الحمدُ لله ربِّ العالمينَ، وأشهدُ أن لا إله إلَّا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، الصادقُ الأمينُ، بلَّغَ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمَّةَ، وكشف اللهُ به الغُمَّةَ وتركنا على المحجة البيضاء ليلُها كنهارها لا يزيغُ عنها إلا هالكٌ ، فصلواتي ربي على خير رسول إلى خير أمة .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}، [آل عمران102] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا }[النساء 1] ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } [الأحزاب:70 71]
أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّ مِنْ آكَدِ مَا جَاءَتْ بِهِ شَرِيعَةُ الْإِسْلَامِ وَاعْتَنَتْ بِهِ وَأَمَرَتْ بِحِفْظِهِ هِيَ الضَّرُورِيَّاتُ الْخَمْسُ؛ وَهِيَ كَمَا تَعْلَمُونَ: ( الدِّينُ، وَالنَّفْسُ، وَالْمَالُ، وَالْعِرْضُ، وَالْعَقْلُ ).
وَمِنْ أَعْظَمِ هَذِهِ الضَّرُورِيَّاتِ الْخَمْسِ -بَعْدَ حِفْظِ الدِّينِ- هي حِفْظُ النَّفْسِ عَنْ كُلِّ مَا يَلْحَقُهَا مِنَ الضَّرَرِ. وَمِمَّا يُوَكِّدُ ذَلِكَ مَا وَرَدَ مِنْ نُصُوصٍ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ تَأْمُرُ بِحِفْظِ النَّفْسِ، وَتُحَذِّرُ مِنْ إِلْحَاقِ الضَّرَرِ بِهَا، وَمِمَّا جَاءَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ لِتَحْقِيقِ هَذَا الْأَمْرِ أَنَّهَا حَرَّمَتِ الِانْتِحَارَ، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: { وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا } [النِّسَاءِ: 29].
وَفِي الْحَدِيثِ قَالَ صلى الله عليه وسلم:« مَن تَرَدَّى مِن جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهو في نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فيه خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَن تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَسُمُّهُ في يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ في نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَن قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ في يَدِهِ يَجَأُ بِهَا في بَطْنِهِ في نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا.». صحيح البخاري
عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي تُحْفَظُ بِهَا النَّفْسُ أَنْ يَحْرِصَ الْمُسْلِمُ عَلَى مَبْدَأِ (الْوِقَايَةُ خَيْرٌ مِنَ اَلْعِلَاجِ)؛ بِالنَّظَافَةِ، وَالرِّيَاضَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وَسَائِلِ اَلْوِقَايَةِ، ثُمَّ التَّدَاوِي عِنْدَ اَلْإِصَابَةِ بِأَيِّ مَرَضٍ؛ حَيْثُ أَمَرَتِ الشَّرِيعَةُ بِالْمُبَادَرَةِ إِلَى مُعَالَجَةِ مَا يَطْرَأُ عَلَى الْإِنْسَانِ مِنْ أَدْوَاءٍ وَأَمْرَاضٍ تُقْعِدُهُ عَنْ وَاجِبِهِ، وَشَرَعَتِ التَّدَاوِيَ وَعَظَّمَتْ مِنْ أَمْرِهِ حَتَّى جَعَلَتْهُ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِ فِي رُتْبَةِ الْوَاجِبَاتِ، كَمَا حَرَّمَتْ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَتَصَرَّفَ تَصَرُّفًا يَعُودُ عَلَيْهِ بِالضَّرَرِ وَالْفَسَادِ، أَوْ يَتَنَاوَلُ شَيْئًا يُؤْذِيهِ، وَلَمْ تُعْطِهِ حَقًّا مُطْلَقًا فِي أَنْ يَفْعَلَ بِنَفْسِهِ مَا يُرِيدُ؛ وَلِذَلِكَ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ : «تداوَوا عبادَ اللَّهِ فإنَّ اللَّهَ سبحانَهُ لم يضع داءً إلَّا وضعَ معَهُ شفاءً إلَّا الْهَرَمَ ». صحيح ابن ماجه للألباني.
بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَقَّ حَمْدِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا .
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ -عِبَادَ اللَّهِ- وَأَطِيعُوا أَمْرَهُ وَامْتَثِلُوهُ، وَاجْتَنِبُوا نَهْيَهُ وَاحْذَرُوهُ.
أيها المسلمون: مع قدوم فصل الشتاء ينتشر مرض ما يسمى بالأنفلونزا الموسمية، والتي تصيب الجهاز التنفسي للإنسان، ولقد حثَّنا ديننا الإسلامي، على المحافظة على صحة الأبدان، والوقاية من الأمراض وذلك بأن يلتزم الإنسان باتباع التعليمات التي تصدر عن الجهات الطبية المختصة حيث تَقُومُ وَزَارَة الصِّحَّة هَذِهِ الأَيَّام بِحَمْلَةٍ لِلتَّطْعِيمِ ضِدَّ الإِنْفِلْوَنْزَا المَوْسِمِيَّةِ التِي تنتشر فِي هَذِهِ الأَشْهُرِ مِنْ السَّنَةِ، ويوجد في المراكز الصحية لَــقَاحٌ لـمكافحته، متاح لكل أفراد المجتمع، خاصة فئة المصابين بالأمراض المزمنة وكبار السن.
هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا -رَحِمَكُمُ اللَّهُ- عَلَى خَيْرِ الْبَرِيَّةِ، وَأَزْكَى الْبَشَرِيَّةِ، فَقَدْ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ :﴿ إِنَّ ٱلَلَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَىَ ٱلَنَّبِىِّ يُٰأَيُّهَا ٱلَّذِيَنَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الْأَحْزَابِ: 56]، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا». اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد.
اللَّهُمَّ إِنّا نعُوذُ بِكَ مِنَ الْبَرَصِ وَالْجُذَامِ وَالْجُنُونِ وَمِنْ سَيِّئِ الأسقام، اللهم متعنا، بالصحة والعافية، واحفظنا اللهم من كل سوء.، واحفظ ديارنا ، ووفق اللهم إمامنا وولي عهده لما تحب وترضى.
واحفظ عَلَيْنَا دِينَنَا اَلَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وألْهِمنا صَلَاحًا فِي أَنْفُسِنَا وَأَحْوَالِنَا.
وآخر دعوانا أنِ الْحمدُ لله ربِّ العالمينَ.