إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد:
عباد الله؛ إن العلم هو أشرفُ ما رغِب فيه الراغبُ، وأفضلُ ما طلب وجدَّ فيه الطالِب، وأنفع ما كسبه واقتناه الكاسب، والتقوى هي أساس العلم ومفتاح الفهم؛ قال الله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 282].
لقد رفع الله تعالى شأنَ العلم وشأن أهله، وبيَّن مكانتهم، ورفع منزلتهم في أبهى مكان، فقال سبحانه وتعالى: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [المجادلة: 11]، ولهذا أمر الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن يدعوَ فيقول: ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [طه: 114].
قال ابن عُيَيْنة رحمه الله: ولم يزل صلى الله عليه وسلم في زيادةٍ مِن العلم حتى توفاه الله عز وجل. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان مِن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللهم إني أعوذُ بك مِن قلبٍ لا يخشع، ومِن دعاءٍ لا يُسمَع، ومن نفسٍ لا تشبع، ومِن علمٍ لا ينفع، أعوذ بك مِن هؤلاء الأربع))؛ رواه النسائي وصححه الألباني .
والعلم هو حسنة الدنيا، كما قال تعالى: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ﴾ [البقرة: 201]، قال الحسن البصري: هي العلم.
لقد منع الله سبحانه المساواةَ بين العالم والجاهل؛ لِمَا يختصُّ به العالم من فضيلة العلم، ونورِ المعرفة، والإدراك الواسع، ﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 9]، إنما يتذكر ويعرف الفرقَ أصحابُ العقول السليمة.
وأهل العلم هم أسرع الناس استجابةً وتأثرًا بكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لِمَا عرَفوا عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: ﴿ قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا * وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ﴾ [الإسراء: 107 - 109]
والفرق بين العالم وغيره يظهَرُ جليًّا في سجية الطباع، وفطرتها التي فطر الله الناس عليها، فالكل يحب العلمَ ويكره الجهل، فلو لو لم يكن من فضلِ العلم إلا أن عامة الناس يُجِلُّون صاحبه، وأن العلماء يُحبُّونه ويُكرِمونه، لكان ذلك سببًا إلى وجوب طلبه، فكيف بسائر فضائله في الدنيا والآخرة؟!
هذا، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد ، وبعد
أيها المسلمون؛ انتهت العطلة الصيفية، ويبدأ عام دراسي جديد يحمل معه كثيرا من الآمال والطموحات والأحلام لأجيال عديدة جديدة من مختلف المراحل والأعمار، ولا شك أن الاستعداد لبداية الدراسة هو الشغل الشاغل لمعظم فئات المجتمع من أبناء وبنات أو آباء وأمهات أو معلمين ومعلمات أو مسؤولين في المؤسسات التربوية.
ومن هنا نؤكد على أهمية تهيئة الأبناء ـ باختلاف أعمارهم ـ نفسياً لاستقبال عام دراسي جديد، بدءاً من تغيير العادات السلوكية اليومية التي كانت متبعة أثناء الإجازة الصيفية،من السهر ليلا ، والنوم نهاراً
وعلى الوالدين أن يكونوا نموذجا يحتذى به في هذا الجانب، فلا يعقل أن يطلب من الأبناء النوم مبكراً، بينما يبقى البيت يعج بالنشاط والحركة والسهر، ومن الأهمية مساعدتهم على التخلي عن البقاء لساعات طويلة أمام الجوالات، وأن الوقت لم يعد مناسباً لذلك، وتبصيرهم بأضرار السهر، وكل ما يشتت الانتباه.
وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم يا حي ياقيوم، يا ذا الجلال والإكرام، نسألك مع بداية العام الدراسي الجديد أن توفق أبناءنا في دراستهم ، وأن تجعل عامهم هذا عام خير ونجاح وتوفيق اللهم ارزقهم قوة الحفظ، وسرعة الفهم، والعلم النافع، واجعلهم من المتفوقين في دراستهم. اللهم حبب إليهم العلم، واجعلهم من المحبين للعلم والدارسين له. اللهم اجعل هذا العام الدراسي عام خير وبركة عليهم وعلى جميع المسلمين.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا ، وانصرنا على القوم الكافرين ، واحفظ بلادنا وإمامنا ولي امرنا من كل سوء وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .