الدرس 157: النكاح 6

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 28 صفر 1435هـ | عدد الزيارات: 1907 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

لا يجوز للمسلم أن يتزوج فتاة تعمل في إدارة مختلطة فيها الرجال والنساء اختلاطا تحدث منه فتنة أو ينشأ عنه خلوة رجل بها إلا على شرط التخلي عن هذا العمل لأنه مثار الفساد وذريعة إلى التحلل والانحراف.

ثانيا: إذا أمرها والداها أو غيرهما بأن تعمل في هذا العمل فلا تطعهما لأن الطاعة إنما تجب في المعروف بل تمتنع من ذلك العمل وتقف في وجه من يأمرها به إيثارا لطاعة الله ورسوله والمحافظة على عرضها ودينها على طاعة ولي أمرها ولو كان والديها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إنما الطاعة في المعروف.

ونكاح المرأة التي تعمل يجوز إذا كانت متحشمة ولم يفض بها إلى أمر محرم وكان في محيط نسائي ولم يكن فيه اختلاط بالرجال الأجانب أو خلوة ويكون بإذن زوجها أما الأفضل من النساء من الناحية الشرعية فهي ذات الدين لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "تنكح المرأة لأربع لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك" متفق عليه.

وإذا اشترطت الزوجة الثانية طلاق الأولى فعقد النكاح على الثانية صحيح ولا يلزمك الوفاء بالشرط وهو طلاق زوجتك الأولى لأنه شرط فاسد لما رواه سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد إلى أن قال: ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفئ ما في إنائها" رواه البخاري ومسلم.

وإذا اشترط ولي الأمر عند إجراء عقد النكاح أنه إذا تزوج الثانية الجديدة مطلقة طلاقاً بائنا فالجواب: لا يصح تعليق الطلاق إلا من زوج لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده "لا نذر لابن آدم فيما لا يملك ولا عتق له فيما لا يملك ولا طلاق له فيما لا يملك" لهذا فإن عقد الزواج المذكور صحيح والشرط غير صحيح لأنه طلاق على أجنبية عنه قبل عقده عليها

وليس بفرض على الزوج إذا أراد أن يتزوج ثانية أن يرضي زوجته الأولى لكن من مكارم الأخلاق وحسن العشرة أن يطيب خاطرها بما يخفف عنها الآلام التي هي من طبيعة النساء في مثل هذا الأمر وذلك بالبشاشة وحسن اللقاء وجميل القول وبما تيسر من المال إن احتاج الرضا إلى ذلك.

وإذا كانت المخطوبة قد علمت بظروف خاطبها الدنيوية مثل كونه قد تزوج من قبل وطلق أو ماتت أو لا تزال باقية في عصمته ومثل كونه ذا أولاد ورضيت به زوجا لاستقامته في دينه وخلقه وشؤون دنياه وأخفت ذلك عن ولي أمرها كما أخفاه الخاطب عليه خشية أن يعارض في زواجه إياه إذا كان الواقع كذلك فإن إخفاءها ذلك لا يؤثر في عقد الزواج ولا يخل به ما دام الولي هو الذي تولاه مع موافقتها على هذا الزواج لوجود الكفاءة في الدين مع كون الحق في مثل ما أخفي لها لا لولي أمرها

وإذا اشترطت الزوجة على زوجها أن يبقيها في قريتها فلها ذلك ولو كان الشرط شفوياً لم يدون في عقد الزواج وإذا تنازلت المرأة عن شيء من حقوقها فلا بأس لقوله تعالى:" وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ" (النساء 128)

ويجوز اشتراط مبلغ للبنت سوى المهر وينبغي أن يكون في حدود الطاقة وأن يراعى التسامح في ذلك

واشتراط المرأة أو وليها عند عقد الزواج مبلغا من المال يدفع في حالة تطليق زوجته شرط صحيح لأنه جزء من الصداق اتفق على تأخيره فإذا وافق الطرفان عليه وجب الوفاء به في حالة حصول موجبه وهو الطلاق ويدل لذلك ما رواه عقبة بن عامر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أحق الشروط أن توفوا بها ما استحللتم به الفروج" أخرجه البخاري وعموم حديث "المؤمنون عند شروطهم" وزاد الترمذي في روايته: إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما

وما تحصل عليه المرأة من المال في مقابل عملها المباح ملك لها لا يحل لزوجها منه إلا ما سمحت به نفسها أو إذا كان هناك شرط بينهما أن تعطيه شيئا منه

والشغار هو: أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته وليس بينهما صداق وسمي هذا النوع من التعاقد شغارا لقبحه شبهه في القبح برفع الكلب رجله ليبول يقال شغر الكلب إذا رفع رجله ليبول فكأن كل واحد رفع رجله للآخر عما يريد وقيل إنه من الخلو يقال شغر المكان إذا خلا والجهة شاغرة أي خالية والشغار فعال فهو من الطرفين إخلاء بإخلاء بضع ببضع ولا خلاف في تحريم الشغار وأنه مخالف لشرع الله كما يدل على هذا الأحاديث الصحيحة الشريفة في تحريمه ومخالفته للمقتضيات الشرعية ففي الصحيحين عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: نهى عن الشغار

وللشغار صورتان: إحداهما: المذكورة في الأحاديث وهو خلو بضع كل منهما من الصداق

والثانية: أن يشرط كل واحد من الوليين على الآخر أن يزوجه وليته

فإذا لم يكن لإحدهما مهر بل بضع في نظير بضع أو هناك مهر قليل حيلة فحكم هذا البطلان فيفسخ العقد فيه سواء كان قبل الدخول أو بعده

وقد جاءت الشريعة الإسلامية بتحريم الشغار لما فيه من التلاعب بمسئولية الولاية وما تقتضيه من وجوب النصح وبذل الجهد في اختيار من يكون عونا لها على ما يسعدها في حياتها الدنيا وفي الآخرة

فإذا زوج الرجل موليته لرجل على أن يزوجه الآخر موليته فهذا هو نكاح الشغار الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وهذا هو الذي يسميه بعض الناس نكاح البدل وهو نكاح فاسد سواء سمي فيه مهر أم لا وسواء حصل التراضي أم لا

وإذا حصل زواج الشغار ففرق بينهما ثم أراد أحدهما الزواج بزوجته السابقة بمهر جديد وعقد نكاح جديد كأي امرأة أخرى يتقدم للزواج منها كان له ذلك

ومن طلق زوجته ثلاثاً ثم تزوجها رجل آخر فطلقها قبل الجماع فلا تحل للأول لقوله تعالى " فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ" وجاء تفسير النكاح هنا بأنه الوطء فعن عائشة رضي الله عنها قالت "جاءت امرأة رفاعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت كنت عند رفاعة القرظي فطلقني فبت طلاقي فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير وإنما معه مثل هدبة الثوب فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك" رواه البخاري ومسلم

فإذا تزوج الرجل المرأة بشرط التحليل أو نواه أو اتفقا عليه فالعقد باطل والنكاح غير صحيح فقد أخرج الإمام أحمد والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المحلل والمحلل له

فإذا تزوج الرجل المرأة بعد طلاقها وانتهاء عدتها زواج رغبة ووطئها الزوج الثاني ولم يكن هناك شرط تحليل ولا نيته ثم طلقها زوجها الثاني جاز لها نكاح زوجها الأول

و نكاح المتعة محرم وباطل لو وقع لما روى البخاري ومسلم رحمهما الله عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر" وفي رواية "نهى عن متعة النساء يوم خيبر" قال الخطابي رحمه الله: تحريم المتعة بالإجماع إلا عن بعض الرافضة

فالزواج المؤقت هو: نكاح المتعة وهو نكاح باطل بإجماع أهل السنة والجماعة لأنه منسوخ بما ثبت في الأحاديث الصحيحة من النهي عنه وما كان كذلك فهو نكاح باطل والوطء به يعتبر زنا تترتب عليه أحكام الزنا في حق من فعله وهو عالم ببطلانه

فالزواج المؤقت زواج باطل لأنه متعة والمتعة محرمة بالإجماع والزواج الصحيح أن يتزوج بنية بقاء الزوجية والاستمرار فيها فإن صلحت له الزوجة وناسبت له وإلا طلقها قال تعالى:" فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ" البقرة 229

فالزواج بنية الطلاق زواج مؤقت والزواج المؤقت زواج باطل لأنه متعة والمتعة محرمة بالإجماع

وفق الله الجميع لما يحب ويرضى

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1435-2-28 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 7 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة