الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد
عنيت الشريعة عناية فائقة بحماية الأعراض وحفظها عما يدنسها ويشينها فأمر الشرع الإنسان أن يحافظ على عرضه وأن يتجنب الأسباب المؤدية إلى ما يخدشه كما حذر من الوقوع في أعراض الآخرين بغير حق فقال تعالى:" والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً "( الأحزاب آية 58)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه" رواه مسلم.
والتعدي على أعراض الآخرين بالقذف من كبائر الذنوب فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أتدرون ما المفلس؟" قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال :" إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار" رواه مسلم
فالقذف في اللغة هو الرمي بشدة
وفي الشرع هو الرمي بالزنا أو اللواط.
وحكمه:
القذف محرم وهو من كبائر الذنوب وقد دل على تحريمه الكتاب والسنة والإجماع، فمن الكتاب قوله تعالى:" إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والأخرة ولهم عذاب عظيم" (النور آية 23)، ومن السنة: حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقاتِ، " وذكر منها: "وقَذْفُ المُحْصَناتِ المُؤْمِناتِ الغافِلاتِ. " صحيح البخاري، وقد أجمعت الأمة على تحريمه.
ألفاظه:
ألفاظ القذف قسمان:
القسم الأول: ألفاظ صريحة : لا تحتمل سوى القذف مثل : يا زانية ، أنتَ لو طي ، فمن تلفظ بها أقيم عليه الحد ولا يقبل منه تفسيرها بغير القذف
القسم الثاني : ألفاظ كناية : تحتمل القذف وغيره مثل يا فاجر ، أنت خبيثة ، فهذه الألفاظ إن أراد بها القذف أقيم عليه الحد وإن فسرها بغير القذف لم يقم عليه الحد؛ لأن لفظه محتمل والحدود تدرأ بالشبهات، ولكنه يعزر لإساءته إلى المخاطب
وألفاظ الكناية تختلف باختلاف البلدان والأعراف لأن المعتبر في ألفاظ الكناية هو المعنى الدال على القذف لا مجرد اللفظ.
شروط القذف:
شروط القذف منها ما يتعلق بالقاذف ومنها ما يتعلق بالمقذوف
فالقاذف يشترط فيه أن يكون مكلفاً مختاراً عالماً بالتحريم
والمقذوف يشترط فيه أن يكون محصناً
والمحصن في باب القذف هو
المسلم الحر العاقل العفيف الذي يستطيع الجماع (بألا يكون صغيراً ولا عاجزاً) والمحصن في باب القذف غير المحصن في باب الزنا
حد القذف
حد القاذف ثمانون جلدة لقوله تعالى :" والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون" (النور آية 4)
فيترتب على القذف عقوبتان:
الأولى: العقوبة في الدنيا وهي جلد القاذف ورد شهادته والحكم بفسقه إلا أن يتوب
الثانية: العقوبة في الآخرة وهي العذاب العظيم قال تعالى: " إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم* يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون* يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين" (النور آية 23-25)
الحكمة من مشروعية حد القذف:
شرع الله تعالى العقوبة للقاذف لحكم عظيمة منها
أولاً" حماية أعراض المسلمين عن التدنيس
ثانياً: كف الألسن عن هذه الألفاظ القذرة التي تلطخ أعراض الأبرياء
ثالثاً: حفظ المجتمع المسلم عن شيوع الفاحشة فيه
رابعاً: مصلحة للقاذف نفسه بتطهيره بهذا الحد ومنعه في المستقبل من الوقوع في أعراض الناس
شروط إقامة حد القذف:
يشترط لإقامة الحد على القاذف عدة شروط :
الأول: أن يكون القاذف بالغاً عاقلاً مختاراً
الثاني: أن يكون المقذوف محصناً والمحصن في باب القذف هو : المسلم الحر العاقل العفيف الذي يستطيع الجماع
فلو اختل واحد من هذه الأوصاف الخمسة في المقذوف فلا حد على القاذف وإنما فيه التعزير
الثالث: مطالبة المقذوف لأنه حقه فلا يستوفى قبل طلبه.
الرابع: ألا يقر المقذوف بما رمي به ولا يأتي القاذف ببينه على ذلك.
الخامس: ثبوت القذف بإقرار القاذف أو بشهادة عدلين على أنه نطق به.
القذف بغير الزنا:
من قذف أحداً بغير الزنا واللواط وهو كاذب فقد ارتكب محرماً كأن يرميه بالكفر أو النفاق أو شرب المسكر أو الدياثة أو أكل الربا أو الخيانة أو نحو ذلك مما فيه إيذاء لكن لا يقام عليه الحد لأنه غير قاذف شرعاً وإنما عليه التعزير فيؤدبه الحاكم بما يراه مناسباً كفاً له عن أذى الأبرياء
وبالله التوفيق
وصلِّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
5/7 / 1434 هـ