الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
قول المصنف: "قول الله تعالى:" إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ " (آل عمران 175) .
مناسبة الباب لما قبله :
أعقب المصنف، رحمه الله ، باب المحبة بباب الخوف ؛ لأن العبادة ترتكز على شيئين: المحبة، والخوف ، فبالمحبة يكون امتثال الأمر، وبالخوف يكون اجتناب النهي وإن كان تارك المعصية يطلب الوصول إلى الله، ولكن هذا من لازم ترك المعصية، وليس هو الأساس ، فلو سألت من لا يزني لماذا لقال: خوفا من الله ولو سألت الذي يصلي لقال: طمعا في ثواب الله ومحبة له ، وكل منهما ملازم للآخر فالخائف والمطيع يريدان النجاة من عذاب الله والوصول إلى رحمته ، وهل الأفضل للإنسان أن يٌغلب جانب الخوف، أو يٌغلب جانب الرجاء ، في فعل الطاعة يغلب جانب الرجاء فالذي من عليه بفعل هذه الطاعة سيمن عليه بالقبول، ولهذا قال بعض السلف: إذا وفقك الله للدعاء; فانتظر الإجابة، لأن الله يقول:" وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ " (غافر 60 )، وفي فعل المعصية يغلب جانب الخوف لأجل أن يمنعه منها ثم إذا خاف من العقوبة تاب وفي حال المرض يغلب جانب الرجاء، وفي حال الصحة يغلب جانب الخوف ، وقال الإمام أحمد: ينبغي أن يكون خوفه ورجاؤه واحدا فأيهما غلب هلك صاحبه أي: يجعلهما كجناحي الطائر، والجناحان للطائر إذا لم يكونا متساويين سقط ، وخوف الله تعالى درجات؛ فمن الناس من يغلو في خوفه، ومنهم من يفرط، ومنهم من يعتدل في خوفه ، والخوف العدل هو الذي يرد عن محارم الله فقط، وإن زدت على هذا فإنه يوصلك إلى اليأس من روح الله ، ومن الناس من يفرط في خوفه بحيث لا يردعه عما نهى الله عنه.
والخوف ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول: الخوف من الله، وهو أوجبها وأعظمها، والواجب الإخلاص لله وحده، وصرفه لغير الله شرك، فمن خاف غير الله من الأصنام أو الأوثان يعتقد فيها أنها تتصرف ويخاف شرها، فهذا شرك أكبر ، وكخوف عباد القبور، وعبَّاد الأصنام منها ، فهذا الخوف يجب إخلاصه لله، والحذر من صرفه لغيره.
القسم الثاني:الخوف من المخلوقين خوفا يحمل على فعل معصية أو ترك واجب، فالخوف الذي على هذا الوجه لا يجوز، وفيه نزل قوله تعالى:"فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ" (آل عمران 175)، كونه يحمله الخوف من المخلوقين على عدم الجهاد أو فعل محرم ، يجب عليه أن يخاف الله.
القسم الثالث: الخوف الطبيعي ، وهو خوف عادي لا يحمله على فعل محرم، ولا على ترك واجب، كخوفه من الحية والعقرب، وكخوفه من اللصوص والسباع، والمرض فيتخذ أسباب الوقاية من ذلك فيغلق بابه ويأخذ سلاحه، ويتعاطى الأدوية، وما أشبه ذلك، كل هذا لا بأس به ، وهذا خوف جائز لا محظور فيه،
قوله تعالى:" إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ "
قوله تعالى "إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ " أي الذي حصل من المشركين من التهديد إنما هو من الشيطان ، وهو إبليس الذي هو رأس الكفر ، قوله :" يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ " أي يخوفكم أيها المسلمون بأوليائه من الكفار
قوله "فلا تخافوهم": لا ناهية، والهاء ضمير يعود على أولياء الشيطان، وهذا النهي للتحريم أي: بل امضوا فيما أمرتكم به وفيما أوجبته عليكم من الجهاد، ولا تخافوا هؤلاء، وإذا كان الله مع الإنسان، فإنه لا يغلبه أحد، لكن نحتاج إلى صدق النية والإخلاص والتوكل التام، ولهذا قال تعالى:إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ، وعلم من هذه الآية أن للشيطان وساوس يلقيها في قلب ابن آدم منها التخويف من أعدائه، وهذا ما وقع فيه كثير من الناس، وهو الخوف من أعداء الله فكانوا فريسة لهم، وإلا لو اتكلوا على الله وخافوه قبل كل شيء لخافهم الناس.
وبالله التوفيق
وصلِّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
1434/4/14هـ