التحذير من ضياع الصلاة

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 14 صفر 1442هـ | عدد الزيارات: 1069 القسم: خطب الجمعة

الحمدُ للهِ الملِكِ العظيمِ القائلِ: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا(طه 132) والصلاةُ والسلامُ على عبدِه ورسولِه محمدٍ القائلِ :(وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَلَاةِ)، أخرجه النسائي عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، وصححه الألباني ، وعلى آلِه وأزواجِه وأصحابِه الذين قال ربُّهم في وصْفِهِم: { تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ}.(الفتح 29)

أمَّا بعدُ، أيُّها المسلمون :

فإنَّ الصلاةَ قُرَّةُ عُيونِ المؤمنين، وسُرورُ أرواحِ المُوحِّدِين، ولَذَةُ قلوبِ العابدين، وراحةُ نفوسِ الخاشعين، و مَحَكُّ أحوالِ الصادقين، ومِيزانُ أحوالِ السالكين، لِمَا فيها مِن مُناجاةِ الرَّبِ الكريمِ الذي لا تَقَرُّ العيونُ، ولا تَطمئِنُ القلوبُ، ولا تَنشرِحُ الصُّدورُ، ولا تَسكُنُ النفوسُ إلا إليه، وإلى التَّنعُّمِ بذِكرِه، والتَّذلُّلِ والخُضوعِ له، والاحتماءِ بجنابِه مِن الشُّرور، فعن سالم بن أبي الجعد قال : كان النبيِّ صلى الله عليه وسلم يقولُ لِمؤذِّنِه: (يا بلالُ أقمِ الصلاةَ، أرِحْنا بها ).أخرجه أبو داود ، وصححه الألباني.

وعن عبد الله بنِ شَقيقٍ ــ رحمه الله ــ أنَّه قال: (كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم لَا يَرَوْنَ شَيْئًا مِنَ الأَعْمَالِ تَرْكُهُ كُفْرٌ غَيْرَ الصَّلَاةِ )،أخرجه الترمذي وصححه الألباني .

الصلاةُ بفِعلِها تُعصَمُ نفسُ العبدِ مِن القتل، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما النبي صلى الله عليه وسلم قال:(أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الإِسْلاَمِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ) أخرجه البخاري

الصلاةُ بها يُكَفُّ القتالُ، وتُعرَفُ البلادُ بأنَّها ديارُ إسلامٍ ومسلمين، لا كُفرٍ وكافرين ، فعن أنس ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا غَزَا قَوْمًا لَمْ يُغِرْ حَتَّى يُصْبِحَ ، فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا أَمْسَكَ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا أَغَارَ بَعْدَ مَا يُصْبِحُ).أخرجه البخاري.

الصلاةُ تُحرِّمُ على الرَّعية أنْ تَخرجَ على حاكِمها، وأنْ تُقاتِلَه ، فعن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:( إنَّه يُسْتَعْمَلُ علَيْكُم أُمَراءُ، فَتَعْرِفُونَ وتُنْكِرُونَ، فمَن كَرِهَ فقَدْ بَرِئَ، ومَن أنْكَرَ فقَدْ سَلِمَ، ولَكِنْ مَن رَضِيَ وتابَعَ، قالوا: يا رَسولَ اللهِ، ألا نُقاتِلُهُمْ؟ قالَ: لا، ما صَلَّوْا.). أخرجه مسلم

الصلاةُ هي أوَّلُ أعمالِكم مُحاسَبةً يومَ القيامةِ، وبها تُفلحون في الآخِرةِ أو تَخسَرون ، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ).صححه الألباني في صحيح الترغيب .

الصلاةُ مِن عِظَمِ شأنِها عندَ الله تعالى أنْ جعلَهَا رُكنَ الإسلامِ الأعظمِ بعدَ الشهادتين، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ )،أخرجه البخاري ، ومِن عِظَمِ شأنِها عند الله تعالى أيضًا: أنْ فرضَها في السماء، وجعلَهَا خمسًا في العَدد، وخمسينَ في الثواب، رحمةً مِنه بعبادِه وفضلًا، لِحديثِ مُراجعةِ موسى ــ عليه السلام ــ للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لِعدد فرضيتها في السماء، وفيه أنَّ الله قال: (هِيَ خَمْسٌ، وَهِيَ خَمْسُونَ، لاَ يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيَّ ).أخرجه مسلم عن أنس بن مالك.

وتاركُ الصلاةِ موعودٌ بِنار الآخِرةِ :{ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ }.(المدثر 26-30) { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ } .(المدثر 38)

وتاركُ صلاةٍ واحدةٍ قد بَرِئت مِنه ذِمَّةُ الله، فعن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (لَا تَتْرُكَنَّ صَلَاةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا؛ فَإِنَّ مَنْ تَرَكَ صَلَاةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللهِ )، صحَّحه الألباني في صحيح الترغيب ، بل إنَّ تَرْكَ صلاةِ واحدةٍ مِنها ــ وهي صلاةُ العصرِ ــ عليه عقوبةٌ شديدةٌ، وخسارةٌ كُبرى ، فعن بريدة بن الحصيب الأسلمي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (مَنْ تَرَكَ صَلاَةَ العَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ ) أخرجه الخاري .

فاتقوا الله وكونوا مِمَّن قال فيهم: { وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ } (الأحقاف 34-35) وقال تعالى :{ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ( المؤمنون 1-2) اللهم اجعلنا مِمَّن حَسُنَ عملُه، وطابت خاتمتُه، وصَلُحَت صلاتُه.

هذا ، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب.

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ الذي لا إله إلا هوَ خالقُ البَريَّة، وأشهدُ لِنبيِّه محمدٍ بالرِّسالة ، والعبودية ولِلآلِ والصَّحبِ له بالأفضلية.

أمَّا بعدُ، أيُّها المسلمون:

فاتقوا اللهَ فيما فرَضَ عليكم مِن صلاةٍ بالليل والنهار، فلا تتركوها، أو تدَعوا فريضةً مِنها، أو تُؤخِّروها عن وقتها، أو تتخلَّفوا عن أدائها في جماعة، أو تتكاسلوا إذا قُمتُم إليها، فذاكَ بابُ النفاقِ، وسبيلُ المنافقين، قال جلَّ وعلا : إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ( النساء 142) وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (إنَّ أَثْقَلَ صَلَاةٍ علَى المُنَافِقِينَ صَلَاةُ العِشَاءِ، وَصَلَاةُ الفَجْرِ، ولو يَعْلَمُونَ ما فِيهِما لأَتَوْهُما ولو حَبْوًا، وَلقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بالصَّلَاةِ، فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فيُصَلِّيَ بالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي برِجَالٍ معهُمْ حُزَمٌ مِن حَطَبٍ إلى قَوْمٍ لا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ، فَأُحَرِّقَ عليهم بُيُوتَهُمْ بالنَّارِ. ) أخرجه مسلم .

وقال ابن مسعود ــ رضي الله عنه ــ في شأن صلاةِ الجماعةِ: (وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ) أخرجه مسلم ،

أيُّها المسلمون:

لقد اتخذتْ الدَّولةُ ــ سدَّدها اللهُ ــ عِدَّةَ إجراءاتٍ تتعلقُ بِعدوَى وباءِ كورونا، حِمايةً لِلناس، وحدَّاً من انتشار الوباء، ولِئلَّا يَضعُفَ اقتصادُ البلادِ بزيادةِ المُصابينَ وعلاجِهم ، ومِن هذهِ الإجراءاتِ :

لبسُ الكِمَامَةِ في أماكن الاختلاطِ والتجمُعات، والمُباعَدةُ بين الناسِ بِتَرْكِ مسافةٍ ، وغَسلُ اليدينِ باستمرار، واستعمالُ المعقمات والمُطهِّرات على سبيلِ الاحتياط ، وصلاة ُ كلِّ مُصلٍّ على سُجَّادة تَخُصُّه ، ورَميُ الكِمَامةِ والقُفازينِ في الأماكنِ المُخصَّصة ، وكلُّ هذهِ الإجراءاتِ مِن اتِّخاذِ الأسبابِ الذي قرَّرتهُ الشريعةُ، وتضافرت نُصوصُها في تثبيتِه، وتَنوُّعِ صورِه، فاستمِرُّوا على ذلكَ حتى يَنكشفَ هذا البلاء ولِئلَّا يعودَ الوباء بموجَةٍ كالسابقةِ أو أشدّ.

هذا وأسألُ اللهَ أنْ يَجعلَنا مِن الصابرينَ على أقدارِه وبلائِه، وأنْ يَدفعَ عنَّا كلَّ شَرٍّ ومكروه، وأنْ يُسدِّدَ الولاةَ ونُوَّابَهم وعُمَّالَهم وجُندَهم إلى حفظِ البلادِ والعِباد مِن الأوبئةِ والأعداءِ والمُفسِدين، وأنْ يَغفرَ لَنا، ولأهلينا، وجميعِ المؤمنين، إنَّه سميعُ الدعاء.

وصلِّ اللهُمَّ على نبينا محمدٍ

1442/2/14هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 5 =

/500
جديد الخطب الكتابية