعمارِكم؛ فأنتمْ أصحابُ المقامِ الكبيرِ في قلوبِنا، قال رسول اللهُ -صلى اللهُ عليه وسلم-: "مَنْ شَابَ شَيْبَةً فِي الْإِسْلَامِ كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ"(صححه الألباني في صحيح الترمذي).
وأَبشِروا فأنتمْ نورُ عُيونِنا، وبركةُ حياتِنا، وأحبُّ النَّاسِ إلى قلوبِنا، فقدْ ضَحيَّتُم وقَدّمتُم وربَّيتُم وتَعبتُم منْ أجلِنا، ولئن نسي بعضُ النَّاسِ فضلكُم، فإنَّ اللهَ لم ينسَ ذلكَ، ولَئنْ جَحَدُوا مَعروفَكم، فإنَّ البرَّ عندَ اللهِ لا يبلى، فعملُ الخيرِ مستمرٌ لكُم إلى أَنْ تلقَوا ربَّكم، والآجالُ محددةٌ، والأرزاقُ محسوبةٌ، ولن تموتَ نفسٌ حتَى تستكملَ رزقَها وأجلَها.
وأَبْشروا يا أحبابَنا فإنَّ ما قدَّتموه من الخيرِ يدومُ ويبقَى، وإذا أحسنَ الله خاتمتَكُم ودخلتُم الجنَّةَ برحمةِ ربِّكم، فستجدونَ عندهُ الجزاءَ الأوفَى.
وأَنتُم يا مَعاشرَ الشبابِ، اتّقوا اللهَ -جلَّ وعلا- في كبارِ السن رجالاً ونساءً، فهُم بَركةً عليكُم في حياتِكُم وعلى أولادِكم، فقدَ قالَ -صلى اللهُ عليه وسلم-: "البركةُ مع أكابرِكُم"(صححه الألباني في صحيح الجامع).
وصلُّوا وسلموا على الخليل المصطفى؛ فقد أمركم اللهُ بذلكَ فقال -جلَّ من قائلٍ عليمًا-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:٥٦].
أسألُ اللهَ -جلَّ وعلا- أن يرحمَ ضعفَنا، وأنَ يَجبرَ كسرَنا، وأن يجعلَنا ووالدينَا ومنْ نحبُّ في الدرجاتِ العُلا من الجنَّةِ. ، اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين ، واحفظ أمامنا وولي عهده من كل سوء ووفقهما لما فيه مصلحة البلاد والعباد، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.