الأخوة

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 19 محرم 1439هـ | عدد الزيارات: 1286 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله رب العالمين، جعل المؤمنين أخوةً في الدين متحابين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة الحق واليقين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصادق الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً

أما بعد، أيها الناس

اتقوا الله تعالى، واعلموا أن الأخوة في الدين تعلو الأخوة في النسب، فالله أمر بالمؤاخاة بين المؤمنين، ولو اختلفت أنسابهم وتباعدت أوطانهم، فقال تعالى (إنما المؤمنون إخوة)الحجرات:10، وأمر بمعاداة الكافرين ولو تقاربت أنسابهم، فقال تعالى(يا أيها الذين ءامنوا لا تتخذوا ءاباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون) التوبة: 23

ولهذه الأخوة بين المؤمنين حقوق عظيمة قد بينها الله ورسوله في الكتاب والسنة، تجب مراعاتها

ومن هذه الحقوق وجوب الإصلاح عندما يحصل اختلاف، أو تظهر عداوة، قال تعالى (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين* إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون) الحجرات: 9-10

ومن حقوق الأخوة تعظيم بعضهم لحرمات بعض، قال تعالى (يا أيها الذين ءامنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون) الحجرات: 11

ينهى سبحانه المؤمنين في هذه الآية الكريمة عن سخرية بعضهم من بعض رجالاً ونساءً، فربما يكونُ المسخورُ منه خيراً من الساخر في الدنيا والآخرة، والسخرية لا تصدر إلا من ناقص

ونهى سبحانه عن اللمز، وهو الطعن في حق المسلم، وعن التنابز بالألقاب، وهو أن يدعى الإنسان بغير ما سمي به، واللقب ما يسوء الشخص سماعه

قال بعض المفسرين: ومنه قول: يا فاسق، يا كلب، يا حمار، وقد سمى الله السخرية واللمز، والتنابز بالألقاب فسوقاً مما يدل على قبح ذلك وشناعته ووجوب الابتعاد عنه

ومن حقوق الأخوة: تجنب إساءة الظن، والتجسس والغيبة، قال تعالى (يا أيها الذين ءامنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم) الحجرات: 12، وذلك بأن يظن بأهل الخير شراً، (ولا تجسسوا) الحجرات: 12، والتجسس هو البحث عن عيوب الناس، نهى الله عن البحث عن المستور من عيوب الناس وتتبع عوراتهم (ولا يغتب بعضكم بعضاً) الحجرات: 12

وفسر النبي صلى الله عليه وسلم الغيبة بأنها ذكرك أخاك بما يكره، والغيبة محرمة بالإجماع تحريماً شديداً، وقد شبهها الله بأكل اللحم من الإنسان الميت، فقال سبحانه (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه) الحجرات: 12

أي: كما تكرهون هذا طبعاً فاكرهوا ذلك شرعاً، فإن عقوبته أشد من هذا

ومن حقوق الأخوة: التعاون على البر والتقوى، وعلى تحصيل مصالحهم ودفع المضار عنهم، قال تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) المائدة: 2

وقال النبي صلى الله عليه وسلم (مثل المسلمين في توادهم، وتعاطفهم، وتراحمهم، كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)رواه مسلم. فالمسلم يفرح لفرح أخيه ويسره ما يسره، ويتألم لألمه

ومن حقوق الأخوة: التناصح بينهم ، والتآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر، قال تعالى (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم) التوبة: 71

وقال النبي صلى الله عيه وسلم (الدين النصيحة) ثلاث مرات، قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: (لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم)رواه النسائي وصححه الألباني.

ومن حقوق الأخوة: أن يحب المؤمن لأخيه ما يحب لنفسه، كما قال صلى الله عليه وسلم (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)رواه البخاري.

ومن حقوق الأخوة: عدم الغش والخديعة للمسلمين، قال صلى الله عليه وسلم (من غشنا فليس منا)رواه ابن حبان في صحيحه. ومن ذلك الغش في البيع والشراء، فعن حكيم بن حزام رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا البيعان وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا فعسى أن يربحا ربحاً ويُمحقا بركة بيعهما، واليمين الفاجرة منفقة للسلعة ممحقة للكسب) رواه البخاري ومسلم

وعن رفاعة بن رافع رضي الله عنهما: أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلى، فرأى الناس يتبايعون فقال: يا معشر التجار، فاستجابوا لرسول الله ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه، فقال: إن التجار يبعثون يوم القيامة فجاراً إلا من اتقى الله وبر وصدق) رواه الترمذي وصححه الألباني

وعن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، قال: فقرأها رسول الله ثلاث مرارٍ، فقلت: خابوا وخسروا يا رسول الله، ومن هم؟ قال: المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحَلف الكاذب) رواه مسلم

ومن حقوق الأخوة: احترام حقوقهم التي سبقوا إليها، فلا يبع بعضهم على بيع بعض، بأن يقول لمن اشترى سلعة بثمن: أنا أعطيك مثلها أو أحسن منها بأقل من ذلك الثمن، ولا يَسُم بعضهم على سَوم بعض، وذلك إذا سام سلعة وأراد صاحبها أن يبيع عليه جاء آخر وقال له: لا تبع، أنا أزيد في السوم

ولا يخطب على خطبة أخيه، وذلك إذا خطب امرأة رضيت به جاء آخر يخطبها، فقد نهى النبي عن هذه الأشياء كلها فقال (لا يبع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبته)رواه مسلم.

ومما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: التناجش يبن المسلمين، وهو أن يزيد في السلعة المعروضة للبيع من لا يريد شراءها، وإنما يريد رفع قيمتها على المشتري، قال صلى الله عليه وسلم (لا تحاسدوا ولا تناجشوا، ولا تباغضوا ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض)رواه مسلم.

والتدابر: أن يُعرض عن الإنسان ويهجره ويجعله كالشيء الذي وراء الظهر والدبر

ومن حقوق الأخوة: التزاور فيما بينهم، وإفشاء السلام، وقضاء حوائجهم، والرفق بضعفائهم، وتوقير كبارهم، ورحمة صغارهم، وعيادة مرضاهم، واتباع جنائزهم، قال صلى الله عليه وسلم (حق المسلم على المسلم خمس: عيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس) متفق عليه

ومن حقوق الأخوة: دُعاء بعضهم لبعض، قال تعالى لما ذكر المهاجرين والأنصار (والذين جآءو من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين ءامنوا ربنا إنك رءوف رحيم) الحشر: 10، وقال تعالى (واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات) محمد: 19

فالمؤمنون أخوة في جميع الأزمان، من أول الخليقة إلى آخرها، وفي جميع أقطار الأرض وإن تباعدت ديارهم، يدعو بعضهم لبعض، ويستغفر بعضهم لبعض، ويحب بعضهم بعضاً، ويعين بعضهم بعضاً على البر والتقوى، وينصح بعضهم لبعض، ويصدقون في تعاملهم فيما بينهم، ويحترم بعضهم حقوق بعض، لأن الله ربط بينهم برابطة الإيمان التي هي أقوى من رابطة النسب والوطن واللغة

فاتقوا الله عباد الله وراعوا حقوق هذه الأخوة، ولا تضيعوها فتكونوا من الخاسرين (يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون * واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون * ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون * ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم) آل عمران: 102 – 105

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً

أما بعد، أيها الناس

اتقوا الله تعالى، واعلموا أن من الناس من يدعي الإيمان مكراً وخداعاً لأذية المؤمنين، وهو في باطن الأمر من المنافقين، قال تعالى (ومن الناس من يقول ءامنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين * يخادعون الله والذين ءامنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون * في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون * وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون * ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون * وإذا قيل لهم ءامنوا كما ءامن الناس قالوا أنؤمن كما ءامن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون * وإذا لقوا الذين ءامنوا قالوا ءامنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزءون * الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون) البقرة: 8 – 15

همهم تتبع عورات المسلمين ومحاولة تفريق كلمتهم، وفيهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان في قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من يتتبع عوراتهم يتتبع الله عورته، ومن يتتبع الله عورته يفضحه في بيته) رواه أبو داود وصححه الألباني

ومن الناس من يكون مؤمناً ضعيف الإيمان، فيتصف ببعض صفات المنافقين، فيكذب في الحديث ويخون في الأمانة، ويفجر في الخصومة، وفي مثل هؤلاء قال النبي صلى الله عليه وسلم (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان)رواه النسائي وصححه الألباني ، فاتقوا الله وكونوا مؤمنين حقا كما أمركم الله بذلك

ألا وصلوا وسلموا رحمكم الله على النبي المصطفى، والرسول المجتبى، كما أمركم بذلك ربكم جل وعلا، فقال تعالى (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما)الأحزاب:56.

اللهم صل وسلم وبارك وأنعم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه، وارض اللهم عن خلفائه الأربعة، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر صحابة نبيك محمد

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين وأنصر عبادك الموحدين، ودمر أعداءك أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل عبادك المؤمنين

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين

اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم، اللهم أصلح له بطانته يا ذا الجلال والإكرام

اللهم آنس وحشتنا في القبور، وآمن فزعنا يوم البعث والنشور

اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن عين لا تدمع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعاء لا يسمع

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.201.

والحمد لله رب العالمين

1439-1-19 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

3 + 7 =

/500
جديد الخطب الكتابية