التحذير من معبري الرؤى الجهال

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 24 رجب 1446هـ | عدد الزيارات: 159 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله الذي هدانا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما.

أما بعد: فاتقوا الله وجاهدوا أنفسكم بفعل الطاعات واجتناب المحرمات، (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر: 18].

عبادَ الله: إنَّ بعض الناس يجعل جُلَّ اهتمامه بما يراه من أحلام في منامه، وقد يدخل عليه من الغم والحزن ما يُنغِّص عليه حياته؛ بسبب منام رآه، كرهه وفزع منه حتى يصلَ به الحال إلى الوسوسة، ولمثل هؤلاء يقال: إنَّ كل رؤيا تكرهها فعليك حين تستيقظ أن تنفث ثلاث مرات عن يسارك، وتتعوذ بالله من شره فإنه لا يضرك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الرُّؤْيَا مِنَ اللَّهِ، وَالحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَنْفِثْ حِينَ يَسْتَيْقِظُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَيَتَعَوَّذْ مِنْ شَرِّهَا، فَإِنَّهَا لاَ تَضُرُّهُ"، وفي رواية عند البخاري : "ولا يُحدِّث بها أحداً"، وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: "وَإِنْ كُنْتُ لَأَرَى الرُّؤْيَا أَثْقَلَ عَلَيَّ مِنَ الجَبَلِ؛ فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ سَمِعْتُ هَذَا الحَدِيثَ فَمَا أُبَالِيهَا"(متفق عليه).

هذا هو الصحابي الجليل أبو سلمة -رضي الله عنه- كان يرى الرؤيا أثقل عليه من الجبل، وفي رواية: ": لقَدْ كُنْتُ أرَى الرُّؤْيَا فَتُمْرِضُنِي،"؛ (صحيح البخاري) وذلك من شدة وقعها عليه، فلمَّا سمع بهذا الحديث لم يعد يبالي بها.

أيها الأحباب: إنَّ الأحلام والرؤى على أقسام ثلاثة: رؤيا حق، وحلم حديثُ نفسٍ، وحلم من تخويف الشيطان وتلاعبه، وقليل هم أولئك الذين يُفرِّقون بينها؛ سواء كانوا من الرائين أو من المعبِّرين.

وأنت -أيها الرائي- عندما ترى رؤيا إن كانت تسرُّك فلا تذكرها إلا لمن تُحب، ولا تطلب تعبيرها إلا من المحب الثقة الحاذق للتأويل، فإن لم تجد فلا تسأل عنها، وبعض من الناس لا يبالي بسؤال الجهلة ومن ليس له علم بالتأويل، فإن لم يُعجبه تأويل فلان انتقل إلى آخر وهكذا ديدنه؛ حتى تصبح رؤياه شغله الشاغل، وهذا خطأ ينبغي على من وقع فيه التنبه له.

عباد الله: لقد راجت سوق معبِّري الرؤى حتى تجرأ عليها جاهلٌ لا يفقه التأويل فأساء وما أحسن، وأفسد وما أصلح، ولي مع معبري الرؤى وقفتان:

الوقفة الأولى: وقفة نصح إلى من تجرأ على تأويل الرؤى وليس أهلا لها بأن يتقي الله ولا يُدخل نفسه في أمر يأثم عليه ولا يسلم عاقبته؛ ذلك أنَّ تأويل الرؤيا فتوى لا يصلح أن تصدر إلا من أهلها, قِيلَ لِمَالِكٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "أَيَعْبُرُ الرُّؤْيَا كُلُّ أَحَدٍ؟ فَقَالَ: أَبِالنُّبُوَّةِ يُلْعَبُ؟! وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَعْبُرُ الرُّؤْيَا إِلَّا مَنْ يُحْسِنُهَا؛ فَإِنْ رَأَى خَيْرًا أَخْبَرَ بِهِ، وَإِنْ رَأَى مَكْرُوهًا فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ ... ثُمَّ قَالَ: الرُّؤْيَا جُزْءٌ مِنَ النُّبُوَّةِ، فَلَا يُتَلَاعَبُ بِالنُّبُوَّةِ".

الوقفة الثانية: أنّ بعضاً من معبري الرؤى يجزم بصحة تأويله، وفي هذا تزكية للنفس؛ إذ إنَّ تفسير الرؤيا اجتهاد، قد يُصيب المفسِّر وقد يخطئ, وقد يكون الخطأ أكثر من الصواب, وقد يكون تأويله لها خطأٌ بالكامل.

أما من كان أهلا للتأويل واجتهد في تأويل رؤيا؛ فإنَّه يربط ذلك بقوله للرائي: إن صدقت رؤياك وصدق تأويلي لها، فهي كذا وكذا والله أعلم بالصواب؛ إذ إنَّه قد تكون الرؤيا صادقة وقد لا تكون صادقة، بأن تكون حديث نفس، أو تخويف شيطان وتحزينه وتلاعبه، وإن كانت رؤيا صادقة فقد لا يصدق تأويل المعبِّر لها؛ فلينتبه لهذا الأمر فإنَّه مهم جداً.

اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه؛ إنَّه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله.

أما بعد:اعلموا -يارعاكم الله- أنَّ الرؤيا لا يُبنى عليها حكم، ولكن قد يكون فيها بشرى للرائي أو من رؤيت له. وإنَّ من المتطفلين على تعبير الرؤى مَنْ جعل يتسلى بالكلام مع الرائي، وقد يكون محبَّاً للتطفل على أحوال الرائي ودقائق حاله، ومنهم من لا يَعبُر الرؤى إلا للنساء؛ فليُحذر ممن هذه صفته.

عباد الله: إنَّ على من رأى رؤيا -ذكراً كان أو أنثى- أن لا يغتر بتأويل المعبِّر حتى وإن كانت بشرى؛ فإن الرؤيا المبشِّرة تسرُّ المؤمن ولا تغرُّه، وكذلك لا يجزم بصحة تأويل من عبرها له؛ ذلك أنَّ المعبِّر -ولو كان حاذقاً- قد يُصيب وقد يُخطئ بالكامل، أو يُخطئ في جزء من أجزائها.

عباد الله؛ ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب: 56]، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَعَنِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنِ التَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنَّا مَعَهُمْ بِمَنِّكَ وَإِحْسَانِكَ . اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَ الدِّينَ، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا، وَسَائِرَ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ. وَأَيِّدْ بِالْحَقِّ إِمَامَنَا وَوَلِيَّ أَمْرِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْهُ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ إِلَى مَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَجَمِيعَ وُلاَةِ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

3 + 2 =

/500