ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮﻗﻊ

حفظ النفس

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 16 رجب 1443هـ | عدد الزيارات: 816 القسم: خطب الجمعة

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأشهد أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} (التوبة 119)

أما بعد:

فاعلموا أن الإسلام جاء بحفظ الضرورات الخمس التي هي الدين والنفس والعقل والعرض والمال، ليعيش المسلم في هذه الدنيا آمنا مطمئنا يعمل لدنياه وآخرتِه، وليستقر المجتمع وينمو ويزدهر بسلامة تلك الضرورات، لذا كان على جميع أفراده أن يساهموا بحفظ هذه الضرورات الخمس من الخلل والعبث ومن كل ما يزيلها أو يزيل بعضَها.

وإن من الضرورات التي جاءت الشريعة بها حفظ النفس التي أقسم الله بها في قوله: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا(الشمس 7) ، وحرم التعدي عليها بغير حق، فقال سبحانه: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ(الإسراء 33) ، وحتى لو كانت نفسَك، قال الله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً}(النساء 29)، وقال عز وجل: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ(البقرة 195) ، وقال وهو الحكيم العليم مبينا عظم جريمة قتل النفس بغير حق: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا(المائدة 32) وهذا فيه تأكيد على حق حفظ النفس المعصومة أيا كانت، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ النَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالثَّيِّبُ الزَّانِي وَالْمَارِقُ مِنْ الدِّينِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ» صحيح البخاري، وقال عليه الصلاة والسلام: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ» صحيح البخاري، وقال وهو الصادق المصدوق: « لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا» صحيح البخاري.

ولقد حرَّم الله بعض المآكل والمشارب لما فيها من الضرر على النفس، وأنها لا تجوز إلا في حال الضرورة لإنقاذ النفس من الهلاك، قال الله تعال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ * إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.(البقرة 172، 173)

ومما يؤكد أهمية حفظ النفس وحرمتها بغير حق، ما ثبت بشأن أنفس الحيوانات، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّ امْرَأَةً بَغِيًّا رَأَتْ كَلْبًا فِي يَوْمٍ حَارٍّ يُطِيفُ بِبِئْرٍ قَدْ أَدْلَعَ لِسَانَهُ مِنْ الْعَطَشِ فَنَزَعَتْ لَهُ بِمُوقِهَا فَغُفِرَ لَهَا »، وفي الصحيحين نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُصْبَرَ الْبَهَائِمُ، والمراد النهي عن حبس البهيمة وهي حية ورميها بالسهم ونحوه حتى تموت، ويؤكد هذا ما جاء في صحيح مسلم أن عبدَالله ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- مَرَّ بِفِتْيَانٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ نَصَبُوا طَيْرًا وَهُمْ يَرْمُونَهُ، فَلَمَّا رَأَوْا ابْنَ عُمَرَ تَفَرَّقُوا، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: (لَعَنْ اللَّهُ مَنْ فَعَلَ هَذَا، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ مَنْ اتَّخَذَ شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا).

فاتقوا الله وحافظوا على أنفسكم وأنفس غيركم، واحترموها ولا تعتدوا عليها، ولا تمسوها بغير حق، فإن الله يعلم الجهر وما يخفى، وهو الرقيب عليكم غَفُورٌ رَحِيمٌ لمن أطاعه، شَدِيدُ الْعِقَابِ لمن عصاه.

هذا، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد:

فإن من رحمة الله بعباده أن رخص لهم في بعض الأحكام حتى لا يقعوا في الحرج والضرر الذي يلحقهم في أنفسهم، فرخص الله بقصر الصلاة للمسافر، وأذن بالمسح على الخفين، وبين أحكام التيمم، وإن من القواعد الشرعية المستمدة من كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، أنه لا ضرر ولا ضرار، وقد قال نبينا عليه الصلاة والسلام: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ » متفق عليه، لذا فإن إلحاق الضرر بالأنفس والإضرار بها، أمر محرم بجميع صوره وأشكاله، قال الله جل وعلا: {وَالَّذِينَ يُؤذُونَ المُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ بِغَيرِ مَا اكتَسَبُوا فَقَدِ احتَمَلُوا بُهتَانًا وَإِثمًا مُبِينًا}(الأحزاب 58)، حتى لو كنت مبغضا لشخص ما، أو على خلاف معه، فإنه لا يجوز لك إلحاق الضرر به، قال الله عز وجل: {وَلا يَجرِمَنَّكُم شَنَآنُ قَومٍ, عَلَى أَلاَّ تَعدِلُوا اعدِلُوا هُوَ أَقرَبُ لِلتَّقوَى}(المائدة 8)، وقال تعالى{وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} (البقرة 132)، بل حتى الضرر والإضرار في البهائم والحيوانات لا يجوز، فقد مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَعِيرٍ قَدْ لَحِقَ ظَهْرُهُ بِبَطْنِهِ فَقَالَ: «اتَّقُوا اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ الْمُعْجَمَةِ فَارْكَبُوهَا صَالِحَةً وَكُلُوهَا صَالِحَةً» صحيح أبي داود للألباني، وفي الصحيحين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «عُذِّبَتْ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلَا سَقَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا وَلَا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ»، وأقل ما يترتب على الضرر والإضرار تفويت المصالح والمنافع، وقد قال الله تعالى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}.(المائدة 2).

فالواجب على المسلم الحذر من إلحاق الضرر والإضرار في كل مكان وزمان، كترك الآبار أو الحفر الكبيرة مكشوفة من غير تغطية ولا تسوير، أو ترك شيء معلق في سقوطه ضرر وإضرار، أو نقل المرض المعدي، ونحو ذلك مما يلحق به الضرر سواء في الانفس أو الممتلكات، وفعل ذلك جرم كبير، وعمل خطير، وسلوك مشين، يترتب عليه أحكام كثيرة ككفارة القتل الخطأ، أو تكلفة رفع الضرر، أو تعويض المتضرر، وغيرها مما قد يوجبه القضاء.

وإذا كان رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد نَهَى عَنْ أَكْلِ الْبَصَلِ وَالْكُرَّاثِ، فقَالَ: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْمُنْتِنَةِ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ الْإِنْسُ» صحيح مسلم، وهي مجرد رائحة فكيف بما هو أكبر وأعظم، فإنه كلما عظم الضرر والإضرار عظم الإثم وزادت الأحكام.

هذا، وصلوا على نبيكم ، اللهم صل على محمد وأعز اللهم الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم عليك بأعداء الدين ، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان وأصلح ولاة أمرهم ، اللهم آمنا في دورنا وأوطاننا، ووفق ولي أمرنا وولي عهده، وأصلح بطانتهما ، اللهم ثبتنا على دينك وتب علينا، ربنا اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، واصلح ذرياتنا، واغفر لوالدينا وأرحمهم، اللهم ارحم موتانا، واشف مرضانا، وفرج همومنا، واقض ديوننا ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، { سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الصافات 180-182)

1443/7/16 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 2 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي