ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮﻗﻊ

تفسير سورة الكهف

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 3 ربيع الثاني 1443هـ | عدد الزيارات: 966 القسم: تفسير القرآن الكريم -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

سورة الكهف وعدد آياتها 110 وهي مكية

عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" مَنْ حفظ عشْرَ آياتٍ من أوَّلِ سُورَةِ الكهفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ "أخرجه مسلم في صحيحه.
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1)

الثناء بصفات الكمال والجلال، وبالنعم الظاهرة والباطنة لله وحده، الذي تفضَّل فأنزل على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم القرآن، الذي لا ميل فيه عن الحق.

قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2)

مستقيمًا، لا اختلاف فيه ولا تناقض؛ ليُخَوِّفَ الكافرين من عذاب شديد من عنده، ويبشر المصدقين الذين يعملون الأعمال الصالحات، بأن لهم ثوابًا حسنا لا يدانيه ثواب.

مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (3)، خالدين في هذا النعيم الذي لا ينقطع عنهم.

وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4)أي ويخوِّف اليهود والنصارى والمشركين الذين قالوا هذه المقالة الشنيعة.

مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلا كَذِبًا (5)

ليس عند هؤلاء الأفاكين شيء من العلم على ما يَدَّعونه لله من اتخاذ الولد، كما لم يكن عند أسلافهم الذين قلَّدوهم، عظمت هذه المقالة التي تخرج من أفواههم، ما يقولون إلا قولا كاذبًا لا سند له.

فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6).

يسلي الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لحزنه وغضبه على المشركين في تركهم الإيمان وإعراضهم عنه قائلا له :فلعلك - أيها الرسول- مُهْلِكٌ نفسَكَ غمًّا ، إذْ لم يصدِّقوا بهذا القرآن ويعملوا به.فلا تذهب نفسُكَ عليهم حسرات.

إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا (7)

جعلنا تلك الدنيا دارًا فانية مزينة بزينة زائلة؛ لنختبرهم: أيُّهم أفضل عملًا بطاعتنا، فنجازيهم على ذلك.

وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا (8).

وإنَّا لمُصَيِّرونَ ما على الأرض من تلك الزينة عند انقضاء الدنيا أرضًا، لا نبات فيها ولا نفع.

أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (9).

أتظن يا محمد أنَّ قصة أصحاب الكهف، وهو الغار في الجبل الذي لجأ إليه الفتية المذكورون والرقيم وهو اللوح الذي سجلت فيه أسماؤهم عجبًا؟، بل خلق السموات والأرض أعجب من ذلك.

إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10)

اذكر - أيها الرسول- حين لجأ الشبَّان المؤمنون إلى الكهف؛ خشية من فتنة قومهم لهم، وإرغامهم على ترك التوحيد ، فدعوا الله حين دخولهم الكهف : ربنا أعطنا مِن عندك رحمة، تثبتنا بها، وتحفظنا من الشر، ويسِّر لنا الطريق الصواب الذي يوصلنا إلى العمل الذي تحب، فتكون عاقبتنا رشدًا.

فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11).

فألقينا عليهم النوم العميق، بحيث لا يحسون بشيء مما حولهم ، فبقوا في الكهف سنين كثيرة.

ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (12)

ثم أيقظناهم مِن نومهم؛ لنُظهر للناس ما علمناه في الأزل؛ فتتميَّز أي الطائفتين المتنازعتين في مدة لبثهم أضبط في الإحصاء.

نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13)

نحن يا محمد نقص عليك خبر هؤلاء بالصدق واليقين الذي لا شك فيه إِنَّهُمْ شبابٌ صدقوا بربهم، وزدناهم بصيرة بدينهم.

وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (14).

ثبتناهم على الإيمان، حين قاموا بين يدي الملك الكافر معلنين إيمانَهم بالله وحده، فقالوا: ربنا الذي نعبده هو رب السموات والأرض، لن نعبد غيره لو قلنا غير هذا لكُنَّا قد قلنا قولا باطلًا بعيدًا عن الحق.

هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ( 15 )

ثم قال بعضهم لبعض: هؤلاء قومنا اتخذوا لهم آلهة غير الله، فهلا أتَوْا على عبادتهم لها بدليل واضح، فلا أحد أشد ظلمًا ممن اختلق على الله الكذب .

وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا (16)

وحين فارقتم قومكم بدينكم، وتركتم ما يعبدون من الآلهة إلا عبادة الله، فالجؤوا إلى الكهف في الجبل لعبادة ربكم وحده، يَبْسطْ لكم ربكم من رحمته ما يستركم به في الدارين، ويهيئ لكم بدلا من أمركم الصعب. أمرا آخر فيه اليسر والنفع.

وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا(17)

فلما فعلوا ذلك ألقى الله عليهم النوم وحَفِظهم. "وَتَرَى الشَّمْسَ" لو قدر لك أيها المخاطب فرأيت الكهف ترى الشمس إذا طلعت من المشرق تميل عن مكانهم إلى جهة اليمين، وإذا غربت تتركهم إلى جهة اليسار، وهم في متسع من الكهف، فلا تؤذيهم حرارة الشمس ولا ينقطع عنهم الهواء، ذلك الذي فعلناه بهؤلاء الشباب من دلائل قدرة الله، فمن يوفقه الله فهو الموفَّق إلى الحق، ومن لم يوفقه فلن تجد له معينًا يرشده لإصابة الحق.

وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18)

وتظنهم - أيها المخاطب لو قدر لك أن تراهم - أيقاظا منتبهين لانفتاح أعينهم وهم في الواقع نيامٌ، ونتعهدهم بالرعاية، فنُقَلِّبهم حال نومهم مرة للجنب الأيمن ومرة للجنب الأيسر؛ لئلا تأكل أجسادهم الأرض، وكلبهم الذي صاحَبهم مادٌّ ذراعيه بباب الكهف حتى لكأنه يحرسهم ويمنع من الوصول إليهم .، فلو عاينتهم لأدبرت منهم هاربًا، ولَمُلِئَتْ نفسك منهم فزعًا.

وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19)

وكما أنمناهم وحفظناهم هذه المدة الطويلة أيقظناهم مِن نومهم على هيئتهم دون تغيُّر؛ لكي يسأل بعضهم بعضًا: كم من الوقت مكثنا نائمين هنا؟ فقال بعضهم: مكثنا يوما أو بعض يوم، وقال آخرون التبس عليهم الأمر: فَوِّضوا عِلْم ذلك لله، فربكم أعلم بالوقت الذي مكثتموه، فأرسِلوا أحدكم بنقودكم الفضية هذه إلى المدينة التي خرجتم منها ،وليتخير أى أطعمتها أحل وأطهر وأجود وأكثر بركة فليأتكم بقوت منه، وليتلطف في شرائه مع البائع حتى لا ننكشف، ويظهر أمرنا، ولا يُعْلِمَنَّ بكم أحدًا من الناس.

إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (20)

إن قومكم إن علموا بمكانكم يرجموكم بالحجارة، أو يردوكم إلى دينهم جبرًا، فتصيروا كفارًا، ولن تفوزوا بمطلبكم مِن دخول الجنة - إن فعلتم ذلك.

وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا (21)

وكما أنمناهم ثم أيقظناهم بعد سنين طويلة، أطْلَعنا عليهم أهل ذلك الزمان، بعد أن كشف البائع نوع الدراهم التي جاء بها مبعوثُهم؛ ليعلم الناس أنَّ وَعْدَ الله بالبعث حق، وأن القيامة آتية لا شك فيها، إذ يتنازع المطَّلِعون على أصحاب الكهف ماذا يفعلون بشأنهم: قال فريق منهم ابنوا على باب الكهف بناءً يحجبهم، واتركوهم وشأنهم، ربهم أعلم بحالهم، وقال أصحاب الكلمة والنفوذ فيهم: لنتخذنَّ على مكانهم مسجدًا للعبادة. وهذه الحالة محظورة، نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم، وذم فاعليها، ولا يدل ذكرها هنا على عدم ذمها، فإن هذا السياق جاء في شأن تعظيم أهل الكهف والثناء عليهم.

سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (22)

سيقول بعض الخائضين في شأنهم: هم ثلاثةٌ، رابعهم كلبهم، ويقول فريق آخر: هم خمسة، سادسهم كلبهم، وكلام الفريقين قول بلا علم من غير دليل، ويقول آخرون: هم سبعة، وثامنهم كلبهم، قل - أيها الرسول- : ربي هو الأعلم بعددهم، ما يعلم عددهم إلا قليل من الناس قال قتادة: قال ابن عباس: أنا من القليل الذي استثنى الله، عز وجل، كانوا سبعة. وكذا روى ابن جريج، عن عطاء الخراساني عنه أنه كان يقول: أنا ممن استثنى الله، ويقول: عدتهم سبعة.وقال ابن جرير: حدثنا ابن بشار حدثنا عبد الرحمن، حدثنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس: (مَا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ) قال: أنا من القليل، كانوا سبعة.فهذه أسانيد صحيحة إلى ابن عباس: أنهم كانوا سبعة. فلا تجادل أهل الكتاب في عددهم إلا جدالا ظاهرًا لا عمق فيه، بأن تَقُصَّ عليهم ما أخبرك به الوحي فحسب، ولا تسألهم عن عددهم وأحوالهم؛ فإنهم لا يعلمون ذلك.

وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24)

ولا تقولنَّ لشيء تعزم على فعله: إني فاعل ذلك الشيء غدًا إلا أن تُعَلِّق قولك بالمشيئة، فتقول: إن شاء الله.

سبب نزول الآية ما رواه ابن إسحاق والطبري : أن المشركين لما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن أهل الكهف وذي القرنين وعدهم بالجواب عن سؤالهم من الغد ولم يقل (إن شاء الله)، فلم يأته جبريل عليه السلام بالجواب إلا بعد خمسة عشر يوما، ، فكان تأخير الوحي إليه بالجواب عتاباً رمزياً من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم

قوله:"وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ " أرشد من نسي الشيء في كلامه إلى ذكر الله تعالى ؛ لأن النسيان منشؤه من الشيطان ، كما قال فتى موسى : ( وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ۚ) [ الكهف : 63 ] .

وقوله : (وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا)أي : إذا سُئلتَ عن شيء لا تعلمه ، فاسأل الله فيه ، وتوجه إليه في أن يوفقك للصواب والرشد.

وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25).

هذا خبر من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بمقدار ما لبث أصحاب الكهف في كهفهم ، منذ أرقدهم الله إلى أن بعثهم وأعثر عليهم أهل ذلك الزمان ، وأنه كان مقداره ثلاثمائة سنة وتسع سنين بالقمرية، وهي ثلاثمائة سنة بالشمسية أي الميلادية ، فإن تفاوتًا ما بين كل مائة سنة بالقمرية إلى الشمسية ثلاث سنين ؛ فلهذا قال بعد الثلاثمائة : (وَازْدَادُوا تِسْعًا).

قوله تعالى: "قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)

فإنْ نازعوكَ في مدة لبثهم فأجبهم وقل: اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا أي : هو أعلم منكم وقد أخبرنا بمدة لبثهم، فله غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، ما أبْصَرَه سبحانه لكل موجود ! وما أسمَعَهُ لكل مسموع ! ليس للخلق أحدٌ غيرُه يتولى أمورهم، وليس له شريك في حكمه وقضائه وتشريعه، سبحانه وتعالى.

وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (27)

عليك أيها الرسول - أن تواظب وتداوم على قراءة ما أوحيناه إليك من هذا القرآن الكريم ؛ لأنه صدق كله وعدل كله، ولن تجد من دون ربك ملجأً تلجأ إليه، ولا معاذًا تعوذ به.

وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)

يقول سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه:" كُنَّا مع النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ سِتَّةَ نَفَرٍ، فَقالَ المُشْرِكُونَ للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: اطْرُدْ هَؤُلَاءِ لا يَجْتَرِئُونَ عَلَيْنَا. قالَ وَكُنْتُ أَنَا وَابنُ مَسْعُودٍ، وَرَجُلٌ مِن هُذَيْلٍ، وَبِلَالٌ، وَرَجُلَانِ لَسْتُ أُسَمِّيهِمَا، فَوَقَعَ في نَفْسِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ ما شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقَعَ فَحَدَّثَ نَفْسَهُ فأنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}" [الأنعام: 52].أخرجه مسلم

في الآية الأمر بمجاهدة النفس على صحبة، الأخيار ومخالطتهم وإن كانوا فقراء فإن في صحبتهم من الفوائد، ما لا يحصى، ومن صفات هؤلاء الأخيار أنهم يذكرون الله ويهللونه ويحمدونه ويسبحونه ويكبرونه ويسألونه بكرة وعشيا.

قوله:"ولا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا" أي لا تتجاوز عيناك إلى غيرهم من أبناء الدنيا طلبا لزينتها

قوله :"وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا" ولا تطع من صيرنا قلبه غافلا عن ذكرنا بختمنا عليه فأمرك بتنحية الفقراء عن مجلسك. وقدَّم اتباع ما تهواه نفسه على طاعة ربه وكانت أعماله ضياعا.

وفي الآية الكريمة توجيه حكيم فى بيان القيم الحقيقية للناس؛ وهى أنها تتمثل فى الإِيمان والتقوى ، لا فى الغنى والجاه .

وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29)

وقل لهؤلاء الغافلين: ما جئتكم به هو الحق من ربكم، فمن أراد منكم أن يصدق ويعمل به، فليفعل فهو خير له، ومن أراد أن يجحد فليفعل، وهذا من باب التهديد والوعيد الشديد ،ولهذا قال :" إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا " أي سورها، وإن يستغث هؤلاء الكفار في النار بطلب الماء مِن شدة العطش، يُؤتَ لهم بماء أسود منتن غليظ حار يشوي وجوههم من شدة حره، قَبُح هذا الشراب الذي لا يروي ظمأهم بل يزيده، وقَبُحَتْ النار منزلا لهم ومقامًا.

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا (30)

لمَّا ذكر تعالى حال الأشقياء ثنَّى بذكر السعداء الذين آمنوا بالله ورسوله وعملوا الأعمال الصالحات لهم أعظم المثوبة، إنا لا نضيع أجورهم، ولا ننقصها على ما أحسنوه من العمل.

أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31)

أولئك الذين آمنوا لهم جنات يقيمون فيها دائمًا، تجري من تحت غرفهم ومنازلهم الأنهار العذبة، يُحَلَّون فيها بأساور الذهب، ويَلْبَسون ثيابًا خضرا من رقيق الحرير وغليظه، يتكئون في جنات عدن على الأرائك،والأرائك جمع أريكة، وهي السرر، ونعمت الجنة ثوابا على أعمالهم وحسنت منزلا ومقاما.

وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (32)

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: واضرب يا محمد لهؤلاء المشركين بالله، الذين سألوك أن تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه، (مَثَلا) مثل (رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ) أي جعلنا له بستانين من كروم (وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ) يقول: وأطفنا هذين البستانين بنخل، وقوله:(وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا) يقول: وجعلنا وسط هذين البستانين زرعا.

كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَرًا (33)

وقد أثمرت كل واحدة من الحديقتين ثمرها، ولم تُنْقِص منه شيئًا، وشققنا وسط الجنتين نهرا .

وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالا وَأَعَزُّ نَفَرًا (34)

وكان له أي لصاحب الحديقتين من هذه الكروم والنخل والزرع أموال أخرى. فقال لصاحبه المؤمن، وهو يجادله في الحديث، والغرور يملؤه:."أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالا وَأَعَزُّ نَفَرًا " النفر : الرهط وهو ما دون العشرة . وأراد هاهنا الأتباع والخدم والولد.

وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35)

قوله: وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ أي : بكفره وتمرده .قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا أنكر فناء الدار ؛ ولهذا قال: وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً أي كائنة "وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا "(36)

(وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي) قالها وهو غير موقن أنه راجع إليه (لأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا) لَيَكُونَنَّ لي هناك أحسن من هذا الحظ عند ربي.

قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلا (37)

قال له صاحبه المؤمن، وهو يجادله واعظًا له: كيف تكفر بالله الذي خلقك مِن تراب، باعتبار الأصل وهو آدم عليه السلام، ثم مِن نطفة الأبوين، ثم سَوَّاك بشرًا معتدل القامة والخَلْق؟.

لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38)

أي : أنا لا أقول بمقالتك ، بل أعترف لله بالربوبية والوحدانية

وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالا وَوَلَدًا (39)

هذا تحضيض هلَّا إذا أعجبتك حين دخلتها ونظرت إليها حمدت الله على ما أنعم به عليك، وقلت: ما شاء الله لا قوة إلا بالله. فعن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" يا عَبْدَ اللَّهِ بنَ قَيْسٍ، قُلْ: لا حَوْلَ ولَا قُوَّةَ إلَّا باللَّهِ، فإنَّهَا كَنْزٌ مِن كُنُوزِ الجَنَّةِ " أخرجه البخاري ، فإن كنت تراني أقل منك في المال والولد فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (40)

فعسى ربي أن يعطيني أفضل من حديقتك، ويسلبك النعمة بكفرك،ويرسل على حديقتك عذابا من السماء، فتصبح أرضًا ملساء جرداء لا تثبت عليها قدم، ولا ينبت فيها نبات.

أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا (41) أو يصير ماؤها الذي تُسقى منه غائرًا في الأرض، فلا تقدر على إخراجه.

وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42)

وتحَقَّقَ ما قاله المؤمن، ووقع الدمار بالحديقة، فهلك كل ما فيها، فصار الكافر يصفق كفيه متأسفا متلهفا على الأموال التي أذهبها عليها بعدما بادت وهلكت، ويقول: يا ليتني عرفت نِعَمَ الله وقدرته فلم أشرك به أحدًا. وهذا ندم منه حين لا ينفعه الندم.

وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا (43)

ولم تكن له عشيرة أو ولد ممن افتخر بهم يمنعونه مِن عقاب الله النازل به، وما كان ممتنعًا بنفسه .

هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا (44)

في مثل هذه الشدائد تكون الموالاة لله الحق، هو خير جزاءً، (وَخَيْرٌ عُقْبًا).أي الأعمال التي تكون لله عاقبتها حميدة

وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا (45)

واضرب أيها الرسول للناس صفة الدنيا التي اغترُّوا بها في بهجتها وسرعة زوالها، فهي كماء أنزله الله من السماء فخرج به النبات بإذنه، وصار مُخْضرًّا، وما هي إلا مدة يسيرة حتى صار هذا النبات يابسًا متكسرًا تنسفه الرياح إلى كل جهة. وكان الله على كل شيء مقتدرًا، أي: ذا قدرة عظيمة على كل شيء.

الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلا (46)

الأموال والأولاد جَمال وقوة في هذه الدنيا الفانية، وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ وهي سبحانَ اللهِ ، و الحمدُ للهِ ، ولَا إلهَ إلَّا اللهِ ، واللهُ أكبرُ، ففي الحديث "خُذُوا جُنَّتَكُمْ مِنَ النارِ ؛ قولوا : سبحانَ اللهِ ، و الحمدُ للهِ ، ولَا إلهَ إلَّا اللهِ ، واللهُ أكبرُ ، فإِنَّهنَّ يأتينَ يومَ القيامةِ مُقَدِّمَاتٍ وَمُعَقِّبَاتٍ وَمُجَنِّبَاتٍ ، وَهُنَّ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ. " (صححه الألباني في صحيح الجامع)، فهذه الأعمال الصالحة أفضل أجرًا عند ربك من المال والبنين، وهذه الأعمال الصالحة أفضل ما يرجو الإنسان من الثواب عند ربه، فينال بها في الآخرة ما كان يؤمِّلُه في الدنيا.

وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47)

يخبر الله تعالى عن أهوال يوم القيامة وما يكون فيه من الأمور العظام ، والتي منها زوال الجبال عن أماكنها، وتبصر الأرض ظاهرة، ليس عليها شيء من المخلوقات والمعالم، وجمعنا الأولين والآخِرين لموقف الحساب، فلم نترك منهم أحدًا.

وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (48)

قوله: "وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا" وعُرِضوا جميعًا على ربك مصطَفِّين لا يُحجب منهم أحد، " لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ " لقد بعثناكم، وجئنا بكم إلينا فرادى لا مال معكم ولا ولد، كما خلقناكم أول مرة، وهذا تقريع للمنكرين للميعاد وتوبيخ لهم على رءوس الأشهاد، ولهذا قال مخاطبا لهم : ، "بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا " بل ظننتم أن لن نجعل لكم موعدًا نبعثكم فيه، ونجازيكم على أعمالكم.

وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)

ووُضِع كتاب أعمال كل واحد في يمينه إن كان مؤمنا أو في شماله،إن كان كافرا، فتجد العصاة خائفين مما فيه بسبب ما قدموه من جرائم، ويقولون حين ينظرون إليه: يا حسرتنا على ما فرطنا ! ما لهذا الكتاب لم يترك صغيرة مِن ذنوبنا ولا كبيرة إلا أثبتها؟! ووجدوا كل ما عملوه في الدنيا حاضرًا مثبتًا. ولا يظلم ربك أحدًا مثقال ذرة، فلا يُنقَص طائع من ثوابه، ولا يُزاد عاص في عقابه.

وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا (50)

يقول تعالى مُنبهًا بني آدم على عداوة إبليس لهم ولأبيهم من قبلهم: واذكر حين أمرنا الملائكة بالسجود لآدم، إكرامًا له وأمرنا إبليس بما أُمِروا به، فسجد الملائكة جميعًا، عدا إبليس - الذي خلق من نار - فخرج عن طاعة ربه، ولم يسجد كِبرًا وحسدًا. أَوَبَعْدَ كلِّ ذلك تتخذونه - أيها الناس- وذريته أعوانًا لكم تطيعونهم وتتركون طاعة ربكم ، وهم ألد أعدائكم؟ قَبُحَتْ طاعة الظالمين للشيطان بدلاً عن طاعة الرحمن.

مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (51)

ما أحضرتُ إبليس وذريته - الذين أطعتموهم- خَلْقَ السموات والأرض، فأستعين بهم على خلقهما، ولا أشهدتُ بعضهم على خَلْق بعض، بل تفردتُ بخلق جميع ذلك، بغير معين ولا ظهير، وما كنت متخذ المضلِّين من الشياطين وغيرهم أعوانًا.

وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا (52)

أى : واذكر - أيها العاقل - يوم يقول الله - تعالى - للكافرين على سبيل التوبيخ والتقريع: نادوا شركائى الذين زعمتم أنهم ينفعونكم ويشفعون لكم فى هذا الموقف العصيب (فدعوهم) أى : فأطاعوا أمر خالقهم ، ودعوا شركاءهم لكي يستغيثوا بهم ( فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ ) أى : فلم يجدوا منهم أدنى استجابة . وقوله : (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقاً) أى : وجعلنا بين الداعين والمدعوين مهلكا وهولًا عظيمًا وأمرا كبيرًا.

وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا (53)

أي : إنهم لما عاينوا جهنم حين جيء بها تقاد بسبعين ألف زمام ، مع كل زمام سبعون ألف ملك ، تحققوا لا محالة أنهم واقعون فيها ؛ ليكون ذلك من باب تعجيل الهمِّ والحزنِ لهم ، فإنَّ توقع العذاب والخوف منه قبل وقوعه ، عذابٌ ناجزٌ . (وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا) أي : ليس لهم طريق يعدل بهم عنها ولا بد لهم منها .

وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا (54)

ولقد بينَّا للناس في هذا القرآن ، ووضحنا لهم الأمور ، وفصلناها ، كيلا يضلوا عن الحق ، ويخرجوا عن طريق الهدى . ومع هذا البيان وهذا الفرقان ، الإنسان كثير المجادلة والمخاصمة والمعارضة للحق بالباطل ، إلا من هدى الله وبصره لطريق النجاة .

وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلا (55)

وما منع الناس من الإيمان - حين جاءهم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ومعه القرآن- ، واستغفار ربهم طالبين عفوه عنهم، إلا تحدِّيهم للرسول، وطلبهم أن تصيبهم سنة الله في إهلاك السابقين عليهم، من غشيانهم بالعذاب وأخذهم عن آخرهم أو يصيبهم عذاب الله عِيانًا.

وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا ( 56 )

وما نبعث الرسل إلى الناس إلا ليكونوا مبشرين بالجنة لأهل الإيمان والعمل الصالح، ومخوِّفين بالنار لأهل الكفر والعصيان، ومع وضوح الحق يخاصم الذين كفروا رسلهم بالباطل تعنتا؛ى ليزيلوا بباطلهم الحق الذي جاءتهم به الرسل.

(وَاتَّخَذُواآيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا)أي: الحجج والبراهين وخوارق العادات التي بعث بها الرسل وما أنذروهم الرسل وخوفوهم به من العذاب (هُزُوًا).أي سخروا منهم في ذلك، وهو أشد التكذيب.

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57)

ليس هناك أحدٌ أشدَّ ظلمًا ممن وُعِظ بآيات ربه الواضحة، فانصرف عنها إلى باطله، ونسي ما قدَّمته يداه من الأفعال القبيحة فلم يرجع عنها، ونتيجة ذلك جعلنا على قلوبهم غشاوةً فلم يفهموا القرآن، ولم يدركوا ما فيه من الخير، وجعلنا في آذانهم صمما معنويا عن الرشاد، وإن تَدْعُهم إلى الإيمان فلن يستجيبوا لك، ولن يؤمنوا بما دعوتهم إليه أبدا .

وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلا (58)

وربك -أيها النبي- هو الغفور للذنوب، صاحب الرحمة الواسعة، لو يعاقب هؤلاء المعرضين عن آياته بما كسبوا من الذنوب والآثام لعجَّل لهم العذاب، ولكنه تعالى حليم لا يعجل بالعقوبة، بل لهم موعد يجازون فيه بأعمالهم، لا مندوحة لهم عنه ولا محيد.

وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا ( 59 )

وتلك القرى من الأمم السابقة كقوم هود وصالح ولوط وشعيب- أهلكناها بسبب كفرهم وعنادهم، وجعلنا لهلاكهم مدة معلومة ووقت معين، فاتعظوا أيها المعاندون المكذبون للنبي حتى لا يكون مصيركم مثل مصيرهم.

وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60)

"عن أبَيُّ بنُ كَعْبٍ، عن رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: قَامَ مُوسَى خَطِيبًا في بَنِي إسْرَائِيلَ فقِيلَ له: أيُّ النَّاسِ أعْلَمُ؟ قالَ: أنَا، فَعَتَبَ اللَّهُ عليه إذْ لَمْ يَرُدَّ العِلْمَ إلَيْهِ، وأَوْحَى إلَيْهِ: بَلَى عَبْدٌ مِن عِبَادِي بمَجْمَعِ البَحْرَيْنِ، هو أعْلَمُ مِنْكَ، قالَ: أيْ رَبِّ، كيفَ السَّبِيلُ إلَيْهِ؟ قالَ: تَأْخُذُ حُوتًا في مِكْتَلٍ، فَحَيْثُما فقَدْتَ الحُوتَ فَاتَّبِعْهُ، قالَ: فَخَرَجَ مُوسَى ومعهُ فَتَاهُ يُوشَعُ بنُ نُونٍ، ومعهُما الحُوتُ حتَّى انْتَهَيَا إلى الصَّخْرَةِ، فَنَزَلَا عِنْدَهَا، قالَ: فَوَضَعَ مُوسَى رَأْسَهُ فَنَامَ، - قالَ سُفْيَانُ: وفي حَديثِ غيرِ عَمْرٍو، قالَ: وفي أصْلِ الصَّخْرَةِ عَيْنٌ يُقَالُ لَهَا: الحَيَاةُ لا يُصِيبُ مِن مَائِهَا شيءٌ إلَّا حَيِيَ، فأصَابَ الحُوتَ مِن مَاءِ تِلكَ العَيْنِ - قالَ: فَتَحَرَّكَ وانْسَلَّ مِنَ المِكْتَلِ، فَدَخَلَ البَحْرَ فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ مُوسَى قالَ لِفَتَاهُ: {آتِنَا غَدَاءَنَا} الآيَةَ، قالَ: ولَمْ يَجِدِ النَّصَبَ حتَّى جَاوَزَ ما أُمِرَ به، قالَ له فَتَاهُ يُوشَعُ بنُ نُونٍ: {أَرَأَيْتَ إذْ أوَيْنَا إلى الصَّخْرَةِ فإنِّي نَسِيتُ الحُوتَ} الآيَةَ،" أخرجه البخاري.

..." ، ، ومعنى الآية : واذكر حين قال موسى لخادمه يوشع بن نون: لا أزال أتابع السير حتى أصل إلى ملتقى البحرين، وهو خليجا العقبة والسويس فى البحر الأحمر. على أصح الأقوال، "أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا"أو أسير زمنًا طويلا حتى أصل إلى العبد الصالح؛ لأتعلم منه ما ليس عندي من العلم.

فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61)

وجَدَّا في السَّيْر، فلما وصلا ملتقى البحرين جلسا عند صخرة، فنام موسى ونسيا حوتهما الذي أُمر موسى بأخذه معه قوتًا لهما، وحمله يوشع في مِكْتَل، فإذا الحوت يصبح حيًّا وينحدر في البحر، ويتخذ له فيه طريقًا مفتوحًا.

فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (62)

فلما فارقا المكان الذي نسيا فيه الحوت وشعر موسى بالجوع، قال لخادمه: أحضر إلينا غداءنا، لقد لقينا من سفرنا هذا تعبًا.

قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63)

قال له خادمه: أتذكر حين لجأنا إلى الصخرة التي استرحنا عندها؟ فإني نسيت أن أخبرك ما كان من الحوت، وما أنساني أن أذكر ذلك لك إلا الشيطان، فإن الحوت الميت دبَّتْ فيه الحياة، وقفز في البحر، واتخذ له فيه طريقًا، وكان أمره مما يُعْجَبُ منه.

قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا (64)

قال موسى: ما حصل هو ما كنا نطلبه، فإنه علامة لي على مكان العبد الصالح، فرجعا يتتبعا آثار أقدامهما لئلا يضيعا عن الطريق حتى انتهيا إلى الصخرة.

فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65)

فوجدا هناك عبدًا صالحًا من عبادنا هو الخَضِر ، آتيناه رحمة من عندنا، وعَلَّمْناه مِن لدنَّا علمًا .جمع الله له بين الرحمة وبين العلم النافع.

قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66)

قال له موسى في تواضع وتلطف: أتأذن لي أن أتبعك؛ لتعلمني من العلم الذي علمك الله إياه ما أسترشد به في أمري ؟

قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67)

قال له الخَضِر: إنك - يا موسى- لن تطيق أن تصبر على اتباعي وملازمتي. لأنه على علم من علم الله ما علمه الله لموسى فسوف يرى أشياء في ظاهرها الخطأ ولا يرى ما فيها من الحكمة.

وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68)

وكيف لك الصبر على ما سأفعله من أمور تخفى عليك مما علمنيه الله تعالى؟

قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69)

قال له موسى: ستجدني إن شاء الله صابرًا على ما أراه منك، ولا أخالف لك أمرًا تأمرني به.

قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70)

فوافق الخَضِر وقال له: فإنْ صاحَبتني فلا تسألني عن شيء تنكره، حتى أبيِّن لك من أمره ما خفي عليك دون سؤال منك.

فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71)

فانطلقا يمشيان على الساحل، فمرت بهما سفينة، فطلبا من أهلها أن يركبا معهم، فلما ركبا قَلَعَ الخَضِر لوحًا من السفينة فخرقها، فقال له موسى: أَخَرَقْتَ السفينة؛ لتُغرِق أهلَها، وقد حملونا بغير أجر؟ لقد فعلت أمرًا منكرًا.

قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72)

قال له الخَضِر: لقد قلت لك من أول الأمر: إنك لن تستطيع الصبر على صحبتي.

قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73)

قال موسى معتذرًا: لا تؤاخذني بنسياني شرطك عليَّ، ولا تكلفني مشقةً في تعلُّمي منك، وعاملني بيسر ورفق.

فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74)

فقبل الخَضِر عذره، ثم خرجا من السفينة، فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصرا غلامًا يلعب مع الغلمان، فقتله الخَضِر، فأنكر موسى عليه وقال: كيف قتلت نفسًا طاهرة لم تبلغ حدَّ التكليف، ولم تقتل نفسًا، حتى تستحق القتل بها؟ لقد فَعَلْتَ أمرًا ظاهر النكارة.

قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (75)

قال الخَضِر لموسى معاتبًا ومذكرًا بما اشترطه عليه سابقا: ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرًا على ما ترى من أفعالي؟

قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (76)

قال موسى له: إن اعترضت عليك بشيء بعد هذه المرة فلا تصاحبني، فقد أعذرت إليَّ مرة بعد مرة .

فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77)

فذهب موسى والخَضِر حتى أتيا أهل قرية، فطلبا منهم طعامًا على سبيل الضيافة، فامتنع أهل القرية عن ضيافتهما، فوجدا فيها حائطًا يوشك أن يسقط، فسواه، قال له موسى: لو شئت لأخذت على هذا العمل أجرًا .

قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78)

قال الخَضِر لموسى: هذا وقت الفراق بيني وبينك، لأنك شرطت عند قتل الغلام أنك إن سألتني عن شيء بعدها فلا تصاحبني ومع ذلك لن أتركك دون أن أبيِّن لك ما أنكرتَ عليَّ وغاب عنك علمه من أفعالي التي فعلتها، والتي لم تستطع صبرًا على ترك السؤال عنها .

أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79)

أما السفينة التي خرقتها فإنها كانت لأناس مساكين يعملون في البحر عليها سعيًا وراء الرزق، فأردت أن أعيبها بذلك الخرق؛ لأن أمامهم ملكًا ظالما يأخذ كل سفينة صالحة غصبًا من أصحابها.

وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80)

وأما الغلام الذي قتلته فكان في علم الله كافرًا،فعن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الغلامُ الذي قتلهُ الخضِرُ طبُع كافرًا، ولو عاش لأرهقَ أبوَيهِ طغيانًا وكفرًا " صحيح أبي داود للألباني ، وكان أبوه وأمه مؤمِنَيْن، فخشينا لو بقي الغلام حيًا لَحمل والديه على الكفر والطغيان.

فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81)

فأردنا أن يُبْدِل الله أبويه بمن هو خير منه صلاحًا ودينًا وبرًا بهما.

وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (82)

وأما الحائط الذي سويته فإنه كان لغلامين يتيمين في المدينة - وهي القرية المذكورة سابقا، وفيه جواز إطلاق اسم المدينة على القرية لغةً ،وهو المتعارف عليه بين القوم الذين نزل عليهم القرآن. - وهذه المدينة التي فيها الجدار، كان تحته مال مدفون من ذهب وفضة، لهذين الغلامين، وكان أبوهما رجلا صالحًا، فأراد ربك أن يكبَرا ويبلغا قوتهما، ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك بهما، وما فعلتُ يا موسى جميعَ الذي رأيتَني فعلتُه عن أمري ومن تلقاء نفسي، وإنما فعلته عن أمر الله، ذلك الذي بَيَّنْتُ لك أسبابَهُ هو عاقبة الأمور التي لم تستطع صبرًا على ترك السؤال عنها والإنكار عليَّ فيها.

وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (83)

ويسألك - أيها الرسول- هؤلاء المشركون من قومك عن خبر ذي القرنين الملك الصالح، قل لهم: سأقصُّ عليكم منه ذِكْرًا تتذكرونه، وتعتبرون به.

إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84)

أي أعطيناه ملكا عظيما ويسرنا له الوسائل إلى فتح البلاد وكسر الأعداء وإذلال أهل الشرك

فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85)

فأخذ بتلك الأسباب والطرق .

حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86)

قوله: (حتى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشمس) أي حتى إذا وصل إلى منتهى الأرض المعمورة فى زمنه من جهة المغرب ، (وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) أي: رآها فى نظره عند غروبها ، كأنها تغرب فى عين مظلمة ، وإن لم تكن هي فى الحقيقة كذلك، وحمئة : أي : ذات حمأة وهي الطين الأسود . يقال : حمأَتِ البئر تَحمأُ حَمأً ، إذا صارت فيها الحمأَة وهي الطينة السوداء .(وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا) أي: أمةً من الأمم دعاهم ذو القرنين إلى عبادة الله - تعالى - وحده ، فمنهم من آمن ومنهم من كفر ، فخيره الله - تعالى - فيهم فقال (قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا)، خيره الله فيمن لم يؤمن: إنْ شاء قتل وسبى ، وإنْ شاء مَنَّ أو فدى.

قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87)

قال ذو القرنين: أمَّا مَن استمر على كفره وشركه بربه، فسوف نعذبه بالقتل، ثم يرجع إلى ربه، فيعذبه عذابًا عظيمًا في نار جهنم.

وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88)

قوله :"وَأَمَّا مَنْ آمَنَ" أي تابعنا على ما ندعوه إليه من عبادة الله وحده ."فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى "أي في الدار الآخرة. (وَسَنَقُولُ لَهُ) أى لمن آمن وعمل صالحا (مِنْ أَمْرِنَا) أى مما نأمره به قولا (يُسْرًا) لا صعوبة فيه ولا مشقة ولا عسر .

ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (89)

ثم رجع ذو القرنين إلى المشرق متبعًا الأسباب التي أعطاه الله إياها.

حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا (90)

حتى إذا وصل إلى مطلع الشمس وجدها تطلع على أناس ليس لهم بناء يسترهم، ولا شجر يظلهم من حر الشمس. فهم قوم يعيشون فى نهاية المعمورة من جهة المشرق .

كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا (91)

أي نحن مطلعون على جميع أحواله وأحوال جيشه

ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92)

ثم سار ذو القرنين آخذًا بالطرق والأسباب التي منحناها إياه.

حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا (93)

حتى إذا وصل إلى ما بين السدين وهما هاهنا : جبلان سدَّ ذو القرنين ما بينهما حاجزا بين يأجوج ومأجوج ومن ورائهم . (وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا) يعني : أمام السدين .(لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا)لا يفقهون كلام أحد ولا يفهم الناس كلامهم .

قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94).

قالوا يا ذا القرنين: إنَّ يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض بالقتل وغيره، فهل نجعل لك أجرا على أن تجعل بيننا وبينهم حاجزًا يحول بيننا وبينهم؟

قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95)

قال ذو القرنين: ما أعطانيه ربي من الملك والتمكين خير لي مِن مالكم، ولكن ساعدوني بعملكم وآلات البناء أجعل بينكم وبينهم سدًا.

آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96)

قوله "آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ" الزبر : جمع زبرة وهي القطعة منه، وهي كاللبنة "حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ" أي وضع بعضه على بعض حتى حاذى به رءوس الجبلين، "قَالَ انْفُخُوا"أي أشعلوا النار على هذه القطع، حتى إذا احمرت قطع الحديد ،"قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا" قال: أعطوني نحاسًا أُفرغه عليه.

فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97)

فما استطاعت يأجوج ومأجوج أن تصعد فوق السد؛ لارتفاعه وملاسته، وما استطاعوا أن ينقبوه من أسفله لبعد عرضه وقوته.

قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا ( 98 )

قال ذو القرنين: هذا الذي بنيته حاجزًا عن فساد يأجوج ومأجوج رحمة من ربي بالناس، فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي بخروج يأجوج ومأجوج جعله دكاء منهدمًا مستويًا بالأرض، "وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا ".أي: كائنا لا محالة.

وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (99)

قوله "وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ " أي يوم يُدكُّ هذا السدُّ ويخرج هؤلاء فيموجون في الناس ويفسدون على الناس أموالهم ويتلفون أشياءهم . "وَنُفِخَ فِي الصُّورِ"على أثر ذلك ، والصور قرن ينفخ فيه إسرافيل" فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا " أي أحضرنا الجميع للحساب.

وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100)

وأبرزنا جهنم للكافرين؛ لنريهم سوء عاقبتهم؛ وليكون ذلك أبلغ في تعجيل الهم والحزن لهم. وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود قال : قال رسول الله لى الله عليه وسلم "يُؤْتَى بجَهَنَّمَ يَومَئذٍ لها سَبْعُونَ ألْفَ زِمامٍ، مع كُلِّ زِمامٍ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَها. "

الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (101)

(الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ ) أي : غشاء ، و " الغطاء " : ما يغطى به الشيء ويستره (عَنْ ذِكْرِي) يعني : عن الإيمان والقرآن، وعن الهدى والبيان، (وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا) أي : لا يعقلون ، لغلبة الشقاوة عليهم.

أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلا (102)

أفظن الذين كفروا بالله من عبدة المسيح وغيره، أن يتخذوا عبادي الذين عبدوهم من دون الله أولياء، بل هم لهم أعداء، (إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نزلا) أي: أعددنا لمن كفر بالله جهنم منـزلا.

قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا (103)

قل - أيها الرسول- للناس محذرًا: هل نُخبركم بأخسر الناس أعمالا؟

الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ( 104 )

أي عملوا أعمالا باطلة على غير شريعة مشروعة، ويعتقدون أنهم مقبولون.

أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ( 105 )

أي جحدوا آيات الله في الدنيا، وكذبوا بالدار الآخرة ، فبطلت أعمالهم "فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا" فلا نثقل موازينهم؛ لأنها خالية عن الخير، روى البخاري عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ،عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة ، لا يزن عند الله جناح بعوضة " وقال : " اقرءوا إن شئتم : (فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا )".

قوله: ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا ( 106 )

أي إنما جازيناهم بهذا الجزاء بسبب كفرهم واتخاذهم آيات الله ورسله هزوًا.

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلا (107)

إن الذين آمنوا بي، وصدَّقوا رسلي، وعملوا الصالحات، لهم أفضل منازل الجنة قال صلى الله عليه وسلم "فإذا سَأَلْتُمُ اللَّهَ، فاسْأَلُوهُ الفِرْدَوْسَ، فإنَّه أوْسَطُ الجَنَّةِ وأَعْلَى الجَنَّةِ - أُراهُ - فَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، ".أخرجه البخاري

خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلا (108)

أي مقيمين فيها أبدًا، لا يختارون غيرها؛ لرغبتهم فيها وحبهم لها.

قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا ( 109 )

قل - أيها الرسول- : لو كان ماء البحر حبرًا للأقلام التي يكتب بها كلام الله، لانتهى ماء البحر قبل أن تنتهي كلمات الله، ولو جئنا بمثل البحر بحارًا أخرى مددًا له.

قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)

قل - أيها الرسول- لهؤلاء المشركين: إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليَّ من ربي أنما إلهكم إله واحد، فمَن كان يرجو ثوابه يوم لقائه، فليعمل عملا صالحًا لربه موافقًا لشرعه، ولا يشرك في العبادة معه أحدًا غيره.

1443/4/3 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

1 + 3 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 118 الجزء الثالث ‌‌هل الرسول أوصى بالخلافة لعلي رضي الله عنه ؟ - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 116 الجزء الثالث حكم التوسل بالموتى وزيارة القبور - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 115 الجزء الثالث ‌‌حكم ما يسمى بعلم تحضير الأرواح  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 114 الجزء الثالث ‌‌إيضاح الحق في دخول الجني في الإنسي والرد على من أنكر ذلك  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 113 الجزء الثالث : تابع الدروس المهمة لعامة الأمة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر