الحمد لله الذي حرّم الظلم على نفسه وجعله بين عباده محرمًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله،، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-، واتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، اتقوا الظلم فإنه منافٍ للعدل الذي قامت عليه السماوات والأرض: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) [الحديد: 25].
معاشر المسلمين: إن المتدبر لكتاب الله تعالى والناظر في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجد من التحذير والتهديد والوعيد الشديد الذي يلحق المجرمين والعتاة الظالمين ما تنخلع له القلوب، ولقد جاء التحذير من الظلم على وجه الخصوص في آيات كثيرة على وجوه متنوعة، تارة في التشديد على الظلم والتشنيع على أهله، وتارة بذكر ما حل بهم من العقوبات والمثلات، وما ينتظرهم من عقوبات يوم العرض الأكبر على رب الأرض والسماوات، وتارة بدعوة الظالمين إلى التوبة وترك الظلم، وتارة بذكر أنواع الظلم إلى غير ذلك. ولقد نزَّه الله سبحانه نفسه العلية عن الظلم فقال :(وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ) [آل عمران: 108]، وفي الحديث القدسي يقول الله تعالى: "يا عبادي: إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا"، وكان أبو إدريس الخولاني -رحمه الله- إذا حدّث بهذا الحديث جثا على ركبتيه، وحسبك في هول الظلم ما جاء في قول ربنا -جل جلاله-: (وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا) [طه: 111]، (إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) [القصص: 37]، (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ) [الزخرف: 65].
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله -عز وجل- ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته"، ثم قرأ: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [هود: 102]، (صحيح البخاري).
فما أتعس الظالمين وأشقاهم في دنياهم وأخراهم! ويا خيبة على الظالمين حين يقدمون على رب العالمين: (رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ * يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ * الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) [غافر: 15-17]، (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآَزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ) [غافر: 18].
قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَن كَانَتْ له مَظْلِمَةٌ لأخِيهِ مِن عِرْضِهِ أَوْ شيءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ منه اليَومَ، قَبْلَ أَنْ لا يَكونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إنْ كانَ له عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ منه بقَدْرِ مَظْلِمَتِهِ، وإنْ لَمْ تَكُنْ له حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِن سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عليه. ". (صحيح البخاري)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لَتُؤَدُّنَّ الحُقُوقَ إلى أهْلِها يَومَ القِيامَةِ، حتَّى يُقادَ لِلشّاةِ الجَلْحاءِ، مِنَ الشَّاةِ القَرْناءِ."، (صحيح مسلم)، وعند أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يخلص المؤمنون من النار فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار، فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا."(صحيح البخاري) .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطة الثانية :
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا .
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:إن من أشد أنواع الظلم هو أكل الميراث، فكثيرا من أكلة المواريث أصابهم الجشع والطمع فجحدوا حق الورثة ظنا منهم أن ذلك سينقص المال، والطمعُ جمرةٌ لا تحرق إلا صاحبَها.
فَبَادِرُوا عِبَادَ اللَّهِ بِقِسْمَةِ الْمِيرَاثِ ، وَأَعْطُوْا كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ ، وَاحْذَرُوا الظُّلْمَ ؛فَالظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ،وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56]، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» [رواه مسلم].
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَأَهْلِ بَيْتِهِ الطَّاهِرِينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَعَنِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنِ التَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنَّا مَعَهُمْ بِمَنِّكَ وَإِحْسَانِكَ . اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَ الدِّينَ، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا، وَسَائِرَ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ. اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَانْصُرْ جُنُودَنَا، وَأَيِّدْ بِالْحَقِّ إِمَامَنَا وَوَلِيَّ أَمْرِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْهُ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ إِلَى مَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَجَمِيعَ وُلاَةِ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا أَمْوَاتًا وَأَحْيَاءً، اللَّهُمَّ اجْزِهِمْ عَنْ الْإِحْسَانِ إِحْسَانًا، وَعَنْ الْإِسَاءَةِ عَفْوًا وَغُفْرَاناً ، . وَصَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.