إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله، فلا مضلَّ له، ومن يضلل، فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } [الأحزاب:70 71]
عباد الله؛: نحن في استقبال شهرٍ كريمٍ مباركٍ، شهرِ الصيام والقيامِ، شهرِ تلاوةِ القرآن، شهرِ مضاعفة الحسنات وتكفير السيئات، شهرِ المسارعة إلى أنواع الطاعات والمنافسة في الخيرات، شهر جعل الله صيامه فريضه وقيام ليله تطوعا، يقول فيه النبي ﷺ: " إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أبْوَابُ الجَنَّةِ، وغُلِّقَتْ أبْوَابُ جَهَنَّمَ، وسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ" صحيح البخاري، وهذا يبشر بالخير، وأن الله جل وعلا يجود على عباده بأنواع الخيرات، ويهديهم لأنواع الطاعات، ويوفقهم لأسباب دخول الجنة والنجاة من النار.
عباد الله؛ أروا الله من أنفسكم خيرا في هذا الشهر المبارك بالتقرب إليه بالطاعات، والمسارعة إلى أنواع الأعمال الصالحات من الصلاة والصدقات، والإكثار من تلاوة القرآن الكريم في الليل والنهار، والإكثار من التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير والاستغفار، وقول لا حول ولا قوة إلا بالله، إلى غير هذا من وجوه الخير، ومن ذلك الإكثار من الصدقة والإحسان، والدعوة إلى الله وتعليم العلم وتوجيه الناس إلى الخير، ومن ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالأسلوب الحسن والكلام الطيب والرفق.
ويقول ﷺ:"لا تَقدَّموا الشهرَ بيَومٍ ولا بيومينِ. إلا أن يوافقَ ذلكَ صومًا كانَ يصومُهُ أحدُكم، صوموا لرؤيتِهِ وأفطِروا لرؤيتِهِ، فإن غمَّ عليكُم فعدُّوا ثلاثينَ ثم أفطِروا " صحيح الترمذي للألباني، والمعنى لا يجوز للإنسان أن يتقدم رمضان للاحتياط بصوم يوم أو يومين، حتى يثبت رمضان، لا يصوم قبله، إذا ثبت الشهر صام مع المسلمين إلا إذا كان له عادة فلا بأس كالذي يصوم الإثنين والخميس فصادف يوم الإثنين أو الخميس آخر الشهر فإنه يصومه؛ لأنه في هذه الحالة لا يتهم بالاحتياط ولا بقصد الزيادة في رمضان، وهكذا الذي يصوم يوما أو يفطر يوما إذا صادف يوم صومه يوم التاسع والعشرين أو يوم الثلاثين من شعبان فإنه يصومه.
ويقول عليه الصلاة والسلام: يقول الله عز وجل:" كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا، إلى سَبْع مِائَة ضِعْفٍ، قالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إلَّا الصَّوْمَ؛ فإنَّه لي، وَأَنَا أَجْزِي به، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِن أَجْلِي. لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ. وَلَخُلُوفُ فيه أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِن رِيحِ المِسْكِ. " صحيح مسلم، خلوفُ الفم يعني: الرائحة التي تصدر من الجوف، ولاسيما عند آخر النهار، فإن هذه الرائحة التي قد يكرهها الناس هي عند الله أطيب من ريح المسك؛ لأنها نشئت عن عبادة الله، وعن طاعته سبحانه.
ويقول عليه الصلاة والسلام:" الصِّيام جنة من النَّار كجنة أحدكم من القتال "، صحيح ابن ماجه للألباني ، يعني يستره من النار ويصونه من النار إذا حفظه وصانه مما حرم الله، فالواجب على المؤمن أن يتقي الله، وأن يراقب الله في هذا الشهر الكريم، وأن يعد العدة الصالحة، وأن يعزم العزم الصادق على أن يصومه، وأن يصونه مما حرم الله من الغيبة والنميمة ومن سائر المعاصي، ليس الصيام مجرد ترك الطعام والشراب، ولكن الصيام ترك ما حرم الله من الطعام والشراب وغير ذلك كالغيبة والنميمة وسائر المعاصي، فالمؤمن يصون صيامه عن كل ما حرم الله.
هذا ، وأستغفر الله لي ولكم ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
(الخطبة الثانية) :
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وبعد؛
عباد الله؛ الصيام ركن من أركان الإسلام الخمسة؛ لقول النبي ﷺ: " بُنِيَ الإسْلَامُ علَى خَمْسٍ:" ، يعني على خمس دعائم "شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ" هذا الركن الأول: توحيد الله والإخلاص له، والإيمان برسوله محمد ﷺ، والشهادة بأنه رسول الله حقا، واتباعه والقيام بحقه، ثم قال: "وإقَامِ الصَّلَاةِ، وإيتَاءِ الزَّكَاةِ، والحَجِّ، وصَوْمِ رَمَضَانَ". صحيح البخاري.
فعليك يا عبد الله العناية بهذا الشهر الكريم بالمحافظة على صومه، والعناية بصيانته مما حرم الله حتى يكون شفيعا لصاحبه يوم القيامة، وحتى تغفر به السيئات وتحط به الخطايا .
ثم اعلموا - بارك الله فيكم - أن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، واعلموا أن الله تعالى أمركم بالصلاة والسلام على النبي؛ فقال جل شأنه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من صلى عليَّ صلاةً، صلى الله عليه بها عشرًا".
فاللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين والصحابة أجمعين، وعن التابعين، ومن تبِعهم بإحسان إلى يوم الدين ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَ الدِّينَ، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا، وَسَائِرَ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ.
وقوموا إلى صلاتكم يرحمْكم الله.