الدرس 109 باب قول الله تعالى وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ 3

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 13 ربيع الثاني 1434هـ | عدد الزيارات: 1927 القسم: شرح وتحقيق كتاب التوحيد -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله ربِّ العالمينَ والصلاةُ والسَّلامُ على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعدُ :

قوله " ولهما عنه قال : قال رسـول الله صلى الله عليه وسلم " ثـلاث مـن كن فيــه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النار "

الحديث في البخاري بلفظ "ثَلَاثٌ مَن كُنَّ فيه وجَدَ حَلَاوَةَ الإيمَانِ: مَنْ كَانَ اللَّهُ ورَسولُهُ أحَبَّ إلَيْهِ ممَّا سِوَاهُمَا، وأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلَّا لِلَّهِ، وأَنْ يَكْرَهَ أنْ يَعُودَ في الكُفْرِ كما يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ في النَّارِ." وفي مسلم "ثَلَاثٌ مَن كُنَّ فيه وجَدَ بهن حَلَاوَةَ الإيمَانِ: مَنْ كَانَ اللَّهُ ورَسولُهُ أحَبَّ إلَيْهِ ممَّا سِوَاهُمَا، وأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلَّا لِلَّهِ، وأَنْ يَكْرَهَ أنْ يَعُودَ في الكُفْرِ بعد أن أنقذه الله منه كما يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ في النَّارِ."

قوله "ولهما "أي البخاري ومسلم : " ثَلاثٌ من كن فيه " : أي ثلاث خصال، و "كُنَّ" بمعنى وجدن ، فبسببهن وجد حلاوة الإيمان ، وحلاوة الإيمان ما يجده الإنسان في نفسه وقلبه من الطمأنينة والراحة والانشراح، وليست مدركة باللعاب والفم فالمقصود بالحلاوة هنا الحلاوة القلبية لا الحلاوة الحسية ، فالحديث تضمن ثلاث خصال :

الخصلة الأولى من الخصال الواردة في الحديث أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، أي: أحب إليه من الدنيا كلها، ونفسه، وولده، ووالده، وزوجه، وكل شيء سواهما، وجاء الحديث بالواو " الله ورسوله " لأن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم من محبة الله، ولهذا جعل قول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله ركنا واحدا ؛ لأن الإخلاص لا يتم إلا بالمتابعة التي جاءت عن طريق النبي صلى الله عليه وسلم .
الخصلة الثانية : أن يحب المرء لا يحبه إلا لله ،و المرء يشمل الرجل والمرأة أي لا يحب المرء إلا من أجل الله لأنه قائم بطاعة الله عز وجل وحب الإنسان للمرء له أسباب كثيرة يحبه للدنيا، ويحبه للقرابة، ويحبه للزمالة، ويحب المرء زوجته للاستمتاع، ويحب من أحسن إليه، لكن إذا أحببت هذا المرء لله فإن ذلك من أسباب وجود حلاوة الإيمان .
الخصلة الثالثة: أن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار ، هذه الصورة في كافر أسلم فهو يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النار، وإنما ذكر هذه الصورة لأن الكافر يألف ما كان عليه أولا فربما يرجع إليه، بخلاف من لا يعرف الكفر أصلا ، فإن هذا من أسباب وجود حلاوة الإيمان.

قوله :" وفي رواية " لا يجدُ أحدٌ حلاوةَ الإيمانِ حتَّى.." إلى آخره " أي لا يجد أحد طعم الإيمان

قول المصنف " وعن ابن عباس، قال : من أحب في الله، وأبغض في الله، ووالى في الله، وعادى في الله فإنما تنال ولاية الله بذلك، ولن يجد عبد طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك، وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا وذلك لا يجدي على أهله شيئا رواه ابن جرير "

الحديث فيه الليث بن أبي سليم قال عنه ابن حجر في: (تقريب التهذيب) (2/ 48): صدوق اختلط جدا ولم يتميز حديثه.

ومعنى الحديث: أن الإنسان لا يجد طعم الإيمان وحلاوته ولذته؛ حتى يكون كذلك، ولو كثرت صلاته وصومه، وكيف يستطيع عاقل فضلا عن مؤمن أن يوالي أعداء الله، فيرى أعداء الله يشركون به، ويكفرون به، ويصفونه بالنقائص والعيوب، ثم يواليهم ويحبهم؟! فهذا لو صلى وقام الليل كله، وصام الدهر كله فإنه لا يمكن أن ينال طعم الإيمان، فلا بد أن يكون قلبك مملوء بمحبة الله وموالاته، ويكون مملوءا ببغض أعداء الله ومعاداتهم.

قوله :" وقال ابن عباس في قوله تعالى :" وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ "(البقرة 166) قال : المودة " ذكره ابن جرير في تفسيره ونسبه أيضا إلى مجاهد ، والأسباب : جمع سبب ، وهو كل ما يتوصل به إلى الشيء ، وفي اصطلاح الأصوليين ما يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم ، ولا شك أن تقطع الأسباب هي نهاية من عبد غير الله يوم القيامة ، فعبدةُ غير الله في الدنيا يحبون ما عبدوه ، كما قال تعالى :" وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ " (البقرة 165) ، وكذلك التابعون في الدنيا يحبون المتبوعين على الضلالة ، فتوجد محبة بين الكفار بعضهم مع بعض ، فدلت هذه الآية على أن المحبة التي لغير الله تزول يوم القيامة ، وتنقلب عداوة.

قوله :"فيه مسائل"

الأولى : تفسير آية البقرة ، وهي قوله تعالى:" وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ" (البقرة 165)

"الثانية :تفسير آية (براءة) "، وهي قوله تعالى :"قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ" (التوبة 24)

"الثالثة : وجوب محبته صلى الله عليه وسلم على النفس والأهل والمال " ، تؤخذ من قوله تعالى :" قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ" .

الرابعة : أن نفي الإيمان لا يدل على الخروج من الإسلام ، بل يراد به نفي الكمال الواجب مثل قوله صلى الله عليه وسلم " لا صَلاةَ بحَضرةِ الطَّعامِ " رواه مسلم

الخامسة : أن للإيمان حلاوةً قد يجدها الإنسانُ وقد لا يجدُها ، تؤخذ من قوله " ثَلَاثٌ مَن كُنَّ فيه وجَدَ بهن حَلَاوَةَ الإيمَانِ ".

السادسة : أعمالُ القلب الأربعة التي لا تُنال ولايةُ الله إلا بها ولا يجد أحدٌ طعمَ الإيمان إلا بها ، وهي : الحب في الله ، والبغض في الله ، والولاء في الله ، والعداء في الله.

السابعة : فَهْمُ الصحابي للواقع أنَّ عامةَ المؤاخاة على أمر الدنيا ، الصحابي يعني به عبد الله بن عباس ، رضي الله عنهما ، وقوله " إنَّ عامة المؤاخاة على أمر الدنيا " هذا في زمنه فكيف بزمننا!.

الثامنة : تفسير "وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ "، فسرها ابنُ عبَّاس بالمودةِ ، وتفسيرُ الصحابي إذا كانت الآية من صيغ العموم تفسير بالمثال ؛ لأن العبرة في نصوص الكتاب والسنة بعموماتها.

التاسعة : أن من المشركين من يحب الله حبا شديدا ، تؤخذ من قوله تعالى :"وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ" (البقرة 165) ، والمعنى أنهم أشركوا في حبهم لله غيرَه فأحبوا أصنامهم كحبهم لله ، وهذا شرك في المحبة .

العاشرة : الوعيد على من كان الثمانية أحبَّ إليه من دينه ، الثمانية هي مذكورة في قوله تعالى "قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا "

الحادية عشرة : أن من اتخذ ندَّا تساوي محبته محبةَ الله فهو الشرك الأكبر ، لقوله تعالى "يحبُّونَهم كَحُبِّ اللهِ "

وبالله التوفيق.

وصلِّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

1434/4/14هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

1 + 1 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 106 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة لحكام المسلمين وشعوبهم - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 105 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة حول بعض كبائر الذنوب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 104 ‌‌ الجزء الثالث حكم الإسلام فيمن أنكر تعدد الزوجات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 103 الجزء الثالث ‌‌الأدلة الكاشفة لأخطاء بعض الكتاب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 102 الجزء الثالث : ليس الجهادللدفاع فقط - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 101 الجزء الثالث ‌‌حكم من مات من أطفال المشركين - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر