الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد:
قولُ بعضِ الشباب أنه لا يسأل اللهَ بجاه الرسول فهذا صحيحٌ ؛ لأنه لم يردْ في الأدلة الشرعيةِ ما يدل على مشروعية التوسلِ بجاه أحدٍ من الناس ولا بحق أحدٍ من الناس ولا بذاته ، ولكن ليس ذلك من الشرك بل هو من البدع ومن وسائل الشرك عند أكثر أهل العلم ، والنبي صلى الله عليه وسلم له حق عظيم ومنزلة عظيمة عند الله وعند المؤمنين
ولا إسلام لأحد ولا إيمان إلا بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، ولكن لا يجوز التقرب إلى الله سبحانه ولا التوسل إليه إلا بما شرع من القول والعمل لقول النبي صلى الله عليه وسلم " مَن أَحْدَثَ في أَمْرِنَا هذا ما ليسَ فِيهِ، فَهو رَدٌّ " (قلت: رواه البخاري في صحيحه) .
فالواجب على المسلمين جميعاً تعظيمُ النبي ، صلى الله عليه وسلم ، بما شرعه الله في حقه من اتباعه ومحبته وتعظيم سنته والدعوة إليها والتحذير مما يخالفها مع الإكثار من الصلاة والسلام عليه
* اليد اليسرى لها أعمال غيرُ أعمالِ اليمنى ، وقد شرع اللهُ سبحانه استعمال اليمنى للمصافحة والأكل والأخذ والعطاء ونحو ذلك ، أما اليدُ اليسرى فتستعمل في إزالة الأذى كالاستنجاء وغسل النجاسة والاستنثار ونحو ذلك ، ولا مانع من الاستعانة بها مع اليمنى في حمل الثقيل وعلاج الحاجات الأخرى كما أنها تستعمل مع اليمنى في رفعهما عند تكبيرة الإحرام وعند الركوع والرفع منه وعند القيام من التشهد الأول وتستعمل في الركوع والسجود.
* التوسل الجاري على ألسنة كثير من الناس وهو (اللهم إني أسألك بمقاعد العز من عرشك) ليس له أصل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم ، وقد ذكر العلامة الزيلعي في كتابه " نصب الراية صـ 272 الجزء 4 " أن الحافظ البيهقي ، رحمه الله ، رواه في كتابه: الدعوات الكبير عن ابن مسعود رضي الله عنه وأن الحافظ ابن الجوزي رحمه الله ذكره في الموضوعات على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يعني المكذوبات عليه ، ولأنه مجمل محتمل لا يعرف معناه.
لكن قد دلَّت الأدلة الشرعية على شرعية التوسل بأسماء الله وصفاته ويدخل فيها الاسم الأعظم وكلمات الله التامات كما قال الله عز وجل " ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها " الأعراف 180 ، وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " مَن نَزَلَ مَنْزِلًا، ثُمَّ قالَ: أَعُوذُ بكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِن شَرِّ ما خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ شيءٌ، حتَّى يَرْتَحِلَ مِن مَنْزِلِهِ ذلكَ " رواه مسلم ، عن خوله بنت حكيم وروى مسلم في صحيحه أيضا عن عائشة رضي الله عنها أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يدعو في سجوده بقوله " اللهم أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك " ، وعن عبد الرحمن بن خنبش التميمي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ فيقول: "أعوذُ بكلماتِ اللهِ التَّامَّاتِ التي لا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ ولا فَاجِرٌ ، من شرِّ ما خلقَ و ذَرَأَ و بَرَأَ ، و من شرِّ ما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ ، و من شرِّ ما يَعْرُجُ فيها ، و من شرِّ ما ذَرَأَ في الأرضِ ، و من شرِّ ما يخرجُ مِنْها ، و من شرِّ فِتَنِ الليلِ و النَّهارِ ، و من شرِّ كلِّ طَارِقٍ إِلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يا رَحْمَنُ !" (قلت: رواه أحمد، وحسَّنه الألباني في السلسلة الصحيحة ).
والأحاديث في التوسل بأسماء الله وصفاته كثيرة ، وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أن ثلاثة ممن كان قبلنا آواهم المبيت إلى غار فانطبقت عليهم صخرة فسدت عليهم فم الغار فقالوا فيما بينهم إنه لن ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم فدعوا الله سبحانه وتوسل أحدهم إلى الله سبحانه ببره لوالديه فانفرجت الصخرة بعض الشيء ثم توسل الثاني بعفته عن الزنا بعد القدرة عليه فانفرجت الصخرة أكثر لكنهم لا يستطيعون الخروج ثم توسل الثالث بأدائه الأمانة لأهلها فانفرجت الصخرة فخرجوا ، وهذا الحديث يدل على شرعية التوسل إلى الله سبحانه بصالح الأعمال .
ومن ذلك التوسل بدعاء الحي وشفاعته كما كان الصحابة رضي الله عنهم يطلبون من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لهم ، ولما أجدبوا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستسقي لهم فدعا الله سبحانه في خطبة الجمعة ورفع يديه وقال " اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا " (قلت: رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما ) ، فأنزل الله المطر في الحال .
ومرة خرج بهم إلى الصحراء فصلى بهم ركعتين وخطبهم واستغاث الله سبحانه وتضرع إليه وألح في الدعاء ورفع يديه فأغاثهم الله سبحانه ، ولما وقع الجدب في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر العباس بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم أن يستغيث بالناس فدعا العباس رضي الله عنه وأمَّن المسلمون على دعاءه فأغاثهم الله .فقد روى البخاري عن أنس بن مالك :" أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنْه، كانَ إذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بالعَبَّاسِ بنِ عبدِ المُطَّلِبِ، فَقالَ: اللَّهُمَّ إنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إلَيْكَ بنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا، وإنَّا نَتَوَسَّلُ إلَيْكَ بعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا، قالَ: فيُسْقَوْنَ."
فهذه هي التوسلات الشرعية ، أما التوسل بجاه فلان أو حق فلان أو ذات فلان فهو توسل غير مشروع بل بدعة عند جمهور أهل العلم .
* إن الله سبحانه أنزل القرآن الكريم وبعث الرسول الكريم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم لدعوة الناس إلى عبادة الله وحده وتحذيرهم من عبادة المخلوقين كالملائكة والأنبياء والأولياء وغيرهم ، وقد صدع الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك وأنذر الناس من الشرك وأمر بإخلاص العبادة لله وحده كما قال الله سبحانه " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه " الإسراء 23 ، وقال تعالى " وما أُمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء " البينة 5 ، وقال تعالى " ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون * وإذا حُشر الناس كانوا لهم أعداءً وكانوا بعبادتهم كافرين " (الأحقاف 5 ، 6 ).
ففي صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا " ، وقال صلى الله عليه وسلم " من مات وهو يدعو من دون الله نداً دخل النار " (قلت: رواه البخاري) ، وقال صلى الله عليه وسلم " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " (قلت: رواه مسلم) ، وعن جابر رضي الله عنه قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه " رواه مسلم
فهذه الآيات والأحاديث تدل على وجوب إخلاص العبادة لله وحده وأنه سبحانه هو المستحق لجميع العبادات من الدعاء والاستغاثة والذبح والنذر والصلاة والصوم وغير ذلك من العبادات ، وتدل الأحاديث المذكورة أنه لا يجوز اتخاذ المساجد على القبور ولا البناء عليها ولا تجصيصها ، وما ذاك إلا لأن هذه الأعمال وسيلة إلى الغلو في الأموات وعبادتهم من دون الله كما قد وقع ذلك من بعض جهال الناس في دول كثيرة ، ومن علم ذلك وجب عليه مساعدة الدعاة إلى الله والقيام معهم وحمايتهم ممن يريد التعدي عليهم لأن ذلك من نصر دين الله والجهاد في سبيله ، والله سبحانه وتعالى يقول " يا أيها الذين ءامنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم " محمد 7 ، وقال تعالى " ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز * الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وءاتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور " الحج 40 ، 41 .
وقال صلى الله عليه وسلم "مَن رَأَى مِنكُم مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بيَدِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسانِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وذلكَ أضْعَفُ الإيمانِ. " (قلت:رواه مسلم) ، وأعظمُ المنكرات هو الشرك بالله سبحانه ووسائله وذرائعه ثم البدع والمعاصي ، فالواجبُ عليكم أن تنكروا ما أنكر الله ورسولُه وأن تنهوا عما نهى الله عنه ورسولُه وأن تأمروا بما أمر الله به ورسولُه وذلك هو طريق السعادة والنجاة وسبيل العزة والكرامة في الدنيا والآخرة .
أسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أنصار الحق ودعاة الهدى ومن الهداة المهتدين إنه سميع قريب .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.