الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد؛
النجاسة تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: مغلظة مثل نجاسة الكلب
الثاني: متوسطة مثل سائر النجاسات
الثالث: مخففة مثل نجاسة الغلام الذي لم يأكل الطعام
وإذا طرأت النجاسة على أرض فإنه يشترط لطهارتها أن تزول عين النجاسة أياً كانت ولو من كلب بغسلة واحدة وإن لم تزل إلا بغسلتين فغسلتان وبثلاث فثلاث والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لمَّا بالَ الأعرابيُّ في المسجد:"دَعُوهُ وهَرِيقُوا علَى بَوْلِهِ سَجْلًا مِن مَاءٍ، أوْ ذَنُوبًا مِن مَاءٍ " [صحيح البخاري] ولم يأمر بعدد
وإن كانت النجاسة ذات جرم فلا بد أولاً من إزالة الجرم، كما لو كانت عذرة أو دماً جفَّ ثم يتبع بالماء.
فإن أزيلت بكل ما حولها من رطوبة كما لو أجتث اجتثاثاً فإنه لا يحتاج إلى غسل لأن الذي تلوث بالنجاسة قد أزيل
ونجاسة الكلب لا بد من غسلها سبع مرات إحداهن بالتراب كل غسلة منفصلة عن الأخرى فيغسل أولاً ثم يعصر وهكذا إلى سبع إحداهن بالتراب
والدليل على ذلك "أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ:" إذَا شَرِبَ الكَلْبُ في إنَاءِ أحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا. " [صحيح البخاري] ، وفي رِوايةٍ لمسلمٍ: «أُولاهُنَّ بالتُّرابِ»، وفي رِوايةٍ أُخرى لمُسلِمٍ: «وعَفِّروه الثامنةَ في التُّرابِ» ، ولهذا قال العلماء رحمهم الله الأولى أن يكون التراب في الأولى لما يلي:
أولاً: ورود النص بذلك
ثانياً: إنه إذا جعل التراب في الأولى خفت النجاسة
وجمهور الفقهاء قالوا إن روثه وبوله كولوغه بل هو أخبث ، والنبي صلى الله عليه وسلم نص على الولوغ لأن هذا هو الغالب؛ إذ أن الكلب لا يجعل بوله وروثه في الأواني بل يلغ فيها فقط.
والحمار الأهلي لا الوحشي قبل أن يحرم طيب الأكل، ولما حرم صار خبيثاً نجساً.
والشمس تطهر المتنجس إذا زال أثر النجاسة بها وذهب إلى هذا القول أبو حنيفة واختاره شيخ الإسلام وابن القيم .
أما بالنسبة لحديث أنس أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يصب عليه الماء؛ لأجل المبادرة بتطهيره لأن الشمس لا تأتي عليه مباشرة حتى تطهره، بل يحتاج ذلك إلى أيام والماء يطهره في الحال والمسجد يحتاج إلى مبادرة بتطهيره لأنه مصلى الناس.
مسألة: نجاسة الخمر
جمهور العلماء ومنهم الأئمة الأربعة واختيار شيخ الإسلام أنها نجسة واستدلوا بقوله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }(المائدة 90)
والرجس النجس
والدماء تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: نجس لا يعفى عن شيء منه مثل الخارج من أحد السبيلين
القسم الثاني: نجس يعفى عن يسيره
القسم الثالث: طاهر وهذا أنواع
الأول: دم السمك
الثاني: الدم اليسير الذي لا يسيل كدم البعوضة والذباب والصراصير وربما يستدل على ذلك بأن ميتة هذا النوع من الحشرات طاهرة لقوله صلى الله عليه وسلم "إِذَا وقَعَ الذُّبَابُ في شَرَابِ أحَدِكُمْ، فَلْيَغْمِسْهُ ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ؛ فإنَّ في إحْدَى جَنَاحَيْهِ دَاءً، والأُخْرَى شِفَاءً." [صحيح البخاري]ويلزم من غمسه الموت إذا كان الشراب حاراً أو دهناً ولو كانت ميتته نجسه لتنجس بذلك الشراب لا سيما إذا كان الإناء صغيراً
الثالث: الدم الذي يبقى في المذكاة بعد تذكيتها كالدم الذي يكون في العروق والقلب والطحال والكبد فهذا طاهر سواء كان قليلاً أو كثيراً
الرابع: دم الشهيد عليه طاهر ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بغسل الشهداء من دمائهم إذ لو كان نجساً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بغسله فعلى رأي الجمهور أن دم الآدمي نجس لكنه من الدماء التي يعفى عن يسيرها، والأصوب أن دم الآدمي طاهر ما لم يخرج من السبيلين، والدليل على ذلك:
أولاً: أن الأصل في الأشياء الطهارة حتى يقوم دليل النجاسة ولا نعلم أنه صلى الله عليه وسلم أمر بغسل الدم إلا دم الحيض مع كثرة ما يصيب الإنسان من جروح ورعاف وحجامة فلو كان نجساً لبينه النبي صلى الله عليه وسلم.
ثانياً: أن المسلمين ما زالوا يصلون في جراحاتهم في القتال وقد يسيل منهم الدم الكثير الذي ليس محلاً للعفو ولم يرد عنه صلى الله عليه وسلم الأمر بغسله ولم يرد أنهم كانوا يتحرزون عنه تحرزاً شديداً بحيث كانوا يحاولون التخلي عن ثيابهم متى وجدوا غيرها.
ثالثا: من القياس وهو أن أجزاء الآدمي طاهرة فلو قطعت يده لكانت طاهرة مع أنها تحمل دماً وربما يكون كثيراً فإذا كان الجزء من الآدمي يعتبر ركناً في بنية البدن طاهراً فالدم الذي ينفصل منه ويخلفه غيره من باب أولى.
رابعاً: أن الآدمي ميتته طاهرة والسمك ميتته طاهرة فما دام أن دم السمك طاهر لأن ميتته طاهرة فكذا يقال إن دم الآدمي طاهر لأن ميتته طاهرة
والحيوان قسمان:
طاهر ونجس
فالطاهر: كل حيوان حلال كبهيمة الأنعام والخيل والضباء والأرانب والحمار الوحشي ونحوها فهي طاهرة في الحياة، وكل ما ليس له دم سائل فهو طاهر في الحياة وبعد الموت.
والنجس: كل حيوان محرم الأكل إلا الهرة وما دونها في الخلقة على المذهب فطاهر بدليل حديث أبي قتادة رضي الله عنه أنه قدم إليه ماء ليتوضأ به فإذا بهرة فأصغى لها الإناء حتى شربت ثم قال إن النبي صلى الله عليه وسلم قال" إنَّها لَيسَت بنجَسٍ إنَّما هيَ مِنَ الطَّوَّافينَ عليكُم وقد رأيتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ يتوضَّأُ بفضلِها" [صحيح أبي داود للألباني]
والراجح أن ما شق التحرز منه فهو طاهر.
حكم المني:
الصحيح أن المني طاهر كما هو مذهب الشافعي وأحمد في المشهور عنه وأما كون عائشة تغسله تارة من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفركه تارة، فهذا لا يقتضي تنجيسه فإن الثوب يغسل من المخاط والبصاق والوسخ وهذا قاله غير واحد من الصحابة كسعد بن أبي وقاص وابن عباس وغيرهما.
بول ما يؤكل لحمه هل هو نجس ؟
بول ما يؤكل لحمه وروثه فإن أكثر السلف على أن ذلك ليس بنجس، وهو مذهب مالك وأحمد وغيرهما، والرسول صلى الله عليه وسلم قال في الإبل: اشربوا من ألبانها وأبوالها، فقد جاء في صحيح البخاري:" أنَّ نَاسًا اجْتَوَوْا في المَدِينَةِ، فأمَرَهُمُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَلْحَقُوا برَاعِيهِ - يَعْنِي الإبِلَ - فَيَشْرَبُوا مِن ألْبَانِهَا وأَبْوَالِهَا، فَلَحِقُوا برَاعِيهِ، فَشَرِبُوا مِن ألْبَانِهَا وأَبْوَالِهَا،"
سؤر البغل والحمار هل هو طاهر ؟
أكثر العلماء يجوزون التوضؤ به كمالك والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه
إذا بال الفأر في الفراش هل يصلي فيه ؟
غسله أحوط ويعفى عن يسيره في أحد قولي العلماء وهو إحدى الروايتين عن أحمد
ريش القنفذ هل هو نجس ؟
هو طاهر وإن وجد بعد موته عند جمهور العلماء، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد في ظاهر مذهبه.
حكم مس عورة المريض من قبل الطبيب ؟
لا حرج أن يمس الطبيب عورة الرجل للحاجة وينظر إليها
لكن من مس الفرج من دون حائل يعني مس اللحم فإنه ينتقض وضوؤه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أيما رجلٍ مسَّ فَرجَه فليتوضَّأْ ، و أيما امرأةٍ مسَّت فرجَها فلْتتوضَّأْ " [صحيح الجامع للألباني]
وهكذا الطبيبة إذا مست فرج المرأة للحاجة فإنه ينتقض وضوءها بذلك إذا كانت على طهارة كالرجل
الصراصير إذا سقطت في الماء هل ينجس ولا سيما وأنها تعيش في البالوعات والحمامات ؟
الأصل الطهارة ولا يعدل عنها إلا بوجود آثار النجاسة يقيناً في الماء بتغير طعمه أو لونه أو ريحه وهذه الصراصير يبتلى بها الناس في بيوتهم فلا ينبغي التشديد فيها ومن قواعد الشرع المطهر أن المشقة تجلب اليسر والأصل في هذا قوله تعالى:{ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ }[البقرة 185]
وبالله التوفيق
وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
1434/8/20 هـ