الأخوة في الله

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 30 شهر رمضان 1434هـ | عدد الزيارات: 3280 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله الذي جعل المؤمنين إخوة وشرع بموجب هذه الأخوة لبعضهم على بعض حقوقاً واجبة ومستحبة ونهى عن كل ما يضعف هذه الأخوة أو يقطعها من الأقوال والأفعال الذميمة، أحمده على نعمه التي لا تعد ولا تحصى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بين ما يجب للمسلم على أخيه المسلم وأوصى بالتزام ذلك لما يترتب عليه من مصالح الدنيا والآخرة صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين ضربوا أروع الأمثلة للأخوة الصادقة فكانوا كالجسد الواحد وكالبنيان الواحد يشد بعضه بعضا وسلم تسليماً .

أما بعد

عباد الله: اتقوا الله وامتثلوا أمر ربكم يقول الله سبحانه وتعالى "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب"المائدة:2 ويقول تعالى "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض" التوبة:71. ويقول تعالى "إنما المؤمنون إخوة"الحجرات:10. وعن أبي موسى رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً وشبك بين أصابعه"متفق عليه. من هذه النصوص يا عباد الله ندرك ما ينبغي أن يكون عليه المسلم نحو أخيه المسلم إنها أخوة أعظم من أخوة النسب، أخوة تجمع بين المسلمين وإن تباعدت أقطارهم ونأت ديارهم أخوة توجب التناصح والتناصر والتواصي بالحق والصبر عليه أخوة تمنع المسلم أن يغش أخاه المسلم أو يخدعه أو يؤذيه بأي أذى في دمه أو ماله أو عرضه فقد قال الله تعالى "والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبينا"الأحزاب:58.

إن الله سبحانه قد رسم لهذه الأخوة طريقاً تسير عليه يثبت قواعدها وينمي ثمراتها ويدفع كل ما يتنافى معها أو يقف في طريقها وفي سورة الحجرات ما يوضح هذا النهج الرباني فهو سبحانه قد أمر بالتثبت حينما ينقل إلينا خبر سيء عن فرد أو جماعة من المسلمين فلا نتعجل بقبوله حتى نعلم مدى صحته لقوله تعالى "يا أيها الذين ءامنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهاله فتصبحوا على ما فعلتم نادمين"الحجرات:6. ثم يأمرنا سبحانه بحسم النزاع خصوصاً عندما يكون النزاع مسلحاً لئلا تذهب فيه أرواح بريئة وتراق فيه دماء معصومة وإن مثل هذا النزاع يحسم بأحد أمرين الإصلاح وذلك بالقضاء على أسبابه وإزالة آثاره أو التأديب للفئة المعتدية التي لا تقبل الصلح والوقوف بجانب الفئة المعتدى عليها يقول تعالى "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين*إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون"الحجرات:9-10 ثم أنه سبحانه ينهى المسلم أن يسخر ويحط من قدر المسلم وقدر المسلم عند الله عظيم ثم ما يدريك لعل هذا الذي سخرت منه خير منك عند الله فتكون قد حقرت ما عظم الله قال تعالى "يا أيها الذين ءامنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن"الحجرات:11. فالسخرية لا تقع إلا من قلب ممتلئ من مساوئ الأخلاق ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم" رواه البخاري ومسلم ، ثم نهى سبحانه عن تلمس العيوب للمسلم وإعلانها على الناس ونهى سبحانه عن تعيير المسلم بلقب يكرهه لأن ذلك مما يسئ إلى المسلم ويورث العداوة وربما يسبب الرد بالمثل فيكون الإنسان قد جنى على أخيه وجنى على نفسه قال تعالى "ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب "الحجرات:11. واعتبر ذلك فسوقاً وظلماً ممن لم يتب منه فقال "بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون"الحجرات:11. ثم نهى سبحانه عن سوء الظن بالمسلم ما لم يتبين منه ما يوجب ذلك فإن الأصل في المسلم العدالة والخيرية وسوء الظن به يسبب الابتعاد عنه وعداوته وبغضه وهذا يتنافى مع الأخوة الإيمانية قال تعالى "يا أيها الذين ءامنوا اجتنبوا كثيراًمن الظن إن بعض الظن اثم "الحجرات:12. ونهى سبحانه عن البحث عن عورات المسلم وتطلب عثراته التي قد سترها الله عليه لأن في البحث عنها إشاعة للمنكر وتشويهاً للمجتمع المسلم وزعزعة للثقة بين المسلمين فقال تعالى "ولا تجسسوا "الحجرات:12. كما نهى سبحانه عن الغيبة وهي ذكرك أخاك بما يكره في حال غيبته لأن في ذلك انتهاكاً لحرمته وتدنيساً لعرضه وخيانة له في غيبته ثم ذكر سبحانه مثلاً منفراً للطباع فالذي يغتاب أخاه كالذي يأكل لحمه وهو ميت قال تعالى "ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه "الحجرات:12. فكيف يكره أكل لحمه ميتاً ويأكل لحمه حياً.

عباد الله: هذا نموذج مما رسمه الله لمسار الأخوة بين المسلمين وما ينبغي أن يكون عليه مجتمعهم وكم في كتاب الله وفي سنة رسوله حول هذا الموضوع من الأوامر والنواهي التي لو راعاها المسلمون وعملوا بمقتضاها في عصرنا هذا لسادوا العالم كله وقادوه كما ساده وقاده صدر هذه الأمة كما قال تعالى: كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله آل عمران:110.

هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيماً لشانه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً .

أما بعد

عباد الله: اتقوا الله تعالى واعلموا انه لا يكمل إيمان المرء حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه وأقل درجات الأخوة أن يعامل أخاه بما يحب أن يعامله به ولا شك أنك تنتظر من أخيك أن يستر عورتك وأن يسكت عن مساويك فكيف تنتظر منه مالا تفعله معه إنك لا ترضى أن يصدر من أخيك أدنى إساءة في حقك فكيف ترضى أن تسيء إليه إنك تنتظر من أخيك أن يصدق معك في المعاملة ولا يخدعك ولا يغشك فكيف تعامله بضد ذلك إنك إذا طلبت من إخوانك أن ينصفوك من أنفسهم وأنت لا تنصفهم من نفسك دخلت في قوله تعالى: ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون المطففين:1-3.

إن دين الإسلام يحرم المضارة بالمسلم والتعدي على حقوقه ففي مجال بيعه وشرائه يحرم النجش عليه وهو أن يزيد عليه في السوق من لا يريد شراء السلعة بل يريد رفع قيمتها عليه ويحرم البيع على بيعه فإذا باع سلعه فلا يجوز لآخر أن يقول للمشترى منه اتركها وأنا أبيعك مثلها بثمن أقل

ويحرم الإسلام الخطبة على خطبة المسلم فإذا خطب امرأة فلا يجوز لآخر أن يخطب تلك المرأة حتى يتركها الخاطب الأول أو يرد ويحرم الإسلام تخبيب المرأة على زوجها أي إفسادها عليه حتى تطمح عنه أو تنفر منه وحتى تسيء خلقها حتى يطلقها قال صلى الله عليه وسلم "ليس منا من خبب امرأة على زوجها أو عبداً على سيده"رواه أبو داود وصححه الألباني ، وعن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أيما امرأة سألت زوجها طلاقها من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة " رواه أبو داود وصححه الألباني .

فاتقوا الله عباد الله وراعوا إخوانكم واحفظوا حقوقهم

هذا وصلوا على نبيكم كما أمركم إلهكم وخالقكم بذلك في محكم كتابه بقوله "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما"الأحزاب:56. وقال عليه الصلاة والسلام من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا.رواه مسلم.اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين وأعل بفضلك كلمة الحق والدين وانصر المظلومين في كل مكان وانصر من نصرهم واخذل من خذلهم وعاد من عاداهم ووال من والاهم واجمع شمل المسلمين على كلمة التوحيد وأوقف نزيف دمائهم اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان اللهم من أرادهم بسوء فاجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميراً له اللهم ولِّ على المسلمين خيارهم واكفف عنهم شرارهم اللهم كن لإخواننا في سوريا وانصرهم على النصيرية والرافضة، اللهم اجمع شمل المسلمين في فلسطين وانصرهم على اليهود وطهر الأقصى من دنسهم اللهم فك أسر المأسورين واغفر ذنب المذنبين واقبل توبة التائبين اللهم لا تدع لنا في هذا المقام من ذنب إلا غفرته ولا هماً إلا فرجته ولا كرباً إلا نفسته ولا ديناً إلا قضيته ولا مريضاً إلا شفيته ولا أيماً إلا زوجته ولا ضالاً إلا هديته ولا حاجة من حوائج الدنيا هي لك رضا ولنا صلاح إلا اعنتنا على قضائها ويسرتها لنا واغفر اللهم لنا ولوالدينا ووالدي والدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين .

عباد الله: اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.العنكبوت:45.

28 - 9 - 1434هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

3 + 2 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي