قوله: {وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ} من شرك وكبائر، وصغائر {ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا} بأن ندموا على ما مضى، {إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا} أي: بعد هذه الحالة، حالة التوبة من السيئات والرجوع إلى الطاعات، {لَغَفُورٌ} يغفر السيئات ويمحوها.{رَّحِيمٌ} بهم، وبكل من تاب إلى الله .
{وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ ۖ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154)}
قوله: (ولما سكت عن موسى الغضب) أي: سكن، (أخذ الألواح) التي كان ألقاها  (وفي نسختها ) وفيما كتب له فيها ، (هدى ورحمة) أي: هدى من الضلالة ورحمة من العذاب، ( للذين هم لربهم يرهبون) أي: للخائفين من ربهم.
{وَاخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِّمِيقَاتِنَا ۖ فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ ۖ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا ۖ إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاءُ وَتَهْدِي مَن تَشَاءُ ۖ أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۖ وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155)}
قوله: (وَاخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا) مِن خيارهم، وخرج بهم إلى طور "سيناء" للوقت والأجل الذي واعده الله أن يلقاه فيه بهم للتوبة مما كان من سفهاء بني إسرائيل من عبادة العجل، فلما أتوا ذلك المكان قالوا : لن نؤمن لك -يا موسى- حتى نرى الله جهرة فإنك قد كلَّمته فأرِنَاهُ،(فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) الزلزلة الشديدة، فقام موسى يتضرع إلى الله ويقول: ( رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ ۖ ) رب ماذا أقول لبني إسرائيل إذا أتيتُهم، وقد أهلكتَ خيارهم ؟ لو شئت أهلكتهم جميعًا من قبل هذا الحال وأنا معهم، فإن ذلك أخف عليَّ، (أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا ۖ) بما فعله سفهاء الأحلام منا ؟ (إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاءُ وَتَهْدِي مَن تَشَاءُ) ما هذه الفعلة التي فعلها قومي من عبادتهم العجل إلا ابتلاءٌ واختبارٌ، تضلُّ بها مَن تشاء مِن خلقك، وتهدي بها من تشاء هدايته، (أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۖ وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ )أنت وليُّنا وناصرنا، فاغفر ذنوبنا، وارحمنا برحمتك، وأنت خير مَن صفح عن جُرْم، وستر عن ذنب.
{۞ وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ۚ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ ۖ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156)}
قوله( واكتب لنا ) أوجب لنا ( في هذه الدنيا حسنة ) النعمة والعافية ، ( وفي الآخرة حسنة) أي المغفرة والجنة، (إنا هدنا إليك) أي: تبنا إليك ، (قال)أي: الله تعالى: (عذابي أصيب به من أشاء ) من خلقي، (ورحمتي وسعت كل شيء) عمت كل شيء، (فسأكتبها للذين يتقون) يجتنبون المعاصي صغارها وكبارها (وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) ويؤدون الزكاة الواجبة لمستحقيها (وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ)  ومن تمام الإيمان بآيات اللّه معرفة معناها، والعمل بمقتضاها، ومن ذلك اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ظاهرا وباطنا، في أصول الدين وفروعه.
{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)}
قوله: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأمِّيَّ)  المقصود بهذا محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب صلى الله عليه وسلم. والسياق في أحوال بني إسرائيل وأن الإيمان بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم شرط في دخولهم في الإيمان، وأن المؤمنين به المتبعين، هم أهل الرحمة المطلقة، التي كتبها اللّه لهم، ووصفه بالأمي لأنه من العرب الأمة الأمية، التي لا تقرأ ولا تكتب، وليس عندها قبل القرآن كتاب. (الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ) باسمه وصفته، التي من أعظمها وأجلها، ما يدعو إليه، وينهى عنه. وأنه (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) وهو كل ما عرف حسنه وصلاحه ونفعه. (وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ) وهو: كل ما عرف قبحه في العقول والفطر، وأعظم دليل يدل على أنه رسول اللّه، ما دعا إليه وأمر به، ونهى عنه، وأحله وحرمه، فإنه (يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ) من المطاعم والمشارب، والمناكح. (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) من المطاعم والمشارب والمناكح، والأقوال والأفعال. (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ ) كل ما يثقل على الإنسان من قول أو فعل .( وَالأغْلالَ)  يعني : الأثقال: (الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ) وذلك مثل: قتل الأنفس في التوبة، وقطع الأعضاء الخاطئة ، وقرض النجاسة عن الثوب بالمقراض، وتحريم أخذ الدية، وترك العمل في السبت، وأن صلاتهم لا تجوز إلا في الكنائس ، وغير ذلك من الشدائد ، والمعنى: ومن وصفه أن دينه سهل سمح ميسر، لا إصر فيه، ولا أغلال، ولا مشقات ولا تكاليف ثقال، ( فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ ) بمحمد صلى الله عليه وسلم (وَعَزَّرُوهُ) أي: عظموه وبجلوه (وَنَصَرُوهُ)على الأعداء (وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنـزلَ مَعَهُ) وهو القرآن، الذي يستضاء به في ظلمات الشك والجهالات، (أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الظافرون بخير الدنيا والآخرة، والناجون من شرهما، لأنهم أتوا بأكبر أسباب الفلاح. وأما من لم يؤمن بهذا النبي الأمي، ويعزره، وينصره، ولم يتبع النور الذي أنـزل معه، فأولئك هم الخاسرون.
{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)}
قوله تعالى: ( قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا)عربيكم، وعجميكم، أهل الكتاب منكم، وغيرهم.( الذي له ملك السماوات والأرض)  يتصرف فيهما بأحكامه وتدابيره( لا إله إلا هو ) لا معبود بحق، إلا اللّه وحده لا شريك له، ولا تعرف عبادته إلا من طريق رسله، (يُحْيِي وَيُمِيتُ) من جملة تدابيره: الإحياء والإماتة، التي لا يشاركه فيها أحد، (فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته ) أي: آياته وهي القرآن (وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) في مصالحكم الدينية والدنيوية، فإنكم إذا لم تتبعوه ضللتم ضلالا بعيدا.
{وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (159)}
قوله - عز وجل - : ( ومن قوم موسى ) يعني : بني إسرائيل ( أمة ) أي : جماعة ، ( يهدون بالحق ) أي: يرشدون ويدعون إلى الحق ، (وبه يعدلون) أي: بالحق يحكمون وبالعدل يقومون،  وكأن الإتيان بهذه الآية الكريمة فيه نوع احتراز مما تقدم، فإنه تعالى ذكر فيما تقدم جملة من معايب بني إسرائيل، المنافية للكمال المناقضة للهداية، فربما توهم متوهم أن هذا يعم جميعهم، فذكر تعالى أن منهم طائفة مستقيمة هادية مهدية.
{وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ ۖ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ۖ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ ۚ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ ۖ كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ۚ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (160)}
قوله: (وقطعناهم) أي: قسمناهم ، يعني بني إسرائيل، (اثنتي عشرة أسباطا أمما) أي: اثنتي عشرة قبيلة متعارفة متوالفة، كل بني رجل من أولاد يعقوب قبيلة.(وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه ) في التيه ، (أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست) انفجرت ، (منه اثنتا عشرة عينا ) لكل سبط عين (قد علم كل أناس) كل سبط ، (مشربهم) وكل سبط بنو أب واحد. (وظللنا عليهم الغمام ) في التيه تقيهم حر الشمس، (وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ) وهو الحلوى، (وَالسَّلْوَى) وهو لحم طير من أنواع الطيور وألذها، فجمع اللّه لهم بين الظلال، والشراب، والطعام الطيب، من الحلوى واللحوم، على وجه الراحة والطمأنينة. وقيل لهم:(كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا) أي: ما ضروا الله شيئا حين لم يشكروا اللّه، ولم يقوموا بما أوجب اللّه عليهم. (وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) حيث عرضوها للشر والنقمة، وهذا كان مدة لبثهم في التيه.
{وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَٰذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ ۚ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (161)}
قوله:(وإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ) أي: ادخلوها لتكون وطنا لكم ومسكنا، وهي (إيلياء)الواقعة   بين " مدين " و "الطور" على شاطئ البحر الأحمر، (وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ) وكانت كثيرة الأشجار، غزيرة الثمار، رغيدة العيش، فلذلك أمرهم اللّه أن يأكلوا منها حيث شاءوا. (وَقُولُوا) حين تدخلون الباب: (حِطَّةٌ) أي: احطط عنا خطايانا، واعف عنا. (وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا) أي: خاضعين لربكم مستكينين لعزته، شاكرين لنعمته، (نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنـزيدُ الْمُحْسِنِينَ ) من خير الدنيا والآخرة. 
{فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ (162)} 
قوله:{فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} أي: عصوا اللّه واستهانوا بأمره (قَوْلا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ) فقالوا بدل طلب المغفرة، وقولهم: حِطَّة (حبة في شعيرة)، وإذا بدلوا القول - مع يسره وسهولته - فتبديلهم للفعل من باب أولى، ولهذا دخلوا وهم يزحفون على أستاههم. (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ) حين خالفوا أمر اللّه وعصوه (رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ) أي: عذابا شديدا، إما الطاعون وإما غيره من العقوبات السماوية. وما ظلمهم اللّه بعقابه وإنما كان ذلك بـ (مَا كَانُوا يَظْلِمُونَ) أي: يخرجون من طاعة الله إلى معصيته، من غير ضرورة ألجأتهم ولا داع دعاهم سوى الخبث والشر الذي كان كامنا في نفوسهم.
{وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ ۙ لَا تَأْتِيهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163)}
قوله تعالى : (واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر) أي : سل يا محمد هؤلاء اليهود الذين هم جيرانك سؤال توبيخ وتقريع عن القرية التي كانت حاضرة البحر أي : بقربه . قال ابن عباس : هي قرية يقال لها " إيلة " بين " مدين " و "الطور" على شاطئ البحر. ( إذ يعدون في السبت ) أي : يظلمون فيه ويجاوزون أمر الله تعالى بصيد السمك ، (إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا) أي : ظاهرة على الماء كثيرة ، متتابعة .
وفي القصة : أنها كانت تأتيهم يوم السبت مثل الكباش السمان البيض .(ويوم لا يسبتون لا تأتيهم ) كإتيانهم يوم السبت، (كذلك نبلوهم) نختبرهم، (بما كانوا يفسقون) ففسقهم هو الذي أوجب أن يبتليهم اللّه، وأن تكون لهم هذه المحنة، وإلا فلو لم يفسقوا، لعافاهم اللّه، ولما عرضهم للبلاء والشر.
{وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ۙ اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ۖ قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164)}
قوله تعالى : (وإذ قالت أمة منهم) انقسم بنو إسرائيل إلى ثلاث فرق حينما نهاهم الله عن الصيد يوم السبت: فرقة عصت أمر الله وتحايلت عليه ووقعت في المعصية، والثانية أنكرت المعصية وقاموا بدورهم في الأمر بالمعروف والنهي عن الانكر، وفرقة ثالثة رأت المعصية وسكتت عنها فلم يأمروا بمعروف ولم ينكروا منكرا، وهذه هي الفرقة التي قالت لمن نهى عن المنكر:(لم تعظون قوما الله مهلكهم أومعذبهم عذابا شديدا ) ما دام أن الله معذبهم أو مهلكهم فلا داعي لوعظهم، (قالوا) أي: الناهون (معذرة إلى ربكم)  أي نفعل ذلك معذرة إلى ربكم، ومعناه أن الأمر بالمعروف واجب علينا فعلينا موعظة هؤلاء عذرا إلى الله، وليكون حجة عليهم أمام الله (ولعلهم يتقون) أي : يتقون الله ويتركوا المعصية ، وهذه هي الغاية من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165)}
قوله:(فلما نسوا ما ذكروا به) أي: تركوا ما وعظوا به ، (أنجينا الذين ينهون عن السوء) نجت الطائفتان الذين قالوا: لم تعظون قوما، والذين قالوا: معذرة إلى ربكم، وأهلك الله الذين أخذوا الحيتان، (وأخذنا الذين ظلموا) يعني الفرقة العاصية، (بعذاب بئيس) أي : شديد موجع ، من البأس وهو الشدة، (بما كانوا يفسقون ) بسبب مخالفتهم أمر الله .
{فَلَمَّا عَتَوْا عَن مَّا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166)}