ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮﻗﻊ

التحذير من التعاطف مع المتسولين

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 13 شعبان 1446هـ | عدد الزيارات: 292 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، الصادق الأمين.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } [الأحزاب:70 71]

يقول صلى الله عليه وسلم: في الحديث الذي رواه عبد الله بن عمر :"ما يَزالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ، حتَّى يَأْتِيَ يَومَ القِيامَةِ وليسَ في وجْهِه مُزْعَةُ لَحْمٍ. " صحيح مسلم

عباد الله؛ لقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من سؤال الناس أموالَهم من غير حاجة ماسة، وهُدد بالافتقار في الدنيا كلُّ مَن سأل الناس تكثرًا وعنده ما يغنيه، ففي الحديث: (وَمَا فَتَحَ رَجُلٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ يُرِيدُ بِهَا كَثْرَةً إِلاَّ زَادَهُ الله تَعَالَى بِهَا قِلَّةً)؛ صحيح الجامع للألباني.

فهذه عاقبة مَن سأل الناس أموالهم وعنده ما يُغنيه أن يفقره في الدنيا، ولا يُبارك في رزقه. أما عاقبة سؤال الناس تكثرًا يوم القيامة، فهي أنه لن يكون في وجهه مزعة لحم، أما عقابه بعد الحساب، فهو الجمر، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ سَألَ النَّاسَ تَكَثُّرًا فإنَّمَا يَسْألُ جَمْرًا، فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ»؛ رواه مسلم.

لقد طلب رسول الله أن يبايعه بعض أصحابه على عدم سؤال الناس شيئًا؛ حيث روى عوف بن مالك الأشجعي قال:" كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تِسْعَةً أَوْ ثَمَانِيَةً أَوْ سَبْعَةً، فَقَالَ: «أَلَا تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللهِ؟»، وَكُنَّا حَدِيثَ عَهْدٍ بِبَيْعَةٍ، فَقُلْنَا: قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَلَا تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللهِ؟»، فَقُلْنَا: قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَلَا تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللهِ؟» قَالَ: فَبَسَطْنَا أَيْدِيَنَا وَقُلْنَا: قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَعَلَامَ نُبَايِعُكَ؟ قَالَ: «عَلَى أَنْ تَعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَتُطِيعُوا – وَأَسَرَّ كَلِمَةً خَفِيَّةً – وَلَا تَسْأَلُوا النَّاسَ شَيْئًا» فَلَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ أُولَئِكَ النَّفَرِ يَسْقُطُ سَوْطُ أَحَدِهِمْ، فَمَا يَسْأَلُ أَحَدًا يُنَاوِلُهُ إِيَّاهُ؛" رواه مسلم.

عباد الله؛ ينبغي للمسلم أن يتعفَّف، ويستغني عن سؤال الناس؛ لأن المسألة في الأصل حرام، وإنما أبيحَت للحاجة والضرورة، ولا يحل سؤال الناس أموالهم إلا في ثلاث حالات جاءت في حديث رواه قبيصة بن المخارق رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "يَا قَبِيصَةُ، إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ رَجُلٍ، تَحَمَّلَ حَمَالَةً، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا، ثُمَّ يُمْسِكُ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُومَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ: لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ فَمَا سِوَاهُنَّ مِنَ الْمَسْأَلَةِ يَا قَبِيصَةُ سُحْتًا يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتًا"؛ رواه مسلم

ومعنى تحمُّل حمالة: هو الرجل الغني الذي يحاول أن يُصلح بين قوم تشاجروا في الدماء والأموال، فيتوسط بينهم ويضمَن لهم ما يرضيهم من دِيَةٍ أو غرامة، فهذا الرجل يجوز له أن يسأل الناس كي يسدد ما ضمِنه؛ لأنه فاعل خير.

والتسول ظاهرة لها صور عديدة: منها التسول في المساجد وعند إشارات المرور، وفي الأسواق، يستخدمون أساليب في استعطاف الناس من ارتداء ملابس بالية أو حمل الأطفال، وإن هذا النوع من التسول يؤدي إلى تسرب الأطفال من المدرسة، ويُعرضهم إلى مظاهر الاستغلال، بل إلى مخاطر الانحراف والإجرام، خصوصًا إذا كان المتسول فتاة أو امرأة.

ونوع آخر من التسول الآثِم يظهر في بعض الفقراء الذين اعتادوا أخذ الزكاة كل سنة في رمضان من بعض الأغنياء، وترى بعضهم يتحسَّن وضعه المادي، ولكنه يستمر في أخذ الزكاة.

ونوع ثالث من التسول الآثِم يظهر في بعض الناس الذين يتقدمون إلى الجمعيات الخيرية، فيسألون المساعدة وعندهم ما يُغنيهم.

هذا ، وأستغفر الله لي ولكم ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية :

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد

عباد الله؛ نحن ننادي الضمير الحي في المسلم؛ لأننا نخاف عليه العقوبة في الدنيا والآخرة طالما أن لديه ما يُغنيه، وواجبنا تجاه المتسولين يتلخص في عدة أمور:

أولًا: يجب ألا نسيء الظن في كل متسوِّل، وندعي أنه كاذب، فقد يكون صادقًا في دعواه، ووقعت عليه مصيبة اضطرته إلى السؤال.

ثانيًا: ألا ننهر أي سائل امتثالًا لأمر الله عز وجل؛ حيث قال: ﴿ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ [الضحى: 10]، لكن ينبغي أن تبحث في أمره لترى صدقه من كذبه.

ثالثًا: أن تتحرَّى في صدَقتك وزكاتك، ولا تُعطها كل سائل؛ لكثرة المتسولين الكاذبين، وكما يقال: (الكاذب خرَّب على الصادق).

عباد الله؛ إننا إذ نُحارب ظاهرة التسول شفقةً بنا على هؤلاء المتسوِّلين من العقوبة في الدنيا والآخرة، فعقوبتهم في الدنيا كما أسلفنا هي ملازمةُ الفقر لهم، وعدم البركة في رزقهم، فلنُحذِّر هؤلاء من هذا الأمر.

واعلموا - بارك الله فيكم - أن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، واعلموا أن الله تعالى أمركم بالصلاة والسلام على النبي؛ فقال جل شأنه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب: 56]، وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من صلى عليَّ صلاةً، صلى الله عليه بها عشرًا".

فاللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين والصحابة أجمعين، وعن التابعين، ومن تبِعهم بإحسان إلى يوم الدين .

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَ الدِّينَ، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا، وَسَائِرَ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ. اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَانْصُرْ جُنُودَنَا، وَأَيِّدْ بِالْحَقِّ إِمَامَنَا وَوَلِيَّ أَمْرِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْهُ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ إِلَى مَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَجَمِيعَ وُلاَةِ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا أَمْوَاتًا وَأَحْيَاءً، اللَّهُمَّ اجْزِهِمْ عَنْ الْإِحْسَانِ إِحْسَانًا، وَعَنْ الْإِسَاءَةِ عَفْوًا وَغُفْرَاناً . وَقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.




التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

3 + 5 =

/500