الدرس 116 مدارس الفقه وأسباب ظهورها

المقال
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 19 ربيع الثاني 1441هـ | عدد الزيارات: 28213 القسم: الفوائد الكتابية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم اجتهد الصحابة في نشر العلم وتفقيه الناس ودعوتهم وانتشروا في أنحاء الأرض يبلغون دين الله تعالى فانتشر العلم في الأمصار الإسلامية فكان للعلم حواضر كثيرة ينهل منها المتعلمون من أهمها :

1- المدينة النبوية : وفيها الخلفاء الأربعة وعائشة وعبد الله بن عمر وزيد بن ثابت وغيرهم رضي الله عنهم .

2- مكة المكرمة : وفيها عبد الله بن عباس رضي الله عنهما .

3- الكوفة : وفيها عبد الله بن مسعود وأبو موسى الأشعري وسلمان رضي الله عنهم ثم انتقل إليها علي رضي الله عنهم .

4- البصرة : وفيها أنس وجابر رضي الله عنهما .

5- الشام : وفيها معاذ وأبو الدرداء ومعاوية رضي الله عنهم .

6- مصر : وفيها عمرو بن العاص وابنه رضي الله عنهما .

وفي أواخر القرن الأول الهجري وبداية القرن الثاني بدأت الآراء الفقهية تتجه نحو تكوين مدرستين كبيرتين لكل منهما منهج تختص به عن الأخرى وهاتان المدرستان هما :

المدرسة الأولى : مدرسة الحجاز

وتسمى مدرسة المدينة أو مدرسة الأثر وسبب هذه التسمية أن اعتماد مدرسة الحجاز كان على الأحاديث والآثار غالبا بسبب كثرتها عندهم ولقلة المسائل الحادثة في المجتمع الحجازي ذلك الوقت واجتنابهم المسائل الفقهية المفروضة غير الواقعة وليس معنى ذلك أنهم لا ينظرون في الرأي ولكن غلب عليهم النظر في الآثار .

ومن أشهر علماء هذه المدرسة فقهاء المدينة السبعة وهم :

سعيد بن المسيب ، وعُبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، والقاسم بن محمد بن أبي بكر ، وخارجة بن زيد ، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وسليمان بن يسار ، وعروة بن الزبير رحمهم الله تعالى .

المدرسة الثانية : مدرسة العراق :

وتسمى مدرسة الكوفة أو مدرسة الرأي وسبب هذه التسمية أن أهل العراق كثر عندهم في ذلك الوقت الأخذ بالرأي وذلك لكثرة المسائل الحادثة عندهم وقلة الأحاديث بالنسبة لما عند أهل الحجاز فلذلك احتاجوا لاستنباط الأحكام من النصوص القرآنية والأحاديث التي كانت عندهم بالنظر والتأمل حتى كثر ذلك عندهم فسُمّوا أهل الرأي .

ومن أشهر علماء هذه المدرسة :

علقمة النخعي ومسروق الهمداني وشريح القاضي وإبراهيم النخعي رحمهم الله تعالى .

ظهور المدارس المتبوعة :

قبل منتصف القرن الثاني الهجري وما بعده إلى منتصف القرن الثالث برز في الفقه عدد من العلماء الذين استفادوا ممن قبلهم فالتفَّ حولهم الطلاب ورجع الناس إليهم في الفتوى وجمعوا أقوالهم ودونوا مذاهبهم فمنهم : سفيان الثوري وسفيان بن عيينة والأوزاعي والليث بن سعد وإسحاق بن راهويه وداود الظاهري رحمهم الله تعالى .

ومن أشهرهم: الأئمة الأربعة الذين تنسب إليهم المذاهب المشهورة الباقية إلى يومنا وهم : أبو حنيفة النعمان بن ثابت ومالك بن أنس ومحمد بن إدريس الشافعي وأحمد بن حنبل رحمهم الله تعالى.

المذاهب الأربعة :

أولا : مذهب الحنفية

ورث علم أهل الكوفة إبراهيمُ النخعي ثم حماد بن أبي سليمان شيخ الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت المتوفى سنة 150هـ ثم انتهى علم مدرسة أهل الرأي إلى أبي حنيفة واجتمع عليه الطلاب واستفادوا منه واهتم بتفريع المسائل واشتهر عندهم الفقه الافتراضي فكانت المسألة تطرح في مجلس أبي حنيفة فيقال : أرأيت إن كان كذا وكذا فما الحكم ؟ فيجيب عنها أبو حنيفة ويناقشه الطلاب في ذلك ويحاورونه .

وكان من طلاب أبي حنيفة : أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم ، تولى رئاسة القضاء في أيام الرشيد فنشر مذهب أبي حنيفة في الكوفة وغيرها .

ثانيا : مذهب المالكية :

اشتهر في المدينة الفقهاء السبعة ثم أتى بعدهم الإمام مالك بن أنس المتوفى سنة 179هـ فانتهى إليه علم أهل المدينة وصار هو المرجع في الحديث وفي الفتوى بالمدينة ورحل إليه طلاب العلم من كل مكان ثم تفرق هؤلاء الطلاب الذين أصبحوا فيما بعد علماء ونشروا علم مالك خاصة في مصر والمغرب الإسلامي .

ثالثا : مذهب الشافعية .

في منتصف القرن الثاني ولد الإمام محمد بن إدريس الشافعي المتوفى سنة 204هـ وتتلمذ على علماء أجلاء منهم الإمام مالك كما أنه تتلمذ أيضا على محمد بن الحسن تلميذ الإمام أبي حنيفة وجمع بين فقه المدرستين ولكنه إلى مذهب أهل المدينة أقرب ونشر علمه في العراق وتتلمذ عليه جمع غفير ثم انتقل إلى مصر وتغيرت بعض اجتهاداته في مصر عنها في العراق ولهذا سميت آراؤه في العراق بمذهبه القديم وفي مصر بالمذهب الجديد .

رابعا : مذهب الحنابلة :

نشأ الإمام أحمد بن محمد بن حنبل المتوفى سنة 241هـ وطلب العلم في بغداد ورحل في طلب العلم واهتم بجمع الحديث ونقد الرواة وكان من شيوخ الإمام أحمد الإمام الشافعي فاستفاد منه في الرأي وفي معرفة بعض المباحث المتعلقة بعلم الحديث كالناسخ والمنسوخ ثم جلس الإمام أحمد لنفع الناس ونشر العلم فانتشر مذهبه في العراق خاصة في عهد المتوكل الذي رفع المحنة عن العلماء في مسألة القول بخلق القرآن .

هكذا ظهرت المذاهب الأربعة وانتشرت في الأقطار وهؤلاء الأئمة وإن اختلفوا في بعض الأحكام الشرعية إلا أنهم متفقون في أصول الدين والحمد لله .

بين الشريعة والفقه :

الشريعة هي دين الله تعالى الذي لا يتطرق إليه الخلل بوجه من الوجوه وأما الفقه فهو نتيجة اجتهاد الفقهاء في التعرف على الأحكام العملية من الأدلة الشرعية واجتهادهم هذا قد يعرض له الخطأ في بعض الأحيان إذ هم غير معصومين في أفرادهم وإن كانوا بحمد الله تعالى لا يجتمعون على ضلالة .

كما أن الشريعة تشمل كل ما جاء به القرآن والسنة من العقائد والأحكام والأخلاق والآداب أما الفقه فهو خاص بالأحكام العملية كما تقدم بيانه .

وبالله التوفيق

1441-1-27هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

3 + 7 =

/500
روابط ذات صلة
المقال السابق
الفوائد الكتابية المتشابهة المقال التالي