الإنفاق في سبيل الله

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 4 ربيع الثاني 1435هـ | عدد الزيارات: 2796 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله أمر بالتعاون على البر والتقوى ونهى عن التهاون والتكاتف على الإثم والعدوان قديم الإحسان الكريم المنان وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير من بذل في سبيل الله اللهم صل على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً

أما بعد

عباد الله: إن العاقل يعلم أن كل شيء في الوجود إنما هو لله فالأنفس لله والمال لله فهو المالك الحقيقي وإنما المسلم خليفة الله في هذا الوجود وفي كل شيء فهو يتصرف على حسب ما يرضى الله لا على حسب شهواته ونزواته وإن مما يرضى الله بذل المنفقين وإحسان المحسنين فهو وسيلة من وسائل الرضوان لرب العالمين وعمل لتحقيق وعد الرب الكريم بالخلف على المنفقين ومحبته للمحسنين قال تعالى "وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين"سبأ:39. وقال تعالى "وأحسنوا إن الله يحب المحسنين"البقرة:195 ولقد ذكر الله المتقين في كتابه بكريم صفاتهم وجليل فعالهم وأوضح عظيم جزائهم فقال "إن المتقين في جنات وعيون آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين"الذاريات:15-16. وأنزل سبحانه الإنفاق في سبيله منزلة القرض الذي لا يتخلف أداؤه ترغيباً فيه وطلباً لمضاعفة أجره قال تعالى "من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسنا فيضاعفه له وله أجر عظيم"الحديد:11. وأكد سبحانه في الحض والحث على الإنفاق حيث جعل الأمر به قريباً للأمر بالإيمان بالله ورسوله وأضاف إلى ذلك الوعد الكريم بالأجر الكبير فقال "آمنوا بالله ورسوله وانفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير"الحديد:7. بل لقد ذهب الإسلام إلى أبعد من الأمر بالإنفاق فأوجب التكافل بين عموم أفراد المجتمع الإسلامي بحيث يتساند الجميع على رفع كابوس المحنة عن المعوزين وحمل ثقل الفقر عن المحتاجين ويظهر ذلك واضحاً في قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم "من كان له فضل زاد فليعد به على من لا زاد له ومن كان له فضل ظهر أي مركب زائد عن حاجته فليعد به على من لا ظهر له"رواه مسلم. وقال جل من قائل "وآتوهم من مال الله الذي آتاكم"النور:33. وسئل اعرابي يرعى غنماً له "لمن هذه الغنم" فقال هي لله تحت يدي" فكانت إجابته نابعة من روح التكافل والتعاون التي تسود المجتمع الإسلامي

فالمال الذي يملكه الإنسان أو الدخل الذي يأتيه من تجارة أو صناعة عمل إما أن يكون مالاً موسعاً زائداً عن حاجة المرء وحاجة من يعولهم وهو الفضل أي الزائد عن القوت وضرورات الحياة أو يكون على قدر الحاجة وهو الكفاف وسمي بذلك لأنه يكفي الإنسان عن سؤال غيره ومالكه ليس مطالباً بالإنفاق والبذل ولا حرج عليه إن لم يعط فلا يلام على كفاف "لا يكلف الله نفساً إلا وسعها"البقرة:286. وفي هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم "يا بن آدم إنك إن تبذل الفضل خير لك وإن تمسكه شر لك ولا تلام على كفاف وابدأ بمن تعول واليد العليا خير من اليد السفلى" رواه مسلم

أما من لهم فضل مال وهم كثير كثير الخير لهم أن يبذلوا من أموالهم فإن جمعوا ومنعوا فذلك شر عليهم ووبال والإسلام يدعوا المكثرين إلى أن يواسوا الفقير المقل ويخرجوا الحق المعلوم للسائل والمحروم وقد وعد الله المنفقين ثواباً مضاعفاً فقال سبحانه "مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم"البقرة:261. وبهذا يخلق الإسلام المجتمع المتكافل وهو حين يدعوا إلى النفقة لا يريدها اسعافاً طارئاً ولا علاجاً وقتياً ولكن يريدها خلقاً أصيلاً ومشاركة نبيلة تدعوا المسلمين إلى أن يعيشوا مع قول الله تعالى "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض"التوبة:71. ومفهوم الصدقة في الإسلام ليس لقمة توضع في فم الفقير ثم يذهب أثرها وليس ثوباً يستر جسده ثم يتعرى بقية حياته ولكن الصدقة تعني العدالة والمواساة

والمجتمع المتراحم المتواصل الذي يعيش مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم" رواه الطبراني وصححه الألباني.

وقوله عليه الصلاة والسلام "من كان له فضل زاد فليعد به على من لا زاد له" قال راوي الحديث فذكر أصنافاً من المال حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل" رواه مسلم

وتاريخ الإسلام مليء بالصور المشرقة والمثل العليا في السخا فقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة فقد جاءه رجل يطلب نفقة له ولأهله فأعطاه غنماً بين جبلين فرجع إلى قومه فقال يا قوم أسلموا فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، وقد جاء في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجلس مع أصحابه في صدر النهار فجاءه قوم من مضر عليهم ثياب ممزقة لا تكاد تستر أجسامهم فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم أي تغير لما رأى بهم من الفاقة فدخل بيته ثم خرج ثم أمر بلال فأذن وأقام الصلاة ثم خطب فقال "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا"النساء:1. ، "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد "الحشر:18. ثم قال "ليتصدق الرجل من ديناره من درهمه من ثوبه من صاع بره من صاع تمره حتى قال ولو بشق تمرة" فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كتفه تعجز عنها بل قد عجزت يقول جرير راو الحديث ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب فتهلل وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه مذهبة أي صفحة مطلية بالذهب من شدة فرحه ثم قال من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء" وبهذا يعلم الرسول الكريم المجتمع التنافس في الخير وتدعيم المشروعات النافعة وأن يحمل القوي الضعيف ويأخذ الغني بيد الفقير ويسجل تاريخ المروءة في الإٍسلام أن مجاعة نزلت بالناس في عهد أبي بكر رضي الله عنه فهرعوا إليه يطلبون النجدة فقال لهم "لا تمسوا حتى يفرج الله عنكم ثم جاءت قافلة لعثمان رضي الله عنه من الشام تحمل طعاماً وخيراً كثيراً فصبت أحمالها في ساحة داره فذهب إليه تجار المدينة ليشتروها منه ويبيعوها للناس ابتغاء الربح فقال لهم كم تربحونني على شرائي من الشام فعرضوا عليه ثمنا مجزيا فقال قد زادوني فجعلوا يزيدون في الثمن ويقول لهم قد زادوني فقالوا من زادك ونحن تجار المدينة قال زادني الله لكل درهم عشرة يشير إلى قوله عز وجل "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها" الأنعام 160 ، فهل عندكم من زيادة قالوا لا نقدر فقال أشهدكم معشر التجار أنها صدقة على فقراء المسلمين، ولو أنه رضي الله عنه باعها بأصل ثمنها لكانت له سابقة فضل في الإسلام ولكن نفسه الكريمة أبت إلا أن تبلغ أقصى الحدود فتصدق بجميع بضاعته ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى.الليل:20-21. والله تبارك وتعالى يعد الأسخياء الكرماء خلفاً مضاعفاً وعيشة راضية في الدنيا والجزاء الأوفى في الآخرة ويتوعد الممسكين البخلاء بالمحق وضيق العيش في الدنيا والعذاب في الآخرة يقول الله عز وجل "فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى وما يغني عنه ماله إذا تردى"الليل:5-11. ويقول صلى الله عليه وسلم "ما من يوم يصبح العبد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقاً خلفا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكاً تلفاً" متفق عليه

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من آتاه الله مالاً فلم يؤدِ زكاته مُثل له يوم القيامة شجاعاً أقرع له زبيبتان فيأخذ بلهزمتيه ويقول أنا مالك أنا كنزك ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم قول الله تعالى: ولا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلو به يوم القيامة.آل عمران:180.رواه البخاري.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا واستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم ولسائر المسلمين من ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

الحمد لله المتفضل على عباده بجزيل النعم التي لا تعد ولا تحصى وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي كان أجود بالخير من الريح المرسلة اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه وسلم

أما بعد

عباد الله: " اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله " الحشر:18. وقدموا لأنفسكم الخير واستفيدوا من أموالكم بالبذل في سبيل الله عسى أن تربح لكم في بنك الآخرة أرباحاً كثيرة لا يعلمها إلا الله وإن من أعلى درجات النفقة وأكرم صور البذل ما كان في سبيل الله، تقوية للمجاهدين والمرابطين بإمدادهم بالعتاد والسلاح وقد أخذ الله العهد على المؤمنين أن يبيعوه أنفسهم وأموالهم للجهاد في سبيله وقد أعطاهم الجنة ثمناً رابحاً وغنماً كبيرا "إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة"التوبة:111. والله تعالى لم يهدد الأمة بالفناء والدماء إلا في حالتين حين تقعد عن الجهاد وتجبن عن لقاء عدوها "إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً ويستبدل قوماً غيركم ولا تضروه شيئاً والله على كل شيء قدير"التوبة:39. وحين تبخل وتقبض يدها عن امداد المعركة بما تحتاجه من ذخيرة وسلاح حينئذ تهون الأمة على ربها ويخف ميزانها عنده فيعذبها عذاباً أليماً ويسترد ما وهبها من إيمان وعزة

هذا وصلوا على نبيكم كما أمركم إلهكم وخالقكم بذلك في محكم كتابه بقوله "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما"الأحزاب:56. وقال عليه الصلاة والسلام من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا.رواه مسلم. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين وأعل بفضلك كلمة الحق والدين اللهم اجعلنا من خدمة هذا الدين بأموالنا بالإنفاق في السراء والضراء واعذنا من الشح والبخل وانصر المظلومين في كل مكان وانصر من نصرهم واخذل من خذلهم وعاد من عاداهم ووال من والاهم واجمع شمل المسلمين على كلمة التوحيد وأوقف نزيف دمائهم اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان اللهم من أرادهم بسوء فاجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميراً له اللهم ولي على المسلمين خيارهم واكفف عنهم شرارهم اللهم كن لإخواننا في سوريا وانصرهم على النصيرية والرافضة اللهم داو جرحاهم واشف مرضاهم واكس عاريهم واطعم جائعهم واسق ظامئهم واقبل شهدائهم اللهم اجمع شمل المسلمين في فلسطين وانصرهم على اليهود وطهر الأقصى من دنسهم اللهم اجمع شمل المسلمين في باكستان وافغانستان اللهم كن لإخواننا أهل السنة في العراق وإيران وانصرهم على الرافضة اللهم كن لإخواننا الأراكانيين في بورما وانصرهم على من ظلمهم اللهم فك أسر المأسورين واغفر ذنب المذنبين واقبل توبة التائبين اللهم لا تدع لنا في هذا المقام من ذنب إلا غفرته ولا هماً إلا فرجته ولا كرباً إلا نفسته ولا ديناً إلا قضيته ولا مريضاً إلا شفيته ولا أيماً إلا زوجته ولا ضالاً إلا هديته ولا حاجة من حوائج الدنيا هي لك رضا ولنا صلاح إلا اعنتنا على قضائها ويسرتها لنا واغفر اللهم لنا ولوالدينا ووالدي والدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين

عباد الله: اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.العنكبوت:45.

1435-4-4هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 5 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي