الحمد لله الذي جعل الطَّهورَ شطْرَ الإيمان، وأنزل على نبيه في محكم القرآن {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} (البقرة 222) ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،  ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الصادق الأمين، اللهم صل عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على سنته واهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد؛
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (آل عمران 102). 
مَنِ اَّتقاه وقاه وهداه، ومن عصاه قصمه وأرداه، ومن عمل بما يحب أعطاه فوق ما يتمناه، ومن ترك لأجله آجره وحماه مما يتوقاه.
عباد الله؛ اعلموا أن الطهارة شطرُ الإيمان، وهي ِمفتاحُ الصلاةِ التي هي عمود الدين فلا تقبل صلاة محدث حتى يتوضأ، ولا وضوءَ إلا بنية؛ فإنما الأعمال بالنيات، والنية محلها القلب ، وإذا انتبه الإنسان من نوم الليل فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قَالَ:" إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ، فَلاَ يُدْخِلُ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلاَثاً، فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ." صحيح الترمذي للألباني.
 ومن استجمر فليوتر، ومن توضأ فليتمضمض ويستنشق ثلاثاً أو اثنتين أو واحدة، ولا يبول في الماء الراكد ثم يغتسل فيه ، ولا يستنجي وسطَ الماء الراكد، عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ ، أُولاهُنَّ بِالتُّرَابِ .رواه مسلم .
 ويجب إحسان الوضوء لأن هذه الأمة تعرف بين سائر الأمم يوم القيامة بآثار الوضوء لأنهم يأتون غراً محجلين من آثار الوضوء.
وقد وصف عثمان بن عفان وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بوضوء فأفرغ على يديه من الماء فغسلهما ثم ادخل يده اليمنى في الإناء فتمضمض واستنشق ثلاث مرات ثم غسل وجهه ثلاث مرات ثم غسل يديه إلى المرفقين ثلاثاً ثم مسح برأسه وغسل رجليه إلى الكعبين ثلاثاً ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا.رواه البخاري
وعلى المتوضئ أن يستوعب جميع أعضاء الوضوء بالماء ويخلل أصابع يديه ورجليه فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ تَخَلَّفَ عَنَّا النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي سَفْرَةٍ سَافَرْنَاهَا ، فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ أَرْهَقَتْنَا الصَّلاَةُ وَنَحْنُ نَتَوَضَّأُ ، فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا ، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ : وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا. رواه البخاري  . حيث أن العراقيب غالباً ينوء عنها الماء إذا لم يتعاهدها الإنسان.
وعنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ أَوْ مَكَّةَ ، فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يُعَذَّبَانِ ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ ، ثُمَّ قَالَ : بَلَى ، كَانَ أَحَدُهُمَا لا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ ، وَكَانَ الآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ ، ثُمَّ دَعَا بِجَرِيدَةٍ فَكَسَرَهَا كِسْرَتَيْنِ ، فَوَضَعَ عَلَى كُلِّ قَبْرٍ مِنْهُمَا كِسْرَةً . فَقِيلَ لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لِمَ فَعَلْتَ هَذَا ؟ قَالَ : لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ تَيْبَسَا ، أَوْ إِلَى أَنْ يَيْبَسَا. رواه البخاري ومسلم.
  فمن تساهل به فأصاب بدنه أو ملابسه ثم لم يغلسه فقد عرض نفسه للوعيد وأعظم الوعيد أن صلاته لا تقبل إلا بطهارة
وليحذر المتوضئ من الإسراف في الوضوء، والإسرافُ كثرة صب الماء والزيادة على ثلاث غسلات  فعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ:  جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُهُ عَنِ الْوُضُوءِ، فَأَرَاهُ الْوُضُوءَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا الْوُضُوءُ، فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ وَتَعَدَّى وَظَلَمَ. صححه الألباني.
وللوضوء شروط وفروض ونواقض ومستحبات، فعلى المسلم الاعتناء بها ومعرفتها خوفاً من فساد الطهارة وهو لا يعلم إذا فسدت فسدت الصلاة.
فشروط الوضوء عشرة وهي: الإسلام والعقل والتمييز والنية واستصحاب حكم الطهارة بأن لا ينوي قطعها حتى تتم الطهارة واستنجاء بالماء أو استجمار بالحجارة قبل الوضوء وطهورية الماء وإباحته وإزالة ما يمنع وصول الماء إلى البشرة مثل الوسخ الثخين والدهن وصنقل الساعة والخاتم والعجين والمناكير الذي يجعل في أيدي بعض النساء وغيره من الحوائل ودخول وقت على من حدثه دائم لفرضه مثل من به سلس البول أو جرح لا يقف الخارج منه أو مستحاضة فإنه لا يتوضأ إلا بعد دخول الوقت وإذا خرج شيء فلا يضره.
هذه شروط الوضوء العشرة، وأما فروضه فستة:
 غسل الوجه ومنه المضمضة والاستنشاق وغسل اليدين إلى المرفقين ومسح جميع الرأس ومنه الأذنين وغسل الرجلين إلى الكعبين والترتيب في غسل الأعضاء بأن لا يؤخر أو يقدم غسل عضو على الآخر والموالات بأن لا يؤخر غسل عضو حتى ينشف ما قبله، ومن نواقض الوضوء:
 الأول: الخارج من السبيلين 
الثاني: زوال العقل بنوم مستغرق أو إغماء أو سكر 
الثالث: لمس أحد الفرجين باليد بدون حائل 
الرابع: أكل لحم الابل 
الخامس: الردة عن الإسلام عياذاً بالله من ذلك 
فمن فعل واحداً من هذه النواقض بطلت طهارته وعليه الإعادة ولا يخفى أن عامة عذاب القبر من عدم التحرز من البول وبعض الناس يخرج منه شيء بعد الوضوء إما نقطة من بقية البول أو مذي أو ودي ويمضي في طهارته وهو قد انتقض وضوئه بهذا الخارج فعليه إعادة الوضوء
ومن عليه غسل من جماع أو احتلام أو إيلاج فعليه الغسل وتعميم جسده بالماء، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا جلس بين شُعَبها الأربع، ثم جَهَدها، فقد وجب الغسل. متفق عليه.
  "وجَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ رضي الله عنها إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ! إِنَّ الله لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ فَهَلْ على المرأة مِنْ غُسْلٍ إِذَا احْتَلَمَتْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: نَعَمْ، إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ ".رواه البخاري.
 ومن غلب على ظنه أنه احتلم ولم ير شيئاً فلا شيء عليه، وصفةُ الغسل ما ذكره ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ فقال صلى الله عليه وسلم يَبْدَأُ فَيُفْرِغُ عَلَى يَدِهِ الْيُمْنَى مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ الْيُمْنَى فِي الإِنَاءِ فَيَصُبُّ بِهَا عَلَى فَرْجِهِ وَيَدُهُ الْيُسْرَى عَلَى فَرْجِهِ فَيَغْسِلُ مَا هُنَالِكَ حَتَّى يُنْقِيَهُ، ثُمَّ يَضَعُ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى التُّرَابِ إِنْ شَاءَ، ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى حَتَّى يُنْقِيَهَا، ثُمَّ يَغْسِلُ يَدَيْهِ ثَلَاثًا وَيَسْتَنْشِقُ وَيُمَضْمِضُ وَيَغْسِلُ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ رَأْسَهُ لَمْ يَمْسَحْ وَأَفْرَغَ عَلَيْهِ الْمَاءَ.رواه النسائي وصححه الألباني.
ولا يبول في مستحمه فإن عامة الوساوس منه ومن استشكل أشياء من أحكام عباداته فليسأل أهل العلم ولا يعذر بالجهل وقد قال تعالى:{ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} .(النحل:43).
والطهارة طهارتان: حسية ومعنوية ، فالطهارة الحسية هي ما سمعتم وهي ازالة الأنجاس ورفع الأحداث، والمعنوية نتحدث عنها في الخطبة الثانية.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي يحب التوابين ويحب المتطهرين نحمده ونشكره ونتوب إليه ونستغفره ونعوذ به من نزغات الشياطين
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين وقيوم السموات والأرضين ونشهد أن محمداً عبده ورسوله أشرف المخلوقات الموحى إليه {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (الأنبياء:107). اللهم صل عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على سنته واهتدى بهديه إلى يوم الدين
أما بعد؛
عباد الله:  طهروا بواطنكم وظواهركم؛ لعلكم تفلحون يوم الدين، فإن محل نظر الله القلوب والأعمال لا حسن الصورة والثياب والمظاهر الجميلة،  فكم من مجمل لظاهره وباطنه خراب فكل عمل لا يراد به وجه الله فهو مردود وقد ذم الله المنافقين بقوله { فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ }(التوبة 55)
والطهارة المعنوية هي طهارة القلب من الشك والشرك والشقاق والنفاق وسوء الأخلاق من الكفر والغل والحسد والحقد والعجب والرياء والكبر وحب أعداء الله وبغض أولياءه والكسل عن الطاعة والتسرع إلى المعصية وحلق اللحى وإعفاء الشوارب وإسبال الثياب وغير ذلك مما يدل على مرض القلب
فمن دخل الصلاة بطهارة القلب والبدن فقد دخلها بطهارتين ومن دخلها بطهارة الأعضاء دون طهارة الباطن فقد دخلها بأحد الطهارتين
فأروا الله من أنفسكم خيراً ولا تقصروا بواجبكم نحو ربكم ودينكم ونبيكم فيعاجلكم بالعذاب مع ما تحرمون من الثواب فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم
هذا ونسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يطهر منا البواطن والظواهر وأن يستعملنا بالصالحات ويصلح منا السرائر وأن يقر عيوننا بنصر الإسلام وأهله وقمع كل منافق فاجر وأن ينصر دينه وأن يجعله على مر العصور منتشر ظاهر
وأن يصلح نياتنا وذرياتنا إنه على كل شيء قدير اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين واجعل تدميرهم في تدبيرهم واجعل سهمهم في نحورهم واقتلهم في دورهم وأذقهم بأسك الذي لا يرد عن كل فاجر غادر مكار، اللهم دمر الرافضة واليهود وأعوانهم من المنافقين واجعل ما لديهم من قوت وعتاد فيئاً للمسلمين يا حي يا قيوم، اللهم اصلح ولاة أمور المسلمين وانصرهم على أعداء الدين ووفقهم لما به صلاح الدنيا والدين وارزقهم بطانة صالحة تعينهم على الحق وتفتح لهم أبوابه وتحذرهم من الشر وأسبابه ، اللهم إنا نعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }(لبقرة201)
واذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} (العنكبوت 45).
1435-4-3