الدرس الحادي والعشرون: التورع عن الشبهات

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 19 محرم 1437هـ | عدد الزيارات: 2160 القسم: شرح كتاب الأربعين النووية -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الحَسَنِ بنِ عَلِيّ بنِ أبِي طالبٍ سِبْطِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَرَيْحَانَتِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: حَفِظْتَ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (دَعْ مَا يَرِيْبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيْبُكَ) رواه الترمذي والنسائي وقال الترمذي: حديث حسن صحيح

أهمية الحديث:

هذا الحديث من جوامع الكلم ومن الحكم النبوية البليغة، فهو بكلماته القليلة قعَّد قاعدة عظيمة في ديننا الإسلامي، وهي ترك الشبهات والتزام الحلال المتيقن، ولذا قال ابن حجر الهيتمي في نهاية شرحه له: هذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الدين، وأصل في الورع الذي عليه مدار المتقين، ومنج من ظلم الشكوك والأوهام المانعة من نور اليقين

الشرح

الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما سبط النبي صلى الله عليه وسلم، والسبط: هوابن البنت، وابن الابن يسمى: حفيداً، وقد وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه سيد فقال: (إِنَّ ابْنِي هذَا سَيِّدٌ، وَسَيُصْلِحُ اللهُ بهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِيْنَ) أخرجه البخاري وكان الأمر كذلك، فإنه بعد أن استشهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه وبويع بالخلافة للحسن تنازل عنها لمعاوية رضي الله عنه، فأصلح الله بهذا التنازل بين أصحاب معاوية وأصحاب علي رضي الله عنهما، وحصل بذلك خير كثير، وهو أفضل من أخيه الحسين رضي الله عنهما، لكن تعلقت الرافضة بالحسين لأن قصة قتله رضي الله عنه تثير الأحزان، فجعلوا ذلك وسيلة، ولو كانوا صادقين في احترام آل البيت لكانوا يتعلقون بالحسن أكثر من الحسين، لأنه أفضل منه، أما قوله: وَرَيحَانَتهُ فالريحانة هي الزهرة طيبة الرائحة، وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين بأنهما ريحانتاه.في حديث أخرجه البخاري ومسلم

قوله صلى الله عليه وسلم (دَعْ) أي اترك، (يرِيْبُكَ) بفتح الياء وضمها والفتح أفصح وأشهر ويجوز الضم يقال: رابني الشيء وأرابني، ومعناه: أترك ما شككت فيه واعدل إلى ما لا تشك فيه وهذا راجع إلى معنى حديث (الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات) وقد جاء في حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذراً لما به البأس) رواه الترمذي

فدع ما يريبك أي دع ما تشك فيه من الشبهات، والأمر للندب إلى ما لا يريبك إلى ما لا تشك فيه من الحلال البين (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) أترك ما يلحقك به ريب وشك وقلق إلى ما لا يريبك إلى أي شيءٍ لا يلحقك به ريبٌ وقلق

وهذا الحديث من جوامع الكلم كما أسلفت فما أجوده وأنفعه للعبد إذا سار عليه، فالعبد ترد عليه شكوك في أشياء كثيرة، فنقول دع ما فيه شك إلى ما لاشكّ فيه حتى تستريح وتسلم، أما إذا وصل إلى حد الوسواس فلا تلتفت له

ومثال الشك في العبادات: رجل انتقض وضوؤه، ثم صلى، وبعد الصلاة شكّ هل توضّأ بعد نقض الوضوء أم لا

فنقول له: توضأ وصل مرة ثانية فإن الأصل عدم الطهارة لأنك متيقن من انتقاض الوضوء والشك عندك في إعادة الوضوء

وعكس المثال السابق

رجل متوضئ ثم شك هل طرأ على هذا الوضوء حدث

فنقول له: أترك الشك والأصل الطهارة

مثال آخر: رجل صلى وبعد السلام شك هل صلاته كاملة

نقوله له: الأصل تمام الصلاة ولا تلتفت للشكوك بعد السلام

مثال على الشك في النكاح: شكّ إنسان في شاهدي النكاح هل هما ذوا عدل أم لا؟

فنقول: إذا كان الأمر قد تم وانتهى فقد انتهى على الصحة لأن الأصل في العقود الصحة حتى يقوم دليل على الفساد

مثال على الشك في الرضاع

شكت المرضعة هل أرضعت الطفل خمس مرات أو أربع مرات

فنقول: الذي لاريب فيه الأربع،فدع الخامسة واقتصر على أربع، وحينئذ لا يثبت حكم الرضاع لأنه لا بد من خمس رضعات والقول قول المرضعة لا قول غيرها

مثال على النجاسات

رجل أصاب ثوبه نجاسة وغسلها، وشكّ هل النجاسة زالت أم لا

الجواب: يغسلها ثانية حتى يتيقن زوالها أو يغلب على ظنه زوالها لآن الأصل زوالها أما من رأى نجاسة بعد الصلاة في ثوبه فلا ينظر إليها

ومثله في الطواف شك هل طاف بالبيت ستة أشواط أم سبعة

الأصل هو الأقل فيبني على اليقين وهو الأقل ستة ويأتي بسابع

ومثله رمي الجمار شك هل رمى ست أم سبع

نقول الأصل ست وارمي سابعة

فقه الحديث:

أولاً: ترك الشبهات: إن ترك الشبهات في العبادات والمعاملات والمناكحات وسائر أبواب الأحكام، والتزام الحلال في كل ذلك، يؤدي بالمسلم إلى الورع، وهو عميم النفع في قطع وساوس الشيطان، كثير الفائدة عظيم الجدوى في الدنيا والآخرة، وقد سبق في الحديث السادس أن من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، وإن الحلال المتيقن لا يحصل في قلب المؤمن منه شك بل تطمئن النفس إليه وتجد السعادة في الحصول عليه، أما الشبهات فيرضى بها الإنسان ظاهراً، ولو اكتشفنا ما في قلبه لوجدنا القلق والاضطراب والشك، ويكفيه هذا العذاب النفسي خسارة معنوية، والخسارة الكبرى والهلاك الأعظم أن يعتاد الشبهات ثم يجترئ على الحرام؛ لأن من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه

ثانياً: إذا تعارض الشك مع اليقين، أخذنا باليقين والقاعدة الفقهية (اليقين لا يزول بالشك) لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم:" إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه أخرج أم لا، فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً".

ثالثاً: الصدق طمأنينة والكذب ريبة قال ذلك النبي صلى الله عليه وسلم توجيه منه إلى تحري القول الصادق الفصل، عندما يحتاج الإنسان إلى جواب سؤال أو فتوى مسألة، وعلامة الصدق أن يطمئن به القلب، وعلامة الكذب أن تحصل به الشكوك فلا يسكن القلب له بل ينفر منه

رابعاً: يرشدنا الحديث إلى أن نبني أحكامنا وأمور حياتنا على اليقين

خامساً: الحلال والحق والصدق طمأنينة ورضا والحرام والباطل والكذب ريبة ونفور

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1437/19/1 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

2 + 4 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر