ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮﻗﻊ

فضل الصحابة ومكانتهم

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 29 جمادى الآخرة 1443هـ | عدد الزيارات: 859 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله بلَّغَ الرسالة وأدَّى الأمانة ونصح الأمَّة وجاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقينُ ، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الغر الميامين.

"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ " (آل عمران 102).

أما بـعد:عباد الله: إن الله تعالى أرسل رسله للبشرية مبشرين ومنذرين ونزَّل معهم الكتاب، وكلُّ نبي يدعوقومه، ويختار منهم المؤمنين الصادقين أعواناً له وأصحاباً وحواريين، يحملون هَمَّ الدعوة معه ويجاهدون وإياه ويقومون بما تقتضيه مصلحة الرسالة، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، اختار الله له صحابةً أخياراً صالحين، آمنوا به واتبعوه وآزروه ونصروه وفدوه بالنفس والأموال والأوقات، فكانوا خير صحبة لخير نبي، إنهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا الجيل العظيم الذي ربَّاه النبي صلى الله عليه وسلم وأحسن تربيته، فأصبحوا صدارة هذه البشرية بعد الأنبياء والرسل، لقد اجتمع فيهم من عوامل الخير ما لم يجتمع في جيل قبلهم، ولن يجتمع في جيل بعدهم، قال تعالى: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة: 100]، فصرح جل وعلا في هذه الآية بأنه قد رضي عن المهاجرين والأنصار، وأنه أعدَّ لهم الجنة، وقوله عز وجل ﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا * وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا [الفتح: 18، 19]، وهذه البيعة هي بيعة الرضوان، وكانت بالحديبية، وعدد المبايعين فيها من الصحابة ألفُ وخمسمائة، ومَنْ رضي الله عنه لا يمكنُ موتُه على الكفر؛ لأن العبرة بالوفاة على الإسلام، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يدخلُ النارَ أحدٌ ممَّن بايعَ تحت الشجرة)، رواه مسلم في صحيحه، واستمع إلى قول الخليل صلى الله عليه وسلم وهو يثني عليهم حيث قال: (خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ).رواه البخاري عن عمران بن الحصين.

أيها المؤمنون: إن فضل الصحابة كبير وعظيم؛ لعظم منزلتهم وفضلهم وقدرهم، ،ولكثرة الابتلاءات والمعارك التي خاضوها في حياته وبعده، لقد خاض النبي صلى الله عليه وسلم خمساً وعشرين معركة في عشر سنين، وهو ما يعني أن كل عام كان فيه معركتان، هذا خلاف السرايا التي كان يرسلها والتي تزيد على مائة سرية، فلك أن تتصور حجم التعب والألم الذي حصل لهم بسبب هذه المعارك وحجم القتل الذي وقع فيهم هذا بالإضافة إلى أنهم كانوا يقاتلون آباءهم وإخوانهم وعشيرتهم، وتحملوا شديد العذاب في سبيل هذا الدين، وما قصةُ آلِ ياسر وبلال وصهيب وخباب عنا ببعيد، وحبهم الشديد للجهاد في سبيل الله، والإنفاق بلا حدود في سبيله .

فها هو ذا عثمان بن عفان يأتي إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ بألفِ دينارٍفي كمِّهِ حينَ جَهَّزَ جيشَ العُسرةِ فينثرَها في حجرِهِ . و النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ يقلِّبُها في حجرِهِ ويقولُ :" ما ضرَّ عثمانَ ما عَمِلَ بعدَ اليومِ ". قالها صلى الله عليه وسلم مرتين ، صحيح الترمذي للألباني عن عبد الله بن سَمْرة.

أيها المؤمنون: الحديث والتذكير بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ما يستوجب في كل وقت وحين وتكونُ الحاجة أكثر ما تكون في زمن الحاجة للقدوات الفاضلة للشباب والناشئة وللرجال والكهول على حدٍّ سواء، وتكون الحاجة لبيان فضلهم ومكانتهم واجبة أيضاً رداً على الطوائف الضالة، وعلى رأسهم الرافضة الذين يتخذون من سبِّ الصحابة رضي الله عنهم ديناً لهم.

إن سبَّ الصحابة أو أحدٍ منهم أو انتقاصَهم، هو منكرٌ عظيمٌ وكبيرةٌ من كبائر الذنوب وقَدْحٌ في الدين، وتكذيبٌ للقرآن الكريم وللرسول الكريم، قال ابن مسعود رضي الله عنه (إن الله عز وجل نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمد خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، وابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه وسلم فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه). صحح إسناده أحمد شاكر.

ألا فاتقوا الله أيها المسلمون: واعرفوا قدر نبيكم وأصحابه الكرام البررة " لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ " [التوبة: 88، 89].

هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله

أما بعـد: اتقوا الله ،واعلموا أنه إذا كانت المحبة مشروعة بين المؤمنين عامة، فمع هذا الجيل الطاهر الطيب أوجب وأهم، إن حب الصحابة رضي الله عنهم دليل على الإيمان وأن بغضهم تهمة بالنفاق، فعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم (الأنْصارُ لا يُحِبُّهُمْ إلَّا مُؤْمِنٌ، ولا يُبْغِضُهُمْ إلَّا مُنافِقٌ، فمَن أحَبَّهُمْ أحَبَّهُ اللَّهُ، ومَن أبْغَضَهُمْ أبْغَضَهُ اللَّهُ. )، صحيح البخاري ، ومن حقوقهم الثناء عليهم باللسان، بما أسدوه من المعروف والإحسان ويشرع الدعاء لهم والترضي عنهم، كما ترضى الله عنهم في آيات تتلى إلي يوم القيامة ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ[الحشر: 10] كما يجب الإغضاء عما وقع فيه بعضهم من اجتهادات كان المقصد من ذلك نصرة الدين وحماية الملة، وأخطائهم يغمرها بحر حسناتهم، وسيرهم العطرة هي درس للأمة ، فعلينا التأسي بها ونشرها وتعليمها للأبناء .

وقد كان السلف يعلمون أولادهم حبَّ الصحابة وسيرتهم، قال الإمام مالك رحمه الله (كانوا يعلموننا حبَّ أبي بكر وعمر كما يعلموننا السورة من القرآن).

هذا وصلوا على نبيكم كما أمركم الله في محكم كتابه بقوله "إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا " (الأحزاب 56) اللهمَّ صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وارض الله عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن الصحابة أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم ارزقنا حبك ، وحب من يحبك وحب من ينفعنا حبه عندك ، اللهم تجاوز عن السيئات واغفر الزلات ، وعاملنا اللهم بفضلك لا بعدلك وبإحسانك لا بميزانك ، اللهم وفق ولي أمرنا وولي عهده لما تحب وترضى ، وارزقهما البطانة الناصحة ،ووفق جميع ولاة أمر المسلمين لما فيه الخير والرشاد.

عباد الله: اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

1443/6/29 هـ


التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

8 + 5 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي