شكر الله على نعمة الأمن

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 16 ربيع الأول 1446هـ | عدد الزيارات: 49 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، الصادق الأمين ، بلَّغَ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمَّةَ، وكشف اللهُ به الغُمَّةَ وتركنا على المحجة البيضاء ليلُها كنهارها لا يزيغُ عنها إلا هالكٌ ، فصلواتي ربي على خير رسول إلى خير أمة {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ }.[آل عمران 110]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ[آل عمران102] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا }[النساء 1] ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } [الأحزاب:70 71]

أما بعدُ ؛ أيها المسلمون؛ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مُعلِّمًا أصحابَه وأُمَّتَه مِن بَعدِه:" مَن أصبحَ منكم آمنًا في سربِهِ، مُعافًى في جسدِهِ عندَهُ قوتُ يومِهِ ، فَكَأنَّما حيزت لَهُ الدُّنيا ".(صحيح الترمذي للألباني.)

ففي هذا الحديث يبينُ النبيُّ، صلى الله عليه وسلم، نِعَمَ اللهِ، سبحانه وتعالى، على عِبادِه، وأنها كثيرةٌ لا تُحصَى، والرِّزقُ مُتعدِّدٌ متنوِّعٌ؛ فليس الرِّزقُ مَحصورًا في المالِ فقط، فمن توفَّر له الأمانُ على نفْسِه أو على أهلِه وجَماعتِه، وتَحصَّلَت له العافيةُ في الجسَدِ فسَلِم مِن المرَضِ والبلاءِ وكان صَحيحًا، وتوفَّر له رِزقُ يومِه وما يَحتاجُه مِن مَؤونةٍ وطعامٍ وشرابٍ يَكْفي يومَه، فكان كمَن ملَك الدُّنيا، وجمَعها، فلا يَحتاجُ إلى شيءٍ آخَرَ، وعلى العبدِ أنْ يحَمْدَ اللهَ تعالى ويشُكرَه على هذه النِّعمِ.

أيها الموحدون؛ الأمنُ نعمةٌ من أجلِّ وأعظمِ النِّعم، وعند أهل العلم وذوي العقول أنه ليس بعد الإيمان نعمة أعظم من نعمة الأمن يمنُّ بها اللهُ على الأوطان والبلدان والإنسان، وكما امتنَّ الله على عباده بنعمة الإيمان: {بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}[الحجرات:17]، كذلك امتنَّ عليهم بنعمة الأمن، تلك النعمةُ التي امتنَّ اللهُ تعالى بها على قريش حينَ أعرضوا عن دين محمد ، فقال سبحانه: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ }[القصص:57]، وذكَّرهم بأحوال الذين فقدوها من حولِهم، فقال سبحانه:{ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ } [العنكبوت:67]، ثم جعلها لعظمها داعيًا لهم إلى الإيمان، فقال سبحانه:{ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش:3-4].

وتأمل كيف جاء الأمن في هذه الآية مقرونًا بالطعام الذي لا حياة للإنسان ولا بقاء له دونه؛ مما يدل على أن حاجة الإنسان للأمن والأمان والاطمئنان لا تقل عن حاجته إلى الطعام والشراب:{الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ}.

وأوُّلُ مطلبٍ طلبهُ إبراهيمُ عليه السلام من ربِّه هو أن يجعل هذا البلدَ آمنًا:{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} [إبراهيم:35]، فانظر كيف قدم إبراهيمُ ،عليه السلام ، طلب الأمن على سائر المطالب المذكورة بعدَهُ، وهذا يدل على أنه من أعظم أنواع النعم والخيرات، وأنه لا يتم شيء من مصالح الدين والدنيا إلا به، فإنه إن انتفى الأمن لم يفرغْ الإنسانُ لشيء آخر من أمور الدين والدنيا. وفي الآية الأخرى:{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ }[البقرة:126]، فقدم طلب الأمن على طلب الرزق من الثمرات؛ لأن بلدًا لا أمن فيه لا تستقيم فيه أرزاقهم.

وإذا اختل الأمن تبدَّلَ الحالُ، ولم يهنأ أحدٌ براحة البال، إذا اختل الأمن تقتل النفوسُ البريئةُ، وترمَّلُ النساءُ، وييتَّمُ الأطفالُ، ويلحقُ النَّاسَ الفزعُ والذعرُ حتى في عباداتهم، وينقطعُ تحصيلُ العلم ويئنُّ المريضُ فلا دواءَ ولا طبيبَ، وتختل المعايشُ، وتُهْجَرُ الديارُ، وتُفَارَقُ الأوطانُ، وتتفرق الأسر، وتبور التجارة، ويتعسر طلب الرزق، إذا اختل الأمن حل الخوف وأذيق المجتمع لباس الفقر والجوع؛ كما قال الله سبحانه عن القرية الآمنة المطمئنة التي يأتيها رزقها رغدًا من كل مكان فكفرت بأنعم الله، قال الله: {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ }[النحل:112].

فاعلموا أيها الموحدون كم هي نعمة جليلة وعظيمة ترزخ فيها هذه البلاد المباركة ، واشكروا الله على هذه النعمة فبشكر الله تزداد النعم {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ }. [إبراهيم 7]

هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه ؛ إنه هو الغفور الرحيم .

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

أمَّا بَعْدُ ؛ أيُّها المؤمنون: حافظوا على أمن بلادكم بطاعة الله، والبعد عن معصيته، وطاعة ولي الأمر فيما لا معصية لله فيه ، وشُكرِ الله على هذه النعمة التي سُلبها كثيرُ من الناس ، وعلينا أن نحافظ على اللحمة الوطنية، ووحدة الصف، واجتماع الكلمة كي نكون سدَّا منيعًا ضد كلِّ من يُعكَِر صفوَ هذا البلد المبارك، يقول سبحانه: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }. [آل عمران 103]

عباد الله ، ندعو الله في عليائه أن يعاملنا بفضله لا بعدله وبإحسانه لا بميزانه ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله الأطهار، وارضِ اللهم عن الخلفاء الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعليِّ وعن الصحابة أجمعين ، وعنَّا معهم بفضلك وكرمك، اللهم وحد صفَّ المسلمين ، وارحم المستضعفين ، واجمعنا على لا إله إلا الله محمد رسول الله ، ووفق اللهم ولي أمرنا وولي عهده لما تحب وترضى ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

١٦ ربيع الأول ١٤٤٦ هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 2 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي