الحمد لله الذي أحسن كل شيء خلقه وخلق الإنسان في أحسن تقويم وأشهد أن لا إله إلا الله جعل لكم  السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله و صحبه الذين تعلموا الكتاب والحكمة وتفقهوا في الدين فكانوا من المهتدين الآمنين ومن اقتدى بهم إلى يوم الدين.  
أما بعد
فقد قال تعالى:" يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) ". (الشعراء).
أيها المؤمنون: تبين هذه الآية أنه: لا يقي المرء من عذاب الله مالُه ولو افتدى بملء الأرض ذهباً ولا بنون أي ولو افتدى بمن على الأرض جميعاً ولا ينفع يومئذ إلا الإيمان بالله وإخلاص الدين له والتبرؤ من الشرك وأهله ولهذا قال "إلا من أتى الله بقلب سليم" أي من الدنس والشرك وموقن بأن الله حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور منقاداً لشرع الله في أمره ونهيه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم نافراً من الضلال والابتداع وبصلاح القلب يصلح الجسد وتستقيم الحياة ولا يكون ذلك إلا بالعلم بالحق والعمل به ونشره وحمايته
والإسلام يوصل إلى هذا النجاح فيكافح أمية القلم فيأمر الله بالقراءة والكتابة وطلب العلم النافع ومن أول آيات نزلت في القرآن "قْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4)عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)"(العلق) لأن الجهل بالقراءة والكتابة داء يحجب عن صاحبه نور العلم والمعارف والحقوق والواجبات
وتعنى الأمم بنشر القراءة والكتابة عناية فائقة وهذا حسن للقضاء على وصمة الأمية ولكن هناك أمية أخطر منها هي أمية القلب وهي داء البشرية في جميع عصورها فقد يكون المرء متعلماً ولكن قلبه فيه جهالة غليظة لا سبيل للقلم أن يزيل عيوبها أو يبدد ظلامها عن بصيرته وعن سلوكه وعن معاملاته وأخلاقه وسائر تصرفاته ويشير إلى ذلك
قول الله تعالى "ولكنَّ أكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ " الروم 6، 7 . يعني أنهم عرفوا ظواهر الأِشياء وانتفعوا بها في صناعتهم وعلاجهم وحياتهم في السلم والحرب ولكنهم غفلوا عن خالقها وعن توحيده وشكره وعبادته ومعرفة سنته في النجاة والهلاك وعن جزائه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من آتى الله بقلب سليم.
فأمية القلب تحجب صاحبها عن العلم الحق الهادي العلم بالله وبأسمائه الحسنى وصفاته العليا.
والأسباب التي توصل إلى النتائج في السعادة والشقاوة فذلك العلم هو رحيق العلم وروح المعرفة وقمة الثقافة التي تصلح حياة الفرد والمجتمع المادية والروحية والعقلية فيكون مواطناً صالحاً في نفسه وفي عمله أميناً شجاعاً مجاهداً مضحياً قانعاً مخلصاً مطيعاً لله ولرسوله ولأولي الأمر في كل عمل نافع.
فأمية القلب: شر وخطر على صاحبها وعلى أسرته وأمته لأنها تحجبه عن كمال إنسانيته وعن نور بصيرته وعن سر هدايته وسعادته فيتخبط في سلوكه ويضل في حياته ويشقى ويحي في دنياه ضنك ويحشر يوم القيامة أعمى لأنه اكتفى وفرح بما عنده من العلم ونسى آيات الله وأعرض عنها
" نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ  " الحشر 19
لذلك اهتم الإسلام بمكافحة أمية القلب فأرسل الله الرسل وأنزل الكتب فيها الأوامر والنواهي والعظات والعبر وما جرى للأمم من نصر وإبادة وعز وذل وما أعد للمحسن وللمسيء
عباد الله: إن من صلح قلبه فإنه لا يبيع سعادته ولا دينه ولا وطنه بمنصب ولا بعرض من الدنيا بل يختار الطريق الأسلم ولو كان صعباً طريق الصبر والكفاح للحياتين ليسعد فيهما معاً. 
هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. 
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وبعد
عباد الله: "  اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ  " آل عمران 102 ، تذكروا قول الرسول صلى الله عليه وسلم "فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب"رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
 واختاروا لأنفسكم أتريدون أن تكونوا من العلماء أو العباد، إن العالم يستطيع أن ينفع غيره بما علم والرسول صلى الله عليه وسلم يقول "خير الناس أنفعهم للناس"حسنه الألباني. ويقول في موضع آخر "من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه"رواه مسلم. فابذلوا ما في وسعكم لتكونوا اليوم طلاب علم وغداً من العلماء وليس ذلك على الله بعزيز.
هذا وصلوا على نبيكم كما أمركم إلهكم وخالقكم بذلك في محكم كتابه بقوله "إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا "الأحزاب:56. وقال عليه الصلاة والسلام من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا.رواه مسلم. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين وأعل بفضلك كلمة الحقن والدين، اللهم اجعلنا من خدمة هذا الدين ، اللهم اغفر ذنب المذنبين واقبل توبة التائبين اللهم لا تدع لنا في هذا المقام من ذنب إلا غفرته ولا هماً إلا فرجته ولا كرباً إلا نفسته ولا ديناً إلا قضيته ولا مريضاً إلا شفيته ولا أيماً إلا زوجته ولا ضالاً إلا هديته ولا حاجة من حوائج الدنيا هي لك رضا ولنا صلاح إلا اعنتنا على قضائها ويسرتها لنا ،  اللهم  وفق ولي أمرنا وولي عهده لما تحب وترضى وهيئ له البطانة الصالحة ومتعه وولي عهده بالصحة والعافية، اللهم انصر جنودنا في الحد الجنوبي على الحوثيين الذين دمروا البلاد والعباد  واغفر اللهم لنا ولوالدينا ووالدي والدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين،
عباد الله: اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم " وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ " .العنكبوت:45. 
1435-4-3هـ