ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮﻗﻊ

مفهوم الأمانة

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 20 صفر 1442هـ | عدد الزيارات: 963 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله الذي تفرَّدَ بالعزِّ والجلالِ ، وتوحَّدَ بالكبرياءِ والكمالِ ، وجلَّ عن الأشباه والأشكالِ.. وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد وهو على كل شيء قدير هو الأول والآخر والظاهر والباطن الكبير المتعال ، وأشهد أن نبينا محمدًا عبدُ الله ورسولُه وخليلُه الذي أيده بالمعجزات الظاهرة، والآياتِ الباهرة، وزينه بأشرف الخصال، وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

عباد الله ؛

" مَرَّ ابْنُ عمرَ بِرَاعِي غَنَمٍ فقال يا رَاعِيَ الغنمِ هل من جَزْرَةٍ قال الرَّاعِي ليس ها هُنا رَبُّها فقال ابْنُ عمرَ تقولُ أكلَها الذِّئْبُ فرفعَ الرَّاعِي رأسَهُ إلى السَّماءِ ثُمَّ قال فأينَ اللهُ فَاشْتَرَى ابْنُ عمرَ الرَّاعِي واشْتَرَى الغنمَ فَأعتقَهُ وأعطاهُ الغنمَ " رواه زيد بن أسلم وصححه الألباني .

إنها الأمانة؛ ذلك الخلق العظيم الذي به تُحفظ الحقوق وتُؤدى الواجبات وتُصان الدماء والأموال والأعراض وبه تُعمر الديار والأوطان ويُقام الدين، ويُعبَد اللهُ في أرضه، وبه ينال العبدُ رضا ربه، وثناءَ الناس له من حوله، لا يستغني عنها الأفرادُ ولا الدولُ ولا الشعوبُ والمجتمعات.

وقد أمر الإسلام بخُلق الأمانة وبيّن أهميته وفضله وأثره في الحياة الدنيا والآخرة..قال سبحانه: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً) [النساء:58]. وحذر -سبحانه وتعالى- من خيانة الأمانات فقال:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)[الأنفال: 27].

والأمانة هي القيام بالواجبات، وأداء الحقوق، وإتقان الأعمال، وحفظ الودائع، وهي شاملة لجميع مجالات حياة الفرد تجاه نفسه ودينه، وأسرته ووظيفته، ومجتمعه ووطنه، لا فرق فيها بين حاكم أو محكوم ، فهي شرف للجميع، ورأس مال الإنسان، وسر نجاحه، ومفتاح كل تقدم، وسبب لكل سعادة.

جعلها النبي -صلى الله عليه وسلم- من علامات الإيمان.. عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " المؤمنُ من أمنه الناسُ على دمائهم وأموالهم " أخرجه النسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه وصححه الألباني .

وعن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ": لا إيمانَ لمن لا أمانةَ له ، ولا دينَ لمن لا عهدَ له " صححه الألباني .

والأمانة هي خُلق أفضل الأنبياء وخاتمهم -صلى الله عليه وآله وسلم-، عُرِفَ بها وشَهد بذلك أعداؤه، وقد أمر بأداء الأمانة وحفظها ونهى عن الخيانة ولو مع الخصم الخائن، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك" صححه الألباني . حتى مع من خانك لا ينبغي لك أن تنزل إلى مستوى أخلاقه فتخونه فتكونَا في الإثم سواء.

وبيَّن المصطفى -صلى الله عليه وسلم- أن حفظ الأمانة وأداءَها سببٌ من أسباب دخول الجنة؛ فعن عبادة بن الصامت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "اضمنوا لي ستا من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصْدُقوا إذا حدثتم، وأَوفوا إذا وعدتُم، وأدوا إذا اؤْتمنتم، واحفظوا وغضوا أبصاركم وكفوا أيديكم" حسَّنه الألباني .

عباد الله ؛ لقد حذر -صلى الله عليه وسلم- من زمن تُقْلَبُ فيه الحقائقُ وتُزوَّر الوقائعُ وتُغيَّر العناوينُ فقال: "سيأتي على الناس سنوات خداعات؛ يُصدَّق فيها الكاذب، ويُكذَّب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويُخوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الروبيضة" قيل: وما الروبيضة؟ قال: "الرجل التافه يتكلم في أمر العامة " أخرجه ابن ماجه في سننه وصححه الألباني.

إن من بين السلبيات التي تجعل حضارة المجتمع في تراجع الخيانة وعدم الوفاء بأمانة العمل؛ إما عن طريق أن يُوسَّد العمل إلى غير أهله، وإما بإهدار المال العام، وكلاهما أبشع أنواع الخطر على تقدم المجتمع وحضارته.

أما توسيد العمل إلى غير أهله فيترتب عليه خلخلة المؤسسة أو الإدارة، وعدم استقرارها وثباتها. وفي التأكيد على المحافظة على الاستقرار كان توجيه الإسلام واضحًا في بيان أن الأمر إذا وُسِّد إلى غير أهله فلننتظر الساعة؛ كناية عن انتهاء الحياة والاستقرار وعندما سئل الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن الساعة، وقال له رجل: متى الساعة؟ قال: "إذا ضُيِّعت الأمانة فانتظر الساعة"، فقال: وكيف إضاعتها؟ قال: "إذا وسٌدّ الأمر لغير أهله فأنتظر الساعة" رواه البخاري.

وأما إهدار المال العام فإنه يتمثل في صور كثيرة من سوء استخدام صلاحيات البعض، ومن عدم مراقبة الله -تعالى- فيما يعمل وفيما يأخذ، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من استعملناه على عمل فرزقناه رزقًا فما أخذ بعد ذلك فهو غلول" رواه أبو داود عن بريدة بن الحصيب الأسلمي وصححه الألباني.

لقد سمَّى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الوظائف أمانات، ونصح الضعفاء عن طلبها والتعرُّض لها، فقد سأله أبو ذر -رضي الله عنه- أن يستعمِلَه فضرب بيده على منكبه وقال: "يا أبا ذر! إنك ضعيف وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزيٌ وندامة، إلا من أخذها بحقها وأدّى الذي عليه فيها " رواه مسلم.

هذا ، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

الخطبة الثانية:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :

عباد الله ؛ اتقوا الله واعلموا أن الأمانة سلوك أمة وشعار مجتمع ودستور حياة.

فلنربِّ على الأمانة أبناءنا، وننصح بها بعضنا، ولنحذر من الخيانة فقد بيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّ خائن الأمانة سوف يُعذَّب بسببها في النار، وتكون عليه خزياً وندامة يوم القيامة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: " يُنصب لكل غادر لواءٌ يومَ القيامة " رواه البخاري.

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت..اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى وارزقه البطانة الصالحة الناصحة وانصر جنودنا على أعداء الدين في اليمن .

والحمد لله رب العالمين.

1441/2/20هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 4 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي