ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮﻗﻊ

نعمة الأمن

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 30 محرم 1442هـ | عدد الزيارات: 1123 القسم: خطب الجمعة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له ، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الْأَحْزَابِ: 70-71].

أما بعدُ: عباد الله ؛

فإنّ من أسماء الله الحسنى الواردة في كتاب الله “المؤمن”، كما قال تعالى في وصف نفسه: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ)[الْحَشْرِ: 23]، فالمؤمن من معانيه التي اشْتُقَّ منها الأمانُ ، فهو الذي يَهَبُ عبادَه المؤمنين الأمنَ في الدنيا، بالطمأنينة والأُنْس الذي يجدونه في قلوبهم بفعل الإيمان به وتوحيده، وكذلك هو الذي يُؤَمِّن لجميع خَلْقِه كلَّ ما يَضمَنُ بقاءَ حياتهم إلى أجلهم المحتوم؛ بتوفير رزقهم ودفع الغوائل عنهم.

عبادَ اللهِ ؛

من مطالب الحياة الطيبة الأمنُ والأمانُ، فكيف يعيش المرءُ في حالة لا يجد فيها أمنًا ولا استقرارًا، وكيف يطيب عيشُه إذا عدم الأمن، وهو كذلك ضرورة لكل مجتمع، حيث السلامة من الفتن والشرور والآفات، وبه يتحقَّق الاطمئنانُ والسكونُ، والرخاءُ والازدهارُ، وبه تستقيم المصالح وتُحفَظ الأنفسُ، وتصان الأعراضُ والأموالُ وتأمن السُّبُلُ وتقام الحدودُ، وبفقده تضيع الحقوقُ، وتتعطَّل المصالحُ، وتحصل الفوضى، ويتسلَّط الأقوياء على الضعفاء، ويحصُل السلبُ والنهبُ، وسَفْكُ الدماء وانتهاكُ الأعراض، إلى غير ذلك من مظاهر فَقْد الأمن للمجتمع.

والأمن نعمة عظمى، ومِنَّة كبرى، لا يُدرِك قيمتَه ولا يستشعر أهميتَه إلا مَنْ تجرَّع غَصَّةَ الحرمان منه، واصطلى بنار فقده، فوقَع في الخوف والقلق، والذعر والاضطراب والفوضى والتشريد والضياع، فكم من غريب فقَد موطنَه، وكم من شريد غاب عن أهله وعشيرته، وكم من منكوب تائه لا يعرِف له مأوى، ولا يشعر بطمأنينة ولا استقرار.

وانظروا -يا رعاكم الله - إلى صور فَقْد الأمن في بعض دول العالَم اليوم، وما مُنِيَ به من اجتياح الفتن المدلهمة، والحروب الطاحنة، وإحاطة الخوف والرعب والجوع والسلب والنهب في فوضى عارمة، وجنايات ظالمة.

عبادَ الله ؛

إن الأمن مطلبٌ في حياة الإنسان؛ إذ هو -بطبعه- يَنْشُد الأمنَ وما يُبعِده عن المخاطر والمخاوف، ولأهميته وعظيم مكانته دعا الخليلُ إبراهيمُ -عليه السلام- لأهل مكة فقال: (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)[الْبَقَرَةِ: 126]، فقدَّم طلبَ الأمن على طلب الرزق؛ لأن الأمن ضرورة، ولا يتلذَّذ الناس بالرزق مع وجود الخوف، بل نجد في القرآن تلازُمًا وثيقا بين الأمن ورغد العيش من جهة، وبين الخوف والجوع من جهة أخرى، قال تعالى مُنكِرًا على قريش عدم اتباع الهدى:(أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)[الْقَصَصِ: 57]، وقال سبحانه في بيان مِنَّتِه وفضلِه عليهم: (الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ)[قُرَيْشٍ: 4].

ولأهمية الأمن فقد وعَد المؤمنينَ بأن يجعل لهم بدلًا من الخوف الذي يعيشون فيه أمنًا واطمئنانًا، وراحة في البال، وهدوءا في الحال، إذا عبدوه وحدَه واستقاموا على طاعته، ولم يشركوا معه شيئًا، قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)[النُّورِ: 55].

وكان من دعائه -صلى الله عليه وسلم-: “اللهم اسْتُرْ عَوْرَتِي، وآمِنْ رَوْعَاتِي(رواه أبو داود، وصححه الألباني).

والأمن -أيها الإخوة- هو الهدف النبيل الذي تنشده المجتمعاتُ ، وتتسابق إلى تحقيقه الشعوبُ، يقول تعالى مذكِّرًا قوم سبأ بنعمة الأمن الحاصل لهم في سيرهم ليلا ونهارا في قُرَاهُمْ: (سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ)[سَبَأٍ: 18]، ويقول سبحانه ممتَنًّا على قريش بنعمة الأمن: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) [الْعَنْكَبُوتِ: 67]، وفي الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “مَن أصبحَ منكم آمنًا في سربِهِ ، مُعافًى في جسدِهِ عندَهُ قوتُ يومِهِ ، فَكَأنَّما حيزت لَهُ الدُّنيا(رواه الترمذي، وصححه الألباني).

معاشرَ المسلمينَ ؛

إذا اختلَّ نظامُ الأمن، وزُعزعت أركانُه واختُرق سياجُه فلا تسأل عن الآثار الوخيمة التي تحدُث نتيجةَ ذلك ؛ من الفتن العاصفة، والشرور المتعاظمة؛ إذ لا يأتي فقدُ الأمن إلا بإثارة الفتن العمياء، والجرائم الشنعاء، والأعمال النكراء، ومن هنا فالأمن في الإسلام مقصدٌ عظيمٌ، شرع له من الأحكام ما يحميه ويحفظ سياجَه، ويمنع المساسَ بجنابه، فقد تضافرت النصوص الشرعية على وجوب المحافَظة على الضرورات الخمس، وهي: الدين والنفس والعقل والعِرْض والمال، أوجَب الشرعُ حفظَها، وحمى حماها، وحدَّ الحدودَ ، بل إن الإسلام حرَّم كلَّ فعل يُخِلُّ بالأمن والاطمئنان والاستقرار، وحذَّر مِنْ كلِّ عمل يبثُّ الخوفَ والرعبَ والاضطرابَ، من منطلق حرصه على حفظ هذه النعمة الجليلة.

هذا ، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب وخطيئة، وتوبوا إليه إن ربي غفور رحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله ذي الفضل والإحسان، جعَل الأمنَ مقرونًا بالإيمان، وأشهد ألَّا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، الكريم المنَّان، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان .

أما بعد عباد الله:

اتقوا الله واعلموا أن المحافظة على الأمن والاستقرار مسئولية الجميع، فلا بد من تكاتُف الجهود في هذا المجال؛ للتصدي لمن يحاول الإخلال بأمن البلاد والعباد، والوقوف أمام كل دعوة تهدِّد الأمنَ، فلا هناءَ في عيش بلا أمن، ولا سعادة في مال بلا استقرار، وإن الله -عز وجل- قد أنعَم على العباد بنعم كثيرة وافرة، وأوجب عليهم واجباتٍ متعددةً؛ فمن ذلك أمْنُهم الذي يجب أن يحفظوه، ويعملوا على استدامته وبقائه، وعدم انتهاك ما يخل به، ويُذهب آثارَه المحمودةَ.

ألَا وصلُّوا وسلِّموا -حفظكم الله - على البشير النذير والسراج المنير، كما أمركم اللهُ بذلك فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، وبارِكْ على محمد وعلى آل محمد، كما باركتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

اللهم انصر مَنْ نصَر الدينَ، واخذل مَنْ خذَل المسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الكفر والكافرين، واحمِ حوزة الدين، وانصر عبادك الموحدين، ودمِّر أعداءك أعداء الدين، اللهم من أراد بلادنا وبلاد المسلمين بسوء فأشغله بنفسه، ورُدَّ كيدَه في نحره، واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء، اللهم احفظ بلاد الحرمين، ومقدَّسات المسلمين، من شر الأشرار، وكيد الفجار، ومن عبث العابثين، وكيد الكائدين، وعُدوان المعتدين.

اللهم إنَّا نسألكَ أن تجعل بلادَنا في أمن وأمان وعافية، اللهم اجعلها آمنةً مطمئنةً، سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين.

اللهم آمِنَّا في الأوطان ، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واجعل ولايتَنا فيمن خافك واتقاك، وعمل برضاك اللهم وفق وليَّ أمرنا لما تحبه وترضاه، من الأقوال والأعمال، يا حي يا قيوم، وخذ بناصيته للبر والتقوى.

اللهم كن لإخواننا المستضعَفين والمجاهدين في سبيلك، المرابطين على الثغور حماة الحدود، اللهم كن لهم معينًا ونصيرًا، ومؤيِّدا وظهيرا، اللهم استر عوراتهم، وآمِنْ روعاتهم، واحقن دماءهم، واحفظ أعراضهم.

(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)[النَّحْلِ: 90-91].

1442/1/29 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 2 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي