الدرس الحادي والثلاثون: الحديث 21 الاستقامة والإيمان

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 8 ربيع الثاني 1437هـ | عدد الزيارات: 2011 القسم: شرح كتاب الأربعين النووية -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

" عَنِ أَبيْ عَمْرٍو، وَقِيْلَ، أَبيْ عمْرَةَ سُفْيَانَ بنِ عَبْدِ اللهِ الثقفي رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ يَارَسُوْلَ اللهِ قُلْ لِيْ فِي الإِسْلامِ قَوْلاً لاَ أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدَاً غَيْرَكَ؟ قَالَ: قُلْ آمَنْتُ باللهِ ثُمَّ استَقِمْ " رواه مسلم

أهمية الحديث:

هذا الحديث من بديع جوامع الكلم التي اختص بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مع اختصاره قد جمع أصول الإسلام للسائل في كلمتين: الإيمان ، والاستقامة، ومن المعلوم أن الإسلام توحيد وطاعة ، فالتوحيد حاصل بآمنت بالله ، والطاعة حاصلة بالاستقامة ، إذ هي امتثال كل مأمور واجتناب كل محظور قال تعالى: فاستقيموا إليه واستغفروه.

شرح الحديث:

قوله (قل لي في الإسلام) أي في شريعته

قوله ( قولاً لا أسأل عنه أحدا غيرك) أي قولاً جامعاً لمعاني الدين ، واضحاً لا يحتاج إلى تفسير غيرك يكون حداً فاصلاً أعمل عليه وأتقي به

فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم كلمتين (آمَنْتُ بِاللهِ) ومحل الإيمان القلب جدد إيمانك بالله متذكراً بقلبك ذاكراً بلسانك فقوله صلى الله عليه وسلم (قُلْ آمَنْتُ) يشمل قول اللسان آمنت وقول القلب قال أهل العلم هو إقراره واعترافه

فقوله صلى الله عليه وسلم (آمَنْتُ باللهِ) أي أقررت به على حسب ما يجب علي من الإيمان بوحدانيته في الربوبية والألوهية والأسماء والصفات

قوله صلى الله عليه وسلم (ثمَّ استَقِم) أي سر على صراط مستقيم، فلا تخرج عن الشريعة لا يميناً ولا شمالاً داومْ واثبت على عمل الطاعات ، والانتهاء عن جميع المخالفات، والاستقامة لا تأتي مع شئ من الروغان والاعوجاج، وهذا كقوله (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا) الآية، أي آمنوا بالله وحده، ثم استقاموا على الطاعة إلى أن توفاهم الله عليها، وكذلك قوله سبحانه (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ) [هود الآية: 112]، قال الأستاذ أبو القاسم القشيرى رحمه الله تعالى: الاستقامة درجة بها كمال الأمور وتمامها، وبوجودها حصول الخيرات، ومن لم يكن مستقيماً في حال سعيه ضاع سعيه، قال: وقيل الاستقامة لا يطيقها إلا الأكابر، لأنها خروج عن المعهودات، ومفارقة العادات، والقيام بين يدي الله تعالى على حقيقة الصدق، ولذلك قال النبى صلى الله عليه وسلم (استقيموا ولن تحصوا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن) رواه أحمد

فالإيمان بالله يتضمن الإخلاص له في العبادة، والاستقامة تتضمن التمشي على شريعته عزّ وجل، فيكون جامعاً لشرطي العبادة وهما الإخلاص والمتابعة

فوائد الحديث

أولاً: حرص الصحابة رضي الله عنهم على العلم، وذلك لما يرد على النبي صلى الله عليه وسلم منهم من الأسئلة

ثانياً: عقل أبي عمرو أو أبي عمرة رضي الله عنه حيث سأل هذا السؤال العظيم الذي فيه النهاية، ويستغني عن سؤال أي أحد

ثالثاً: أن الإنسان ينبغي له أن يسأل عن العلم السؤال الجامع المانع حتى لا تشتبه عليه العلوم وتختلط، لقوله (قَولاً لا أَسأَلُ عَنهُ أَحَدَاً غَيْرَك)، أي غيره من الصحابة ممَنْ يفوقه في العلم، وهذا وارد، وتقال كلمته من أجل أن يهتم المسؤول بالجواب

رابعاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطي جوامع الكلم حيث جمع كل الدين في كلمتين (آمَنتُ بِاللهِ، ثُمَّ استَقِم) ويشهد له قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) وقوله تبارك وتعالى (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) وقوله تعالى (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا) والآيات في هذا المعنى كثيرة

خامساً: التعبير بكلمة الاستقامة دون التعبير المشهور عند الناس الآن بكلمة الالتزام، فإن الناس اليوم إذا أرادوا أن يثنوا على شخص بالتمسك بالدين قالوا: فلان ملتزم، والصواب أن يقال: فلان مستقيم كما جاء في القرآن والسنة

سادساً: لا يعتبر مستقيم من قصر في الواجبات بل يعتبر عنده انحراف، والانحراف تكون شدته بقدر ما ترك من الواجبات أو فعل من المحرمات

سابعاً: أنه ينبغي للإنسان أن يتفقد نفسه دائماً هل هو مستقيم أو غير مستقيم فإن كان مستقيماً حمد الله وأثنى عليه وسأل الله الثبات، وإن كان غير مستقيم وجب عليه الاستقامة وأن يعدل سيره إلى الله عزّ وجل فمن أخر الصلاة عن وقتها فهو غير مستقيم، لأنه أضاع الصلاة ومن منع الزكاة فهو غير مستقيم لأنه أضاع الزكاة ورجل يعتدي على الناس في أعراضهم فغير مستقيم، لفعل المحرم ومن يغش الناس ويخادعهم في البيع والشراء والإجارة والتأجير وغير ذلك فهذا غير مستقيم، فالاستقامة وصف عام شامل لجميع الأعمال

ثامناً: قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه في تفسير (ثم استقاموا) قال: لم يشركوا بالله شيئاً وعنه قال: لم يلتفتوا إلى إله غيره وعنه قال: ثم استقاموا على أن الله ربهم

وروي عن عمر بن الخطاب أنه قرأ هذه الآية على المنبر (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا) فقال: استقاموا على طاعته لم يروغوا روغان الثعلب

وقال ابن رجب: الاستقامة هي سلوك الصراط المستقيم ، وهو الدين القويم من غير تعويج عنه يمنة ولا يسرة ، ويشمل ذلك فعل الطاعات كلها الظاهرة والباطنة ، وترك المنهيات كلها كذلك ، فصارت هذه الوصية جامعة لخصال الخير كلها

تاسعاً: أصل الاستقامة استقامة القلب على التوحيد ، ومتى استقام القلب على معرفة الله وعلى خشيته ، وإجلاله ومهابته ومحبته ، وإرادته ورجائه ودعائه ، والتوكل عليه والإعراض عما سواه ، استقامت الجوارح كلها على طاعته ، لأن القلب هو ملك الأعضاء وهي جنوده ، فإذا استقام الملك استقامت جنوده ورعاياه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب".

عاشراً: أعظم ما يراعى استقامة بعد القلب من الجوارح اللسان ، فإنه ترجمان القلب والمعبِّر عنه لما ورد في رواية الترمذي (قلت : يا رسول الله ما أخوف ما يخاف علي ؟ فأخذ بلسان نفسه) ثم قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح وما رواه الإمام أحمد في مسنده عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه".

الحادي عشر: أن الاستقامة ثبات وانتصار ، ورجولة وفوز ، في معركة الطاعات والأهواء والرغبات ، ولذلك استحق الذين استقاموا أن تتنزل عليهم الملائكة عند الاحتضار، ليطردوا عنهم الخوف والحزن ، وليبشروهم بالجنة ، وليعلنوا وقوفهم إلى جانبهم، قال تعالى:" إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ . نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ . نُزُلا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ"

الثاني عشر: ومما يدل على أهمية الاستقامة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها ، قال الله تعالى: فاستقم كما أُمرت

الثالث عشر: حرص الصحابة على المحافظة على تعلّم دينهم والمحافظة على إيمانهم

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1437/4/8 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 2 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر