استقبال رمضان 1

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 4 ربيع الثاني 1435هـ | عدد الزيارات: 2015 القسم: خطب الجمعة

الحمدُ لله المتفردِ بتدبيرِ الأمورِ وتصريفِ الأحوالِ، عالمِ الغيب والشهادةِ ، الكبيرِ المتعال، أحمدُه سبحانَه له الأسماءُ الحسنى وصفاتُ الكمال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه خيرُ خلقِ اللهِ نهجاً وأكرمُهم خلقاً فأعظمْ بِهِ من حميدِ الخصال، اللهم صلِّ على عبدك ورسولك محمدٍ وعلى آله وصحبه.

أما بعدُ:

عبادَ الله: لئن كان للبُشرى خفقةُ الفرح في القلوب فإنَّ قلوبَ المسلمين جميعاً لتخفق فرحاً للبشارة بشهر الصوم المبارك وتبتهج ببزوغ شمسه على ربوع الإسلام وذلك لأنه وافد كريم يعيد للمسلمين ذكرياتهم السعيدة ذكريات الصلاح والتقوى والطهر والعفاف .

شهر مبارك اجتمع له من المزايا ما لم يجتمع لغيره من الشهور وحسبه شرفاً أن سماه رسول الهدى سيِّدَ الشهور وكان يبشر به أصحابُه فيقول "جاءكم رمضان شهر مبارك كتب الله عليكم صيامه فيه تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب الجحيم وتغل فيه الشياطين فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم" رواه أحمد وصححه الألباني. وكان السلف رضوان الله عليهم يجلونه ويسألون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان لأنه وقع في نفوسهم أن من بلغه الله رمضان فقد أوتي حظاً وافراً من الخير وإذا كانت النفوس بطبعها ترغب في الحياة فإن نفوس المؤمنين لتستشرف إلى الفسحة في الأجل خاصة في رمضان للإتجار بصالح الأعمال والتزود فيه بكريم الفعال.

أما إذ تبلد الشعور وفقدت النفوس هذه العاطفة الكريمة والروح الدينية المخلصة فعندئذ ينعكس الوضع ويغدوا في الناس من يجترئ على الله بالفطر في رمضان دون عذر يبيح للفطر كالمرض أو رخصة شرعية كالسفر وغيره، وفي هذا الانحراف عن سبيل المؤمنين والشذوذ عن مسلكهم خسارة يا لها من خسارة خسارة تبدو واضحة يوم الجزاء يوم يفرح الصائمون بوعد الله لهم في حسن الجزاء ويقال لهم "كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية"الحاقة:24. ويقتص الله من المجترئين عليه القصاص العادل ويقال لهم "أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون"الأحقاف:20. أفلا يجدر بالمجترئين على الله بالفطر في رمضان أن يحذروا ذلك اليوم ؟ وأن لا يتعجلوا ما حرم الله عليهم خشية الحرمان من نعيم الآخرة وطيباتها .

فاتقوا الله عباد الله وأعدوا العدة للوافد الكريم والشهر المبارك العظيم أعدوا العدة لصيامه والقيام في لياليه والتنافس في عمل البر والخير فيه والتعرض لنفحات الرب العظيم في أوقاته فرب ساعة رضى ادركت العبد فيه نفحة من نفحات الرب فارتفع بها إلى منازل المقربين وحذار من التفريط في شهر الصوم والتواني عن صومه وانتحال الأعذار للتحلل من فريضة فرضها الله عليكم فإن الناقد بصير والمنتقم هو الجبار ويا لسوء عاقبة المفرطين والمخدوعين المتحالين

شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون.البقرة:185.

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه واستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله الله تعظيماً لشأنه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله

أما بعد

عباد الله: اعلموا أن الصوم واجب على كل مسلم بالغ عاقل قادر مقيم ذكراً كان أو أنثى ليست حائضاً ولا نفساء ولا يجب الصوم على كافر فلو أسلم في أثناء رمضان لم يلزمه قضاء ما مضى منه ولو أسلم في أثناء يوم من رمضان أمسك بقية اليوم ولم يلزمه قضاؤه.

ولا يجب الصوم على صغير لم يبلغ لكن إن كان لا يشق عليه أمر به ليعتاده فقد كان الصحابه رضي الله عنهم يصومون أولادهم حتى إن الصبي ليبكي من الجوع فيعطونه لعبة يتلهى بها إلى الغروب ويحصل بلوغ الصبي إن كان ذكراً بواحد من أمور ثلاثة أن يتم له خمس عشرة سنة أو تنبت عانته أو ينزل منياً باحتلام أو غيره وتزيد الأنثى بأمر رابع وهو الحيض فمتى حصل للصغير واحد من هذه الأمور فقد بلغ ولزمته فرائض الله وغيرها من أحكام التكاليف إذا كان عاقلاً ولا يجب الصوم على من لا عقل له كالمجنون والمعتوه ونحوهما فالكبير المهذرى لا يلزمه الصوم ولا الإطعام عنه ولا الطهارة ولا الصلاة لأنه فاقد التمييز فهو بمنزلة الطفل قبل تمييزه ولا يجب الصوم على من يعجز عنه عجزاً دائماً كالمريض مرضاً لا يرجى برؤه ولكن يطعم بدلاً عن الصيام عن كل يوم مسكيناً بعدد أيام الشهر لكل مسكين نصف صاع من البر أو الأرز(أي كيلو ونصف من قوت البلد)والأحسن أن يجعل مع الطعام شيئاً يأدمه من لحم أو دهن وأما المريض بمرض يرجى برؤه فإن كان الصوم لا يشق عليه ولا يضره وجب عليه أن يصوم لأنه لا عذر له وإن كان الصوم يشق عليه ولا يضره فإنه يفطر ويكره له الصوم وإن كان الصوم يضره فإنه يحرم عليه أن يصوم ومتى برئ من مرضه قضى ما أفطر فإن مات قبل برئه فلا شيء عليه

والمرأة الحامل التي يشق عليها الصوم لضعفها أو ثقل حملها يجوز لها أن تفطر ثم تقضي إن تيسر لها القضاء قبل وضع الحمل أو بعده إذا طهرت من النفاس

والمرضع إذا كان يشق عليها الصيام من أجل الرضاع أو ينقص لبنها من الصوم نقصاً يخل بتغذية الولد تفطر ثم تقضي في أيام لا مشقة فيها ولا نقص

والمسافر إن قصد بسفره التحايل على الفطر فالفطر حرام عليه ويجب عليه الصوم وإن لم يقصد بسفره التحايل على الفطر فهو مخير بين أن يصوم وبين أن يفطر ويقضى عدد الأيام التي أفطر والأفضل له فعل الأسهل عليه وإن تساوى عنده الصوم والفطر فالصوم أفضل لأنه فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولأنه أسرع في ابراء ذمته وإن كان الصوم يشق عليه بسبب السفر كره أن يصوم وإن عظمت المشقة به حرم أن يصوم ولا يجب الصوم على الحائض والنفساء ولا يصح منهما إلا إن تطهرا قبل الفجر ولو بلحظه فيجب عليهما الصيام ويصح منهما وإن لم تغتسلا إلا بعد طلوع الفجر ويلزمهما قضاء ما افطرتا من الأيام

ومن أكل يعتقد عدم طلوع الفجر وهو طالع أو يعتقد غروب الشمس وطلعت فصومه صحيح لأنه جاهل بالوقت كما حصل ذلك في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يثبت أنه أمر بالإعادة، والإبر العلاجية مثل إبرة انسولين السكر لا تفطر والذي يفطر الإبرة المغذية فقط والقطرة في العين أو الأذن لا تفطر لأنهما ليسا مجرى الطعام فمجرى الطعام الفم أو الأنف والاحتلام في النهار لا يفطر أيضاً.

وخروج الدم غير الحيض والنفاس لا يؤثر إلا إذا كان متعمداً كثير مثل التبرع بالدم أما اليسير للتحليل فلا يفطر وكذلك الرعاف لا يفطر.

هذا وصلوا على نبيكم كما أمركم إلهكم وخالقكم بذلك في محكم كتابه بقوله "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما"الأحزاب:56. وقال عليه الصلاة والسلام من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا.رواه مسلم. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين وأعل بفضلك كلمة الحق والدين اللهم اجعلنا من خدمة هذا الدين ، اللهم انصر المظلومين في كل مكان وانصر من نصرهم واخذل من خذلهم وعاد من عاداهم ووال من والاهم واجمع شمل المسلمين على كلمة التوحيد وأوقف نزيف دمائهم اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان اللهم من أرادهم بسوء فاجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميراً له اللهم ول على المسلمين خيارهم واكفف عنهم شرارهم، اللهم اغفر ذنب المذنبين واقبل توبة التائبين اللهم لا تدع لنا في هذا المقام من ذنب إلا غفرته ولا هماً إلا فرجته ولا كرباً إلا نفسته ولا ديناً إلا قضيته ولا مريضاً إلا شفيته ولا أيماً إلا زوجته ولا ضالاً إلا هديته ولا حاجة من حوائج الدنيا هي لك رضا ولنا صلاح إلا اعنتنا على قضائها ويسرتها لنا ، اللهم وفق ولي أمرنا وولي عهده لما تحب وترضى ، وانصر جنودنا على حدودنا ، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ووالدي والدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والأموات برحمتك يا أرحم الراحمين.

عباد الله:

اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.العنكبوت:45.

1435-4-4هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

2 + 8 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي