الدرس: الحادي والخمسون: الحديث 41 علامة الإيمان

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 3 ذو الحجة 1437هـ | عدد الزيارات: 1820 القسم: شرح كتاب الأربعين النووية -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

" عَنْ أَبِيْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللهِ بِنِ عمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : لاَيُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَواهُ تَبَعَاً لِمَا جِئْتُ بِهِ" حَدِيْثٌ حَسَنٌ صَحِيْحٌ رَوَيْنَاهُ فِي كِتَابِ الحُجَّةِ بِإِسْنَادٍ صَحِيْحٍ

راوي الحديث

عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب، أبو محمد القرشي السهمي

وأمه هي رائطة بنت الحجاج بنت منبه السهمية، وليس أبوه أكبر منه إلا بإحدى عشرة سنة أو نحوها

أسلم قبل أبيه، وله مناقب وفضائل ومقام راسخ في العلم والعمل، حمل عن النبي صلى الله عليه وسلم علما جما يبلغ ما أسند سبعمائة حديث اتفقا له على سبعة أحاديث ، وانفرد البخاري بثمانية، ومسلم بعشرين

أسلم عبد الله وهاجر بعد سنة سبع، وشهد بعض المغازي

قال أحمد بن حنبل: مات عبد الله ليالي الحرة سنة ثلاث وستين

وزوجته عمره بنت عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب

شهد مع أبيه صفين وكان يسكن مكة ثم خرج إلى الشام وأقام بها حيث شهد مع أبيه فتح الشام وكانت معه راية أبيه يوم اليرموك

حفظ عبد الله القرآن أولاً بأول وتدبر معانيه وكانت له عناية كبيرة بالحديث النبوي ولما كان يجيد القراءة والكتابة أباح له النبي صلى الله عليه وسلم كتابة الحديث قال أبو هريرة: ما كان أحد أكثر مني حديثاً إلا عبد الله فإنه كان يكتب ولم أكن أكتب جمع ما كتب في صحيفة سماها: الصحيفة الصادقة

هذا هو الإمام الحبر الزاهد العابد أحد العبادلة الفقهاء

الشرح

قوله صلى الله عليه وسلم (لاَ يُؤمِنُ أَحَدُكُمْ) يعني الإيمان الكامل

قوله صلى الله عليه وسلم (حَتَّى يَكُونَ هَواهُ) اتجاهه وقصده بما تحبه نفسه ويميل إليه قلبه، أي هذا الاتجاه نتيجة ما تحبه نفسه ويميل إليه قلبه يكون توجهه

قوله صلى الله عليه وسلم (تَبَعَاً لِمَا جِئْتُ بِهِ) أي من الشريعة بحيث يصبح إتباعه كالطبع له

فقوله (لما جئت به) ما أرسلني الله تعالى به من الشريعة الكاملة، بما فيها من أمر ونهي، نص عليها الكتاب المنزل أو وجهت إليها السنة المطهرة

وهذا الحديث كقوله سبحانه (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم) وسبب نزولها أن الزبير رضي اله عنه كان بينه وبين رجل من الأنصار خصومة في ماء فتحاكما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اسق يا زبير وسرح الماء إلى جارك يحضه بذلك إلى المسامحة والتيسير فقال الأنصاري إن كان ابن عمتك فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال يا زبير احبس الماء حتى يبلغ الجذر ثم سرحه. رواه البخاري

وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أشار على الزبير بما فيه مصلحة الأنصاري، فلما أحفظه الأنصاري بما قال أي أغضبه استوعب للزبير حقه الذي يجب له فنزلت هذه الآية

وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث آخر أنه قال (والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين) قال أبو الزناد هذا من جوامع الكلم لأنه قد جمع في هذه الألفاظ اليسيرة معاني كثيرة لأن أقسام المحبة ثلاثة محبة إجلال وعظمة كمحبة الوالد ومحبة شفقة ورحمة كمحبة الولد ومحبة استحسان ومشاكلة كمحبة سائر الناس

قال ابن بطال ومعنى الحديث: أن من استكمل الإيمان علم أن حق رسول الله صلى الله عليه وسلم وفضله آكد عليه من حق أبيه وابنه والناس أجمعين لأنه بالرسول صلى الله عليه وسلم استنقذه الله عز وجل من النار، وهداه من الضلال

والمراد بالحديث بذل النفس دونه صلى الله عليه وسلم

درجة الحديث

قال المؤلف الإمام النووي رحمه الله: حديث حسن صحيح رويناه في كتاب الحُجة بإسناد صحيح، وتعقّب ابن رجب رحمه الله هذا التصحيح من المؤلف وقال الحديث لا يصح، وابن رجب رحمه الله حافظ من حفّاظ الحديث، وهو إذا أعلّ الأحاديث التي ذكرها النووي رحمه الله يبيّن وجه العلة

فوائد الحديث

أولاً: من كان هواه ليس تبعاً لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم في كل الدين يكون مرتداً

ومن كان في بعض المسائل لا يكون هواه تبعاً فيحمل على نفي الكمال

ثانياً: هذا الحديث يدل على أن الهوى ينقسم إلى قسمين محمود وهو: ما كان تبعاً لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم. ومذموم وهو: ما خلف ذلك

ثالثاً: ما أعرض الكافرون عن المنهج القويم لعدم وضوح الحق، وإنما بدافع الهوى المتبع، قال تعالى (فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ) القصص: 50

رابعاً: الهوى المتبع إله يعبد من دون الله عز وجل، قال ابن عباس رضي الله عنه: الهوى إله يعبد في الأرض، ثم تلا (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ) الفرقان: 43

خامساً: اتباع الهوى ضعف لا يليق بالإنسان المكرم قال تعالى (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) وهذه المنحة التي كانت عنوان التكريم هي العقل الذي يُبصره بالخير ويغريه بفعله ويدرك به الشر الذي ينفره من اقترابه قال تعالى (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَاَ فأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) الشمس: 8- 9

سادساً: اتباع الهوى خسران وضلال قال تعالى (فَأَمَّا مَن طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى) النازعات: 37 – 39

سابعاً: المحبة الصحيحة تقتضي متابعة المحب لمن أحب، وموافقته فيما يحب ويكره، قولاً وفعلاً واعتقاداً، فمن أحب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم محبة صادقة أورثته تلك المحبة حباً لما يحبانه وكرهاً لما يكرهانه، ومن لوازم ذلك أن يعمل بجوارحه بمقتضى هذا الحب وذاك البغض، فيقف عند حدود شرع الله يمتثل أمره ويجتنب نهيه على أتم وجه، ليكون ذلك برهان المحبة ودليل الإيمان، قال تعالى (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ ) آل عمران: 31

تعصى الإله وأنت تزعم حبه *** هذا لعمري في القياس شنيع

لو كان حبك صادقاً لأطعته *** إن المحب لمن يحب مطيع

ثامناً: للإيمان أثر في النفوس، وطعم في القلوب، أطيب لدى المؤمنين من الماء العذب البارد على الظمأ، وأحلى من طعم العسل بعد طول مرارة المذاق، وهذه المحبة وذاك الطيب، لا يشعر بها ولا يجد لذتها إلا من استكمل إيمانه، وصدقت محبته لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وأثمرت في جوانب نفسه، فأصبح لا يحب إلا لله، ولا يبغض إلا لله، ولا يعطي إلا لله، ولا يمنع إلا لله، روى البخاري ومسلم: عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يرجع إلى الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار

تاسعاً: الاحتكام إلى شرع الله عز وجل والرضا بحكمه من لوازم الإيمان قال تعالى (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا) النساء: 65

عاشراً: وجوب تحكيم الشريعة في كل شيء، لقوله صلى الله عليه وسلم (لِمَا جِئتُ به) والنبي صلى الله عليه وسلم جاء بكل ما يصلح الخلق في معادهم ومعاشهم، قال تعالى: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ) فليس شيء يحتاج الناس إليه في أمور الدين أو الدنيا إلا بيّنه والحمد لله إما بياناً واضحاً يعرفه كل أحد، وإما بياناً خفياً يعرفه الراسخون في العلم

حادي عشر: أن الإيمان يزيد وينقص يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية كما هو مذهب أهل السنة والجماعة

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأزواجه وصحبه أجمعين

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

1437/12/10 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

2 + 1 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي