سورة يونس عليه الصلاة والسلام، عدد آياتها (109)، وهي مكية إلا ثلاث آيات من قوله: {فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك } إلى آخرها.
بسم الله الرحمن الرحيم
{الر تلك آيات الكتاب الحكيم (1)}.
قوله تعالى:{الر} قد سبق الكلام على الحروف المقطعة.
{تلك آيات الكتاب الحكيم} أي: هذه، وأراد بالكتاب الحكيم القرآن، والحكيم: المحكم بالحلال والحرام ، والحدود والأحكام.
{أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ ۗ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَٰذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ} (2)
قوله تعالى: {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا} العجب: حالة تعتري الإنسان من رؤية شيء على خلاف العادة .
وسبب نزول الآية: أن الله عز وجل لما بعث محمدا صلى الله عليه وسلم رسولا قال المشركون: الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا، فقال تعالى: {أَكَانَ لِلنَّاسِ} يعني: أهل مكة، {أنْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ } يعني محمدا صلى الله عليه وسلم، {أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ) أي: أعلمهم مع التخويف، { وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ ۗ } أجرا حسنا بما قدموا من أعمالهم. .{قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَٰذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ} يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم.
{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۖ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ۖ مَا مِن شَفِيعٍ إِلَّا مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (3)}
قوله عز وجل: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} أي: أوجد، { فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۖ } أي: علا وارتفع على العرش، استواءً يليق بجلاله وعظمته، والعرش أعظم المخلوقات وسقفها ، {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ۖ} يقضيه وحده، {مَا مِن شَفِيعٍ إِلَّا مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ۚ} معناه: أن الشفعاء لا يشفعون إلا بإذنه، وهذا رد على النضر بن الحارث فإنه كان يقول: إذا كان يوم القيامة تشفعني اللات والعزى.
قوله تعالى: {ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ۚ} يعني: الذي فعل هذه الأشياء ربكم لا رب لكم غيره ، {أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} تتعظون.
{إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا ۖ وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا ۚ إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ ۚ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (4)}
قوله: {إليه مرجعكم جميعا وعد الله حقا} أي: وعدكم وعدا حقا {إنه يبدأ الخلق ثم يعيده} أي : يحييهم ابتداء ثم يميتهم ثم يحييهم، {ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط} بالعدل، {والذين كفروا لهم شراب من حميم } ماء حار انتهى حره، { وعذاب أليم بما كانوا يكفرون} بسبب كفرهم وضلالهم يعذبون يوم القيامة بأنواع العذاب.
{هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5)}
قوله: {هو الذي جعل الشمس ضياء} بالنهار، {والقمر نورا} بالليل، { وقدره منازل } قدَّرَ القمرَ منازلَ ، فأول مايبدو صغيرًا ثم يتزايد نورُه وجِرْمُهُ حتى يستوسقَ ويكملَ إبدارُه، ثم يشرع في النقص حتى يرجعَ إلى حاله الأولى في تمام الشهر.
قوله تعالى: {لتعلموا عدد السنين} دخولها وانقضاءها، فبالشمس تعرف الأيام وبالقمر تعرف الشهور، {والحساب} يعني: حساب الشهور والأيام والساعات.{ما خلق الله ذلك} رده إلى الخلق والتقدير، ولو رده إلى الأعيان المذكورة لقال: تلك. { إلا بالحق} أي: لم يخلقه باطلا بل إظهارا لصنعه ودلالة على قدرته . {يفصل الآيات} يوضح { لقوم يعلمون}أي: يعلمون الحكمة في إبداع الخلق.
{إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ (6)}
قوله:{إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} تعاقب الليل والنهار إذا جاء هذا ، ذهب هذا{ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} من عجائب الخلق ، وما فيهما من إبداع ونظام} {لَآيَاتٍ}لأدلة وحجج واضحة {لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ } لقوم يخشون عقاب الله وسخطه .
{إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (7)}
قوله: { إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا } أي: لا يخافون عقابنا ولا يرجون ثوابنا . والرجاء يكون بمعنى الخوف والطمع ، {وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا} فاختاروها وعملوا لها ، {وَاطْمَأَنُّوا بِهَا} سكنوا إليها . {وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ} أي: عن أدلتنا ساهون.
{أُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (8)}
قوله{ أُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} من الكفر والتكذيب .
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُم بِإِيمَانِهِمْ ۖ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9)}
قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُم بِإِيمَانِهِمْ ۖ } أي : يرشدهم ربهم بسبب إيمانهم إلى جنة ، {تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ } أي : بين أيديهم ، {في جنات النعيم} وفيها أعدَّ الله لعباده الصالحين مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
{دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ ۚ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10)}
قوله: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا} أي: دعاؤهم.{سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ} وهي كلمة تنزيه، تنزه الله من كل سوء .{وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ ۚ} أي: يحيي بعضهم بعضا بالسلام .{وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } يريد : يفتتحون كلامهم بالتسبيح ، ويختمونه بالتحميد.
{۞ وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ ۖ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (11)}.
قوله تعالى: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ }معناه: لو يعجل الله للنَّاسِ إجابةَ دعائهم في الشر كاستعجالهم في الخير، {لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ ۖ } أي: لهلكوا . {فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا} لا يخافون البعث والحساب ، { فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} .في تمردهم وعتوهم يترددون حائرين.
{وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُ ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (12)}
قوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ الضُّرُّ} الجهد والشدة ، ( دَعَانَا لِجَنبِهِ ) أي : على جنبه مضطجعا ، (أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا ) يريد في جميع حالاته ، لأن الإنسان لا يعدو إحدى هذه الحالات . { فَلَمَّا كَشَفْنَا } دفعنا { عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُ ۚ } أي استمر على طريقته الأولى قبل أن يصيبه الضر ، ونسي ما كان فيه من الجهد والبلاء ، كأنه لم يدعنا إلى ضر مسه أي : لم يطلب منا كشف ضر مسه . { كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ }) المجاوزين الحد في الكفر والمعصية ، {مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} من العصيان .
{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا ۙ وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13)}
قوله تعالى: (ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا) أشركوا ، (وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا كذلك) أي: كما أهلكناهم بكفرهم، (نجزي) نعاقب ونهلك، (القوم المجرمين) الكافرين بتكذيبهم محمدا صلى الله عليه وسلم .
{ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِن بَعْدِهِمْ لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (14)}
قوله:{ثم جعلناكم خلائف} أي : خلفاء ، {في الأرض من بعدهم} أي: من بعد القرون التي أهلكناهم ، {لننظر كيف تعملون} وهو أعلم بهم . وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وإنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا، فَيَنْظُرُ كيفَ تَعْمَلُونَ ".
{وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ ۙ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَٰذَا أَوْ بَدِّلْهُ ۚ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ۖ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15)}
قوله عز وجل: {وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ ۙ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا} يعني مشركي مكة ، قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن كنت تريد أن نؤمن بك { ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَٰذَا } ليس فيه ترك عبادة اللات والعزى ومناة ، وليس فيه عيبها ، وإن لم ينزلها الله فقل أنت من عند نفسك ، {أو بدله} فاجعل مكان آية عذاب آية رحمة ، أو مكان حرام حلالا أو مكان حلال حراما ، (قل ) لهم يا محمد ، {مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي} من قبل نفسي {إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ۖ } أي : ما أتبع إلا ما يوحى إلي فيما آمركم به وأنهاكم عنه، {إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } . وهو يوم القيامة.
{قُل لَّوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُم بِهِ ۖ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (16)}
قوله تعالى:{قُل لَّوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ } يعني : لو شاء الله ما أنزل القرآن عليَّ . {وَلَا أَدْرَاكُم بِهِ ۖ } أي: ولا أعلمكم الله به. {فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا } حينا وهو أربعون سنة ، {مِّن قَبْلِهِ ۚ } من قبل نزول القرآن . {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} أنه ليس من قبلي ، ولبث النبي صلى الله عليه وسلم فيهم قبل الوحي أربعين سنة ثم أوحى الله إليه فأقام بمكة بعد الوحي ثلاث عشرة سنة ، ثم هاجر فأقام بالمدينة عشر سنين وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة .
{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17)}
قوله تعالى:{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا}لا أحد أشد ظلما ممَّن زعم أن لله شريكا أو ولدا {أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ۚ } بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن ، {إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ} أي لا ينالون الفلاح بالفوز بالجنة .
{وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ ۚ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ (18)}
قوله:( ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ) إن عصوه وتركوا عبادته ، ( ولا ينفعهم ) إن عبدوه ، يعني : الأصنام ، ( ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله ) أتخبرون الله ، ( بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ) المعنى : أتخبرون الله أن عنده شفيعا بغير إذنه، ولا يعلم الله لنفسه ذلك الشفيع؟! {سبحانه وتعالى عما يشركون} فالله تعالى منزه عما يفعله هؤلاء المشركون من إشراكهم في عبادته ما لا يضر ولا ينفع.
{وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19)}
قوله تعالى : (وما كان الناس إلا أمة واحدة ) أي : على الإسلام . ( فاختلفوا ) فتفرقوا إلى مؤمن وكافر ، (ولولا كلمة سبقت من ربك ) أي: لولا ما تقدم من الله تعالى أنه لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه ، وأنه قد أجل الخلق إلى أجل معدود {لقضي بينهم فيما فيه يختلفون } لقضي بينهم فيما فيه اختلفوا فأسعد المؤمنين ، وأعنت الكافرين.
{وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ ۖ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ (20)}
قوله: (ويقولون) يعني : أهل مكة ، ( لولا أنزل عليه ) أي : على محمد- صلى الله عليه وسلم- (آية من ربه) أي: معجزة خارقة، مع أنهم قد شاهدوا من معجزاته، صلى الله عليه وسلم، أعظم مما سألوا حين أشار بحضرتهم إلى القمر ليلة إبداره، فانشق فلْقَتَيْنِ، فَكَانَتْ فِلْقَةٌ وَرَاءَ الجَبَلِ، وَفِلْقَةٌ دُونَهُ، وهذا أعظم من سائر الآيات الأرضية مما سألوا (فقل إنما الغيب لله) يعني: قل إنما سألتموني الغيب وإنما الغيب لله، لا يعلم أحد لم لم يفعل ذلك ولا يعلمه إلا هو. (فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ) فانتظروا أيها القومُ قضاءَ الله بيننا وبينكم بتعجيل عقوبته للمبطل منَّا ونصرِ صاحبِ الحق إني منتظر ذلك.
{وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُم مَّكْرٌ فِي آيَاتِنَا ۚ قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا ۚ إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ (21)}
قوله عز وجل: (وإذا أذقنا الناس) يعني : الكفار ، (رحمة من بعد ضراء) أي : راحة ورخاء من بعد شدة وبلاء ، (مستهم) أي: أصابتهم ، (إذا لهم مكر في آياتنا ) تكذيب واستهزاء . ( قل الله أسرع مكرا ) أعجل عقوبة وأشد أخذا وأقدر على الجزاء ( إن رسلنا ) حفظتنا الذين نرسلهم إليكم، ( يكتبون ما تمكرون) في آياتنا من الاستهزاء والتكذيب، ثم نحاسبكم على ذلك.
{هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ۙ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22)}
قوله تعالى: (هو الذي يسيركم) يجريكم ويحملكم، {في البر}، على ظهور الدواب، (والبحر) على الفلك، (حتى إذا كنتم في الفلك) أي: في السفن، (وجرين بهم) يعني: جرت السفن بالناس، ، (بريح طيبة) لينة، (وفرحوا بها) أي : بالريح ، (جاءتها ريح) أي: جاءت الفلك ريح،(عاصف) شديدة الهبوب. (وجاءهم) يعني: ركبان السفينة، (الموج) وهو حركة الماء واختلاطه ، (من كل مكان وظنوا) أيقنوا (أنهم أحيط بهم)، أي : أحاط بهم الهلاك ، (دعوا الله مخلصين له الدين ) أي : أخلصوا في الدعاء لله ولم يدعوا أحدا سوى الله. وقالوا (لئن أنجيتنا ) يا ربنا ، (من هذه) الريح العاصف ، (لنكونن من الشاكرين) لك بالإيمان والطاعة .
{فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۗ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُم ۖ مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (23)}
قوله: ( فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض ) يظلمون ويتجاوزون إلى غير أمر الله عز وجل في الأرض ، ( بغير الحق ) أي : بالفساد . ( يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم ) لأن وباله راجع عليها ، ثم ابتدأ فقال : ( متاع الحياة الدنيا ) ، معناه : إنما بغيكم متاع الحياة الدنيا ، لا يصلح زادا لمعاد لأنكم تستوجبون به غضب الله، ( ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون ) ثم إلينا مصيركم فنخبركم بجميع أعمالكم، ونحاسبكم عليها.
{إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24)}
قوله تعالى: (إنما مثل الحياة الدنيا) في فنائها وزوالها، (كماء أنزلناه من السماء فاختلط به ) أي : بالمطر ، (نبات الأرض) نبت بالماء من كل لون ، (مما يأكل الناس) من الحبوب والثمار ، (والأنعام) من الحشيش، (حتى إذا أخذت الأرض زخرفها) حسنها وبهجتها ، وظهر الزهر أخضر وأحمر وأصفر وأبيض (وازينت) أي: تزينت، (وظن أهلها أنهم قادرون عليها) على جذاذها وقطافها وحصادها ، (أتاها أمرنا) قضاؤنا ، بإهلاكها، (ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا) أي : محصودة لا شيء فيها، (كأن لم تغن بالأمس) كأن لم تكن بالأمس، فالمتشبث بالدنيا يأتيه أمر الله وعذابه أغفل ما يكون. (كذلك نفصل الآيات) أي نبين الحجج والأدلة (لقوم يتفكرون ) أي: يعتبرون ، ويتدبرون ما ينفعهم في الدنيا والآخرة.
{وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَىٰ دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (25)}
قوله تعالى: (والله يدعو إلى دار السلام ) السلام بمعنى السلامة ، سميت الجنة دار السلام لأن من دخلها سلم من كل سوء .
(ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ) يوفقه لإصابة الطريق المستقيم، وهو الإسلام .
{۞ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ ۖ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ ۚ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26)}
قوله تعالى : (للذين أحسنوا) العمل في الدنيا بطاعته ، فأطاعوه فيما أمر ونهى (الحسنى) وهي الجنة (وزيادة ) وهي النظر إلى وجه الله الكريم.(ولا يرهق وجوههم) لا يغشى (قتر) سواد الوجه في عرصات يوم القيامة، (ولاذلة) هوان وصغار. (أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ) ماكثون فيها أبدًا.
{وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ۖ مَّا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ ۖ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا ۚ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (27)}
قوله: (والذين كسبوا السيئات) عملوا السيئات في الدنيا فكفروا(جزاء سيئة بمثلها ) أي : لهم جزاء أعمالهم السيئة التي عملوها بمثلها من عقاب الله في الآخرة ، (وترهقهم ذلة) وتعتريهم مهانة (ما لهم من الله من عاصم) أي : ليس لهم من عذاب الله مانع يمنعهم إذا عاقبهم ، ( كأنما أغشيت ) ألبست ، ( وجوههم قطعا من الليل مظلما ) أجزاء من الليل المظلم . (أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) هؤلاء هم أهل النار ماكثون فيها أبدا.
{وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ ۚ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ ۖ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُم مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ (28)}
قوله تعالى : ( ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم ) أي: الزموا مكانكم ولا تبرحوا(أنتم وشركاؤكم) يعني: الأوثان (فزيلنا) ميزنا وفرقنا (بينهم) أي: بين المشركين وشركائهم، وقطعنا ما كان بينهم من التواصل في الدنيا ، وذلك حين يتبرأ كل معبود من دون الله ممن عبده ، ( وقال شركاؤهم ) يعني : الأصنام ، ( ما كنتم إيانا تعبدون ) في الدنيا.
{فَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ (29)}
قوله:(فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم} والله شهيد بيننا وبينكم أنا ما دعوناكم إلى عبادتنا ولا أمرناكم بها، ولا رضينا منكم بذلك { إن كنا عن عبادتكم لغافلين) أي : ما كنا عن عبادتكم إيانا إلا غافلين ، لا نشعر بها .
{هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ ۚ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ ۖ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (30)}
قال الله تعالى : ( هنالك تبلو كل نفس ) معناه : تعلم وتقف عليه ، ( ما أسلفت ) ما قدمت من خير أو شر . ، ( وردوا إلى الله ) إلى حكمه فيتفرد فيهم بالحكم ، ( مولاهم الحق ) الذي يتولى ويملك أمورهم ( وضل عنهم ) زال عنهم وبطل ، ( ما كانوا يفترون ) في الدنيا من التكذيب .
{قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ۚ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ ۚ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31)}
قوله تعالى : ( قل من يرزقكم من السماء والأرض ) أي : من السماء بالمطر ، ومن الأرض بالنبات ، (أمن يملك السمع والأبصار) أي: من إعطائكم السمع والأبصار، (ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ) يخرج الحي من النطفة والنطفة من الحي،
(ومن يدبر الأمر) أي: يقضي الأمر، (فسيقولون الله) هو الذي يفعل هذه الأشياء ، (فقل أفلا تتقون ) أفلا تخافون عقابه في شرككم؟
{فَذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ ۖ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ ۖ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ (32)}
قوله: (فذلكم الله ربكم) الذي يفعل هذه الأشياء هو ربكم ، (الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون ) أي : فأين تصرفون عن عبادته إلى عبادة ما سواه وأنتم مقرون به؟
{كَذَٰلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (33)}
قوله: (كذلك) هكذا، (حقت كلمة ربك)أي: وجب عليهم قضاؤه وحكمه في السابق من علمه أنهم أشقياء من ساكني النار، (على الذين فسقوا) كفروا،
( أنهم لا يؤمنون).لا يصدقون بوحدانية الله ولا بنبوة النبي محمد ، صلى الله عليه وسلم.
{قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ۚ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ (34)
قوله: (قل هل من شركائكم) أوثانكم ( من يبدأ الخلق ) ينشئ الخلق من غير أصل ولا مثال ، ( ثم يعيده ) ثم يحييه من بعد الموت كهيئته ، فإن أجابوك وإلا ف ( قل ) أنت : ( الله يبدأ الخلق ثم يعيده فأنى تؤفكون ) أي : تصرفون عن قصد السبيل.
{قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ ۚ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ ۗ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَىٰ ۖ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35)}.
قوله:(قل هل من شركائكم من يهدي) يرشد،
(إلى الحق) فإذا قالوا: لا - ولا بد لهم من ذلك - (قل الله يهدي للحق) أي إلى الحق.(أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي) ومعناه : يهتدي ( إلا أن يهدى ) معنى الآية : الله الذي يهدي إلى الحق أحق بالاتباع أم الصنم الذي لا يهتدي إلا أن يهدى؟ فإن قيل : كيف قال : " إلا أن يهدى " ، والصنم لا يتصور أن يهتدي ولا أن يهدى ؟ قيل : معنى الهداية في حق الأصنام الانتقال ، أي : أنها لا تنتقل من مكان إلى مكان إلا أن تحمل وتنقل ، يتبين به عجز الأصنام .
( فما لكم كيف تحكمون ) فما بالكم كيف سويتم بين الله وخلقه، وهذا حكم باطل.
{وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا ۚ إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (36)}
قوله تعالى:(وما يتبع أكثرهم إلا ظنا) منهم، يقولون: إن الأصنام آلهة ، وإنها تشفع لهم في الآخرة ظنا منهم ، لم يرد به كتاب ولا رسول ، وأراد بالأكثر : جميع من يقول ذلك، ( إن الظن لا يغني من الحق شيئا ) أي: لا يدفع عنهم من عذاب الله شيئا ،
(إن الله عليم بما يفعلون ) بما يفعل هؤلاء المشركون من الكفر والتكذيب.
{وَمَا كَانَ هَٰذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ اللَّهِ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (37)}
قوله تعالى: (وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله) هذا بيان لإعجاز القرآن وأنه لا يستطيع البشر أن يأتوا بمثله، (ولكن تصديق الذي بين يديه) أي :أي من الكتب المتقدمة ومهيمنا عليها ، (وتفصيل الكتاب ) تبيين ما في الكتاب من الحلال والحرام والفرائض والأحكام ، (لا ريب فيه من رب العالمين ) لا شك في أن هذا القرآن موحىً من رب العالمين .
{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (38)}
قوله: ( أم يقولون ) "أم " بمعنى الواو ، أي : ويقولون ، ( افتراه ) اختلق محمد القرآن من قبل نفسه ، ( قل فأتوا بسورة مثله ) شبه القرآن ( وادعوا من استطعتم ) ممن تعبدون ، ( من دون الله ) ليعينوكم على ذلك ، ( إن كنتم صادقين ) أن محمدا افتراه.
{بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39)}
قوله:(بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه) يعني: القرآن، كذبوا به ولم يحيطوا بعلمه، (ولما يأتهم تأويله) أي: عاقبة ما وعد الله في القرآن ، أنه يئول إليه أمرهم من العقوبة. (كذلك كذب الذين من قبلهم) أي: كما كذب هؤلاء الكفار بالقرآن كذلك كذب الذين من قبلهم من كفار الأمم الخالية ، (فانظر كيف كان عاقبة الظالمين) فقد أهلك الله بعضهم بالخسف، وبعضهم بالغرق، وبعضهم بغير ذلك.
{وَمِنْهُم مَّن يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُم مَّن لَّا يُؤْمِنُ بِهِ ۚ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (40)}
قوله: (ومنهم من يؤمن به) أي : من قومك من يؤمن بالقرآن ، ( ومنهم من لا يؤمن به ) لعلم الله السابق فيهم ، (وربك أعلم بالمفسدين) بالشرك والفجور .
{وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ ۖ أَنتُم بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ (41)}
قوله: ( وإن كذبوك ) يا محمد ، ( فقل لي عملي ) وجزاؤه ، ( ولكم عملكم ) وجزاؤه ، ( أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون ) فأنتم لا تؤاخذون بعملي، وأنا لا أؤاخذ بعملكم.
{وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ ۚ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ (42)}
فقال: (ومنهم من يستمعون إليك) ومِن الكفار مَنْ يسمعون كلامك الحق ولكن لا يهتدون، (أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون) أفأنت تقدر على اسماع الصم؟ ! فكذلك لا تقدر على هداية هؤلاء إلا أن يشاء الله هدايتهم ؛ لأنهم صمٌ عن سماع الحق فلا يعقلونه.
{وَمِنْهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ ۚ أَفَأَنتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ (43)}
قوله: (ومنهم من ينظر إليك) ينظرون إليك وإلى ما أعطاك الله من التؤدة والسمت الحسن والخلق العظيم ، (أفأنت تهدي العمي) يريد عمى القلب ، (ولو كانوا لا يبصرون) إذا كانوا فاقدي البصيرة، وإنما ذلك كله لله وحده.
{إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَٰكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (44)}
قوله: (إن الله لا يظلم الناس شيئا) لأنه في جميع أفعاله متفضل عادل، فلا يزيد في سيئاتهم ولا ينقص من حسناتهم (ولكن الناس أنفسهم يظلمون) بالكفر والمعصية ، وفي الحديث عن أبي ذر رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فِيما يرويه عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، أنَّهُ قالَ:" يا عِبَادِي، إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ علَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فلا تَظَالَمُوا" رواه مسلم.
{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ ۚ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (45)
قوله تعالى : ( ويوم يحشرهم ) ويوم يحشر الله هؤلاء المشركين ليوم البعث والحساب ، ( كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار ) كأن لم يلبثوا في الدنيا إلا ساعة من النهار ، ( يتعارفون بينهم ) يعرف بعضهم بعضا حين بعثوا من القبور كمعرفتهم في الدنيا ، ثم تنقطع المعرفة إذا عاينوا أهوال القيامة .
( قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين ) والمراد من الخسران : خسران النفس ، ولا شيء أعظم منه ، وما كانوا موفقين لإصابة الرشد فيما فعلوا.
{وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ (46)}
قوله تعالى: (وإما نرينك) يا محمد، (بعض الذي نعدهم) في حياتك من العذاب، (أو نتوفينك ) قبل تعذيبهم ، ( فإلينا مرجعهم ) في الآخرة ، ( ثم الله شهيد على ما يفعلون ) لا يخفى عليه شيء منها فيجزيهم بها الجزاء الذي يستحقونه.
{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (47)}
قوله عز وجل: (ولكل أمة رسول) شاهد عليهم (فإذا جاء رسولهم ) الذي أرسل إليهم (قضي بينهم بالقسط) قضي بينه وبينهم بالعدل، (وهم لا يظلمون)لا يعذبون بغير ذنب ولا يؤاخذون بغير حجة.
{وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (48)}
(ويقولون) أي: ويقول المشركون: (متى هذا الوعد) متى الساعة التي تعدنا بها فيكون العقاب . (إن كنتم صادقين) أنت يا محمد وأتباعك.
{قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۗ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۚ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (49)}
( قل لا أملك لنفسي) لا أقدر لها على شيء ، ( ضرا ولا نفعا ) أي : دفع ضر ولا جلب نفع ، ( إلا ما شاء الله ) أن أملكه ، ( لكل أمة أجل ) مدة مضروبة ، ( إذا جاء أجلهم ) وقت فناء أعمارهم ، ( فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ) أي: لا يتأخرون ولا يتقدمون .
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (50)}
قوله تعالى: (قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتا أو نهارا) ليلا أو نهارًا.
(ماذا يستعجل منه المجرمون) أي: ماذا يستعجل من الله المشركون .والاستفهام هنا للتعجب من حالهم : كيف يستعجلون العذاب الأليم.!
{أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنتُم بِهِ ۚ آلْآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (51)}
قوله:(أثم) أهنالك؟ ، "إذا ما وقع" نزل العذاب، (آمنتم به) أي بالله في وقت اليأس، ( آلآن ) فيه إضمار، أي: يقال لكم : آلآن تؤمنون حين وقع العذاب؟ (وقد كنتم به تستعجلون) تكذيبا واستهزاء {ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ (52)}
قوله:(ثم قيل للذين ظلموا) أشركوا، (ذوقوا عذاب الخلد) تجرعوا عذاب الله الدائم لكم أبدا( هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون) لا تعاقبون إلا بما كنتم تعملون في حياتكم من معاصى الله .
{۞ وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ ۖ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ ۖ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ (53)}
قوله: (ويستنبئونك) أي: يستخبرك هؤلاء المشركون من قومك يا محمد، (أحق هو) أي: ما تعدنا من العذاب وقيام الساعة ، (قل إي وربي) أي: نعم وربي، (إنه لحق) لا شك فيه، (وما أنتم بمعجزين) أي : بفائتين من العذاب ، فأنتم في قبضة الله وسلطانه.
{وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ ۗ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ ۖ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ ۚ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (54)}
قوله:( ولو أن لكل نفس ظلمت ) أي: أشركت ، (ما في الأرض لافتدت به) يوم القيامة ، والافتداء هاهنا : باذل ما ينجو به من العذاب. (وأسروا الندامة) أخفى الذين ظلموا حسرتهم ( لما رأوا العذاب) حين ابصروا عذاب الله واقعا بهم (وقضي بينهم بالقسط ) بالعدل ، ( وهم لا يظلمون ) لأن الله لا يعاقب أحدا إلا بذنبه.
{أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (55)}
قوله: {أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ألا إن كل ما في السماوات والأرض ملكٌ لله تعالى، {أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ } ألا إن لقاء الله تعالى وعذابه للمشركين كائن ، {وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} حقيقة ذلك.
{هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (56)}
أنه يحيي ويميت وإليه مرجعهم بعد موتهم، وأنه قادر على ذلك.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ (57)}
قوله تعالى: (ياأيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم) وهي القرآن (وشفاء لما في الصدور) دواء للجهل ، لما في الصدور فالقرآن شفاء لعمى القلوب، والصدر: موضع القلب ، وهو أعز موضع في الإنسان لجوار القلب،(وهدى) من الضلالة، (ورحمة للمؤمنين) والرحمة هي النعمة على المحتاج.
{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ (58)}
قوله تعالى: (قل بفضل الله وبرحمته ) فضل الله القرآن ورحمته أن جعلنا من أهله.
( فبذلك فليفرحوا ) أي : ليفرح المؤمنون أن جعلهم الله من أهله، (هو خير مما يجمعون) أي : مما يجمعه الكفار من الأموال .
{قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ ۖ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (59)}
قوله:(قل) يا محمد لكفار مكة ، ( أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق ) عبر عن الخلق بالإنزال ، لأن ما في الأرض من خير ، فمما أنزل الله من رزق ، من زرع وضرع ، (فجعلتم منه حراما وحلالا) هو ما حرموا من الحرث ومن الأنعام كالبحيرة ، والسائبة ، والوصيلة والحام. (قل آلله أذن لكم ) في هذا التحريم والتحليل ، (أم) بل ، (على الله تفترون) وهو قولهم : "والله أمرنا بها " .
{وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (60)}
قوله: (وما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة ) أيحسبون أن الله لا يؤاخذهم به ولا يعاقبهم عليه ، إذ يضيفون إليه تحريم مالم يحرمه عليهم من الأرزاق والأقوات (إن الله لذو فضل على الناس} بتركه معاجلة من افترى عليه الكذب بالعقوبة في الدنيا بإمهاله إياه، {ولكن أكثرهم لا يشكرون) لا يشكرون الله على تفضله عليهم بذلك.
{وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ۚ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (61)}
قوله عز وجل : (وما تكون) يا محمد، (في شأن) عمل من الأعمال، وجمعه شئون ، ( وما تتلو منه من قرآن) وما تتلو من كتاب الله من آيات ، (ولا تعملون من عمل) من خير أو شر ( إلا كنا عليكم شهودا) مطلعين عليه (إذ تفيضون فيه) أي: تدخلون وتخوضون فيه، الهاء عائدة إلى العمل ، والإفاضة : الدخول في العمل.
(وما يعزب عن ربك) يغيب عن ربك، (من مثقال ذرة) أي: مثقال ذرة ، و " من " صلة ، والذرة هي : النملة الحميراء الصغيرة . ( في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ) أي : من الذرة ، ( ولا أكبر ) ، ( إلا في كتاب مبين ) وهو اللوح المحفوظ.
{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)}
قوله تعالى : (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم) في الآخرة من عقاب الله ( ولا هم يحزنون) على ما فاتهم من حظوظ الدنيا.
{الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63)}
قوله: (الذين آمنوا) صدَّقوا الله واتَّبعوا رسوله.(وكانوا يتقون ) بامتثال أوامره، واجتناب معاصيه.
{لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۚ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)}
قوله: ( لهم البشرى في الحياة الدنيا ) لهؤلاء الأولياء البشارة من الله في الحياة الدنيا بما يسرهم ، لما روى مسلم في صحيحه عن أبي ذر أنه قال: قِيلَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ العَمَلَ مِنَ الخَيْرِ وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عليه؟ قالَ:" تِلكَ عَاجِلُ بُشْرَى المُؤْمِنِ..." .(وفي الآخرة ) أي: ولهم في الآخرة الجنة. (لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ ) أي : هذا الوعد لا يخلف ولا يُغيَّر. (ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)؛ لأنه اشتمل على النجاة من كل محذور، والظفر بكل مطلوب.
{وَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ ۘ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ۚ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (65)}
قوله:(ولا يحزنك قولهم) يعني: قول المشركين في ربهم وافتراؤهم عليه، وإشراكهم معه الأوثان والأصنام،(إن العزة لله) يعني الغلبة والقدرة لله (جميعا) هو ناصرك، وناصر دينك، والمنتقم منهم .
(هُوَ السَّمِيعُ) لأقوالهم (الْعَلِيمُ) بنياتهم وأفعالهم.
{أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ ۗ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (66)}
قوله:(ألا إن لله من في السماوات ومن في الأرض) من الملائكة والإنس والجن وغير ذلك، (وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء ) (ما) نافية، والمعنى: وما يتبعون حقيقة؛ لأنهم يعبدونها على ظن أنهم شركاء فيشفعون لنا، وليس على ما يظنون. (إن يتبعون إلا الظن ) يظنون أنها تقربهم إلى الله تعالى، ( وإن هم إلا يخرصون ) يكذبون فيما ينسبونه إلى الله.
{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (67)}
قوله: (هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه ) لتهدؤوا من عناء الحركة في طلب المعاش (والنهار مبصرا ) لتبصروا فيه، ولتسعوا لطلب رزقكم ، (إن في ذلك لآيات ) لدلالة وحججا على أن الله وحده هو المستحق للعبادة (لقوم يسمعون) هذه الحجج ويتفكرون فيها.
{قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ۗ سُبْحَانَهُ ۖ هُوَ الْغَنِيُّ ۖ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۚ إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَٰذَا ۚ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (68)}
قوله: (قالوا)أي المشركين، (اتخذ الله ولدا) وهو قولهم الملائكة بنات الله، (سبحانه هو الغني) تنزَّه عن خلقه، (له ما في السماوات وما في الأرض) كل من في السماوات والأرض خاضع لله وملكٌ له ، (إن عندكم) ما عندكم ، (من سلطان بهذا) حجة وبرهان ، (أتقولون على الله ما لا تعلمون) الاستفهام يراد به الإنكار والوعيد والتهديد.
{قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (69)}
قوله:(قل إن الذين يفترون على الله الكذب )أي: يختلقون على الله الكذب باتخاذ الولد (لا يفلحون) أي لا يفوزون .
{مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (70)}
قوله: (متاع في الدنيا) قليل يتمتعون به إلى انقضاء آجالهم: و" متاع " رفع بإضمار ، أي : هو متاع ، (ثم إلينا مرجعهم) أي: يوم القيامة (ثم نذيقهم العذاب الشديد) الموجع المؤلم ( بما كانوا يكفرون ) بسبب كفرهم واختلاقهم على الله الكذب.
{۞ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنظِرُونِ (71)}
قوله تعالى: (واتل عليهم نبأ نوح) أي : اقرأ يا محمد على أهل مكة خبر نوح ( إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم) عظم وثقل عليكم، (مقامي) أي: مكثي فيكم (وتذكيري) ووعظي إياكم (بآيات الله) بحججه وبيناته، (فعلى الله توكلت) فعلى الله اعتمادي وبه ثقتي( فأجمعوا أمركم ) أي : أحكموا أمركم واعزموا عليه ، (وشركاءكم ) أي: آلهتكم ، فاستعينوا بها لتجتمع معكم (ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ) أي : ملتبسًا، (ثم اقضوا إلي) أي: أمضوا ما في أنفسكم وافرغوا منه ، (ولا تنظرون) ولا تؤخرون وهذا على طريق التعجيز ، أخبر الله عن نوح أنه كان واثقا بنصر الله تعالى غير خائف من كيد قومه ، علما منه بأنهم وآلهتهم ليس إليهم نفع ولا ضر إلا أن يشاء الله
{فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ ۖ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (72)}
قوله: (فإن توليتم) أعرضتم عن قولي وقبول نصحي ، (فما سألتكم) على تبليغ الرسالة والدعوة ، (من أجر) جعل وعوض ، (إن أجري) ما أجري وثوابي ، (إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين) أي: من المنقادين لحكم الله.
{فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۖ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ (73)}
قوله: ( فكذبوه ) يعني نوحا ( فنجيناه ومن معه في الفلك وجعلناهم خلائف ) أي : جعلنا الذين معه في الفلك سكان الأرض خلفاء عن الهالكين . (وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا) جحدوا حججنا ( فانظر كيف كان عاقبة المنذرين ) أي : آخر أمر الذين أنذرتهم الرسل فلم يؤمنوا عذاب الله وبأسه.
{ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِن قَبْلُ ۚ كَذَٰلِكَ نَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (74)}
قوله:(ثم بعثنا من بعده رسلا) أي: من بعد نوح رسلا [هودا وصالحا وإبراهيم وشعيبا وغيرهم]. (إلى قومهم فجاءوهم بالبينات ) بالدلالات الواضحات ، (فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل) أي : بما كذب به قوم نوح من قبل ، (كذلك نطبع) أي: نختم ، (على قلوب المعتدين) وهم الذين تجاوزوا حدود الله ، وخالفوا ما دعاهم إليه رسلهم من طاعته عقوبة لهم على معاصيهم.
{ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَىٰ وَهَارُونَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ (75)}
قوله: (ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم) من بعد أولئك الرسل(مُّوسَىٰ وَهَارُونَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ) يعني: أشراف قومه، (بِآيَاتِنَا) بالمعجزات الدالة على صدقهما (فَاسْتَكْبَرُوا) عن قبول الحق (وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ ) مشركين.
{فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا إِنَّ هَٰذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ (76)}
قوله:( فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا إن هذا لسحر مبين) . فلما أتى فرعونَ وقومَه المعجزات التي جاء بها موسى قالوا: إن الذي جاء به موسى من المعجزات إنما هو سحر ظاهر .
{قَالَ مُوسَىٰ أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ ۖ أَسِحْرٌ هَٰذَا وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (77)}
قوله: (قال موسى) قال لهم موسى عليه السلام متعجبا من قولهم: ( أتقولون للحق لما جاءكم أسحر هذا ) تقدير الكلام : أتقولون للحق لما جاءكم سحر ، أسحر هذا ، فحذف السحر الأول اكتفاء بدلالة الكلام عليه . (ولا يفلح الساحرون ) ولا يفوزون في الدنيا ولا في الآخرة.
{قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ (78)}
قوله: (قالوا) يعني: فرعون وقومه لموسى، (أجئتنا لتلفتنا) لتصرفنا،(عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء) الملك والسلطان، (في الأرض)أرض مصر،(وما نحن لكما بمؤمنين ) بمصدقين .
{وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (79)} جيئوني بكل ساحر متقن للسحر.
{فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَىٰ أَلْقُوا مَا أَنتُم مُّلْقُونَ (80)}
قوله: (فلما جاء السحرة قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون).إنما قال لهم ذلك؛ لأنهم اصطفوا، وقد وعدوا من فرعون بالتقريب والعطاء الجزيل .ومعنى:(ألقوا ما أنتم ملقون)أي:اطرحوا على الأرض ما معكم من حبالكم وعصيكم.
{فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَىٰ مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ ۖ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (81)}
قوله:( فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر ) فلما ألقوا حبالهم وعصيهم قال لهم موسى إن الذي جئتم به وألقيتموه هو السحر، (إن الله سيبطله) إن الله سيذهب ما جئتم به ( إن الله لا يصلح عمل المفسدين ) من سعى في أرض الله بما يكرهه، وأفسد فيها بمعصيته.
{وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (82)}
قوله:(ويحق الله الحق بكلماته)ويثبت الله الحق الذي جئتكم به بأمره، ( ولو كره المجرمون ) أصحاب المعاصي من آل فرعون.
{فَمَا آمَنَ لِمُوسَىٰ إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَىٰ خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ ۚ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ (83)}
قوله:( فما آمن لموسى ) لم يصدق موسى مع ما آتاهم به من الحجج والبراهين ، ( إلا ذرية من قومه ) من بني إسرائيل. (على خوف من فرعون وملئهم) أي: وأشراف قومهم( أن يفتنهم ) أي: يصرفهم عن دينهم ولم يقل يفتنوهم لأنه أخبر عن فرعون وكان قومه على مثل ما كان عليه فرعون ، (وإن فرعون لعال) لمتكبر، (في الأرض وإنه لمن المسرفين) المجاوزين الحد ، لأنه كان عبدا فادَّعى الربوبية.
{وَقَالَ مُوسَىٰ يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ (84)}
قوله:(وقال موسى) لمؤمني قومه، (يا قوم إن كنتم آمنتم بالله) إن صدقتم بالله، وامتثلتم شرعه .
( فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين ) فثقوا به وسلموا لأمره إن كنتم مذعنين له بالطاعة.
{فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85)}
قوله: (فقالوا على الله توكلنا) اعتمدنا ، ثم دعوا فقالوا، (ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ) أي : لا تظهرهم علينا ولا تهلكنا بأيديهم ، فيظنوا أنا لم نكن على الحق فيزدادوا طغيانا.
{وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (86)}
قوله:{وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ} أي خلصنا برحمة منك {مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} الذين كفروا الحق وستروه.
{وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (87)}
قوله تعالى: (وأوحينا إلى موسى وأخيه) هارون، (أن تبوآ لقومكما بمصر بيوتا) أي: اتخذا بمصر بيوتا، (واجعلوا بيوتكم قبلة) واجعلوا بيوتكم أماكن تصلُّون فيها عند الخوف.(وأقيموا الصلاة) وأدوا الصلاة المفروضة في أوقاتها. (وبشر المؤمنين ) المطيعين لله بالنصر المؤزر والثواب الجزيل.
{وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ ۖ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (88)}
قوله تعالى:(وقال موسى ربنا إنك آتيت) أعطيت (فرعون وملأه) أشراف قومه (زينة) من متاع الدنيا، (وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك) اللام : هي لام العاقبة يعني: فيضلوا وتكون عاقبة أمرهم الضلال. (ربنا اطمس على أموالهم) أي: امحقها، فلا ينتفعوا بها.(واشدد على قلوبهم ) أي: أقسها واطبع عليها حتى لا تلين ولا تنشرح للإيمان، (فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ) العذاب الشديد الموجع ، وهذه الدعوة كانت من موسى عليه السلام غضبا لله ولدينه على فرعون وملئه الذين تبين له أنه لا خير فيهم.
{قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (89)}
قوله:(قال) " الله تعالى لموسى وهارون ، ( قد أجيبت دعوتكما ) إنما نسب إليهما والدعاء كان من موسى لأنه روي أن موسى كان يدعو وهارون يؤمن، والتأمين دعاء . ( فاستقيما ) على الرسالة والدعوة ، وامضيا لأمري إلى أن يأتيهم العذاب (ولا تتبعانِّ) نهي بالنون الثقيلة ، ومحله جزم ، (سبيل الذين لا يعلمون) يعني : ولا تسلكا طريق الذين يجهلون حقيقة وعدي ، فإن وعدي لا خلف فيه ، ووعيدي نازل بفرعون وقومه .
{۞ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90)}
قوله:(وجاوزنا ببني إسرائيل البحر) عبرنا بهم (فأتبعهم فرعون وجنوده) لحقهم.(بغيا وعدوا) أي: ظلما واعتداء. وكان البحر قد انفلق لموسى وقومه، فسلك فرعون وجنوده البحر وراءهم (حتى إذا أدركه الغرق) أي: غمره الماء وقرب هلاكه، (قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل) فآمن حيث لا ينفعه الإيمان(وأنا من المسلمين ) من الموحدين المستسلمين بالانقياد والطاعة .
{آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91)}
قوله: (آلآن وقد عصيت قبل) أي: أهذا الوقت تقرُّ لله بالعبودية، وتستسلم له بالذلة، وتخلص له الألوهة، وقد عصيته قبل نـزول نقمته بك ، فأسخطته على نفسك ، فهلا وأنت في مَهَلٍ ، وباب التوبة لك منفتح ، أقررت بما أنت به الآن مقرٌّ (وكنت من المفسدين) في الأرض، الصادِّين عن سبيله .
{فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ۚ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92)}
قوله:(فاليوم ننجيك) أي نلقيك على مرتفع من الأرض. (ببدنك) بجسدك لا روح فيه . ( لتكون لمن خلفك آية ) عبرة وعظة ، (وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون) عن حججنا لا يتفكرون فيها ولا يعتبرون.
{وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّىٰ جَاءَهُمُ الْعِلْمُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (93)}
قوله:(ولقد بوأنا بني إسرائيل) أنزلنا بني إسرائيل بعد هلاك فرعون، (مبوأ صدق) منزل صدق ، يعني: مصر والشام ، مما يلي بيت المقدس ونواحيه (ورزقناهم من الطيبات) أي: الرزق الحلال الطيب، (فما اختلفوا) يعني اليهود الذين كانوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في تصديقه وأنه نبي، (حتى جاءهم العلم) يعني: القرآن والبيان بأنه رسول لله صدق ، ودينه حق . (إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون) أي يحكم بينهم ويفصل يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون في الدنيا ، فيثيب الطائع ويعاقب العاصي .
{فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ ۚ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (94)}
قوله تعالى: (فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك) يعني: القرآن (فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك)، فيخبرونك أنه مكتوب عندهم في التوراة كعبد الله بن سلام . وهذا خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم والمراد به غيره على عادة العرب ، فإنهم يخاطبون الرجل ويريدون به غيره ، كقوله تعالى : " يا أيها النبي اتق الله " ( الأحزاب - 1 ) ، خاطب النبي صلى الله عليه وسلم والمراد به المؤمنون ، بدليل أنه قال : " إن الله كان بما تعملون خبيرا " ولم يقل : "بما تعمل" ، ( لقد جاءك الحق من ربك) أي: اليقين الذي لا شك فيه( فلا تكونن من الممترين ) من الشاكين في صحة ذلك.
{وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (95)}
قوله: (ولا تكونن ) أيها الرسول (من الذين كذبوا بآيات الله) بحججه وأدلته ( فتكون من الخاسرين) الذين سخط الله عليهم فنالوا عقابه، وهذا كله خطاب مع النبي صلى الله عليه وسلم والمراد منه غيره.
{إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (96)}
قوله تعالى: (إن الذين حقت عليهم ) وجبت عليهم ، (كلمة ربك) لعنته . (لا يؤمنون) لا يقرون بوحدانيته ولا يعملون بشرعه.
{وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (97)}
قوله:(ولو جاءتهم كل آية) موعظة وعبرة، (حتى يروا العذاب الأليم) حتى يعاينوا العذاب الموجع، فحينئذ يؤمنون ولا ينفعهم إيمانهم .
{فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ (98)}
قوله تعالى: ( فلولا كانت قرية) أي: فهلا كانت قرية، أي: أهلها، والاستفهام يراد به النفي، (آمنت) عند معاينة العذاب، ( فنفعها إيمانها ) في حالة البأس (إلا قوم يونس لما آمنوا) فإنه نفعهم إيمانهم في ذلك الوقت. ( كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين ) وهو وقت انقضاء آجالهم. والمعنى: أن الإيمان وقت نزول العذاب لم ينفع أحدا من قبل إلا قوم يونس نفعهم إيمانهم فكشف عنهم العذاب.
{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99)}
قوله تعالى : (ولو شاء ربك) يا محمد ، (لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) هذه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وذلك أنه كان حريصا على أن يؤمن جميع الناس، فأخبره الله جل ذكره: أنه لا يؤمن إلا من قد سبق له من الله السعادة ، ولا يضل إلا من سبق له الشقاوة.
{وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (100)}
قوله: (وما كان لنفس) ما كانت نفس، (أن تؤمن إلا بإذن الله) بأمر الله (ويجعل الرجس) أي : العذاب، (على الذين لا يعقلون) عن الله أمره ونهيه .
{قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ (101)}
قوله:(قل انظروا ماذا في السماوات والأرض) يرشد عبادَه إلى التفكر في آلائه، وما خلق في السماوات والأرض من الآيات والدلائل والعبر، (وما تغني الآيات) وما تجدي الدلائل (والنذر ) الرسل المنذرة ، (عن قوم لا يؤمنون) وهذا في قوم علم الله أنهم لا يؤمنون.
{فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِهِمْ ۚ قُلْ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ (102)}
قوله:(فهل ينتظرون) يعني : مشركي مكة ، (إلا مثل أيام الذين خلوا) مضوا ، (من قبلهم) من مكذبي الأمم ، (قل فانتظروا) عقاب الله ( إني معكم من المنتظرين) عقابكم .
{ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا ۚ كَذَٰلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ (103)}
قوله تعالى: {ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا ۚ }أي: من سنتنا إذا أنزلنا بقوم عذابا أخرجنا من بينهم الرسل والمؤمنين ،{كَذَٰلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ} أي واجبا علينا ؛ لأنه أخبر ولا خلف في خبره
{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَلَٰكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ ۖ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (104)}.
قوله تعالى : (قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني ) في شك من صحة ما جئتكم من الدين الحنيف الذي أوحاه الله إليَّ ، ( فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ) من الأوثان، (ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم ) يميتكم ويقبض أرواحكم، (وأمرت أن أكون من المؤمنين) من المصدقين، العاملين بشرعه.
{وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (105)}
قوله: (وأن أقم وجهك للدين) استقم على الدين (حنيفا) أي: منحرفا عن الشرك . (ولا تكونن من المشركين) ممن يشرك في عبادة ربه الآلهة والأنداد، وإن كان الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه موجه لعموم الأمة.
{وَلَا تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ ۖ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ (106)}
قوله: (ولا تدع ) ولا تعبد، (من دون الله ما لا ينفعك) إن أطعته ، ( ولا يضرك ) إن عصيته ، ( فإن فعلت ) فعبدت غير الله ، ( فإنك إذا من الظالمين ) الضارين لأنفسهم الواضعين للعبادة في غير موضعها . وإن كان الخطاب للرسول ، صلى الله عليه وسلم، فإنه موجه لعموم الأمة.
{وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ۖ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ ۚ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۚ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107)}
قوله:(وإن يمسسك الله بضر) أي: يصبك بشدة وبلاء، (فلا كاشف له إلا هو) فلا دافع له، ( وإن يردك بخير) رخاء ونعمة وسعة، (فلا راد لفضله) فلا مانع لرزقه، (يصيب به من يشاء من عباده) بكل واحد من الضر والخير، (وهو الغفور) لذنوب مَنْ تاب(الرحيم) لم آمن به وأطاعه.
{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۖ وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ (108)}
قوله: (قل ياأيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم) يعني: القرآن والإسلام ، (فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ) أي: على نفسه، ووباله عليه ، (وما أنا عليكم بوكيل ) وما أنا موكل بكم حتى تكونوا مؤمنين، إنما أنا رسول مبلغكم ما أرسلت به.
{وَاتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىٰ يَحْكُمَ اللَّهُ ۚ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (109)}
قوله: (وَاتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ ) تمسك بما أنزل الله عليك، (وَاصْبِرْ) على مخالفة من خالفك من الناس.
(حَتَّىٰ يَحْكُمَ اللَّهُ ۚ) حتى يقضي الله فيهم وفيك أمره، (وهو خير الحاكمين) فإن حكم مشتمل على العدل التام .
تم بحمد الله تفسير سورة يونس