العشر الأواخر من رمضان

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 30 شهر رمضان 1434هـ | عدد الزيارات: 1854 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله الذي وفق برحمته من شاء من عباده فعرفوا أقدر مواسم الخيرات وعمروها بطاعة الله وخذل من شاء بحكمته فعميت منهم القلوب والبصائر وفرطوا في تلك المواسم فباؤا بالخسائر وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العزيز الحكيم القاهر وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أقوم الناس بطاعة ربه في البواطن والظواهر صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً .

أما بعد

عباد الله: اعلموا أن الله تعالى " جعل الليل والنهار خِلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا " الفرقان 62 ، فهما خزائن الأعمال ومراحل الآجال يودعها الإنسان ما قام به فيها من عمل ويقطعها مرحلة مرحلة حتى ينتهي به الأجل فانظروا رحمكم الله ماذا تودعونها فستجد كل نفس ما عملت وتعلم ما قدمت وأخرت في يوم لا يستطيع به الخلاص مما فات " يُنبؤ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر * بل الإنسان على نفسه بصيرة * ولو ألقى معاذيره " القيامة 13-15 .

عباد الله: لقد قطعتم الأكثر من شهر الصيام ولم يبق منه إلا اليسير من الليالي والأيام فمن كان منكم قام بحقه فليتم ذلك وليحمد الله عليه وليسأله القبول ومن كان منكم فرط فيه وأساء فليتب إلى ربه فباب التوبة مفتوح غير مقفول.

أيها الناس: إنكم في العشر الأواخر من هذا الشهر الكريم فاغتنموه بطاعة الله المولى العظيم أحسنوا في أيامه الصيام ونوروا لياليه بالقيام واختموه بالتوبة والإستغفار وسؤال الله العفو والعتق من النار كم من أناس تمنوا إدراك هذه العشر فأدركهم المنون فأصبحوا في قبورهم مرتهنين لا يستطيعون زيادة في صالح الأعمال ولا توبة من التفريط والإهمال وأنتم أدركتموها بنعمة من الله في صحة وعافية فاجتهدوا فيها بالعمل الصالح والدعاء لعلكم تصيبون نفحة من رحمته تعالى فتسعدوا في الدنيا والآخرة

عباد الله: لقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم يعظم هذه العشر ويخصها بالاعتكاف في المسجد تفرغاً لعبادة ربه وتحرياً لليلة القدر التي قال الله عنها في كتابه "ليلة القدر خير من ألف شهر"القدر:3. ومعنى ذلك أنها خير من ثلاثين ألف ليلة أو قريباً منها ، خير منها في بركتها وما يفيض فيها المولى الكريم على عباده من الرحمة والغفران وإجابة الدعاء وقبول الأعمال

فاجتهدوا عباد الله في طلبها كما كان نبيكم صلى الله عليه وسلم يفعل فإنه كان إذا دخلت العشر شد مئزره واحيا ليله بعبادة ربه، نعم كان يفعل ذلك وهو الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وهو أتقى الناس وأخشاهم لله تعالى فكيف بنا نحن المفرطين المذنبين

فاجتهدوا عباد الله في طلب تلك الليلة الشريفة المباركة وتحروا خيرها وبركتها بالمحافظة على الصلوات المفروضة وكثرة القيام وأداء الزكاة وبذل الصدقات وحفظ الصيام وكثرة الطاعات واجتناب المعاصي والسيئات والبعد عن العداوة بينكم والبغضاء والمشاحنات فإن الشحناء من أسباب حرمان الخير في ليلة القدر فقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليخبر أصحابه بليلة القدر فتلاحى رجلان من المسلمين أي تخاصما وتنازعا فرفعت بسبب ذلك

واحرصوا على قيام الليل مع الإمام في أول الليل وآخره وإذا قمتم من منامكم فقولوا الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور واذكروا الله وادعوه وتطهروا وافتحوا القيام بركعتين خفيفتين امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم واتباعاً له ولتحل عنكم عقد الشيطان التي يعقدها فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ فَإِنْ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ.رواه البخاري ومسلم.

هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيماً لشانه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً .

أما بعد

أطيلوا قيام الليل وأطيلوا القراءة وتدبروها وأطيلوا الركوع والقيام بعده وأطيلوا السجود والجلوس بين السجدتين واجعلوا القيام بعد الركوع والجلوس بين السجدتين مقارباً للركوع والسجود

قال البراء بن عازب رضي الله عنه كان ركوع النبي صلى الله عليه وسلم وسجوده وإذا رفع رأسه من الركوع وبين السجدتين قريباً من السواء

أكثروا في الركوع من تعظيم الله عز وجل بقول سبحان ربي العظيم وغيرها مما ورد وأكثروا من تحميد لله والثناء عليه في القيام بعد الركوع حتى يكون مقارباً للركوع

وأكثروا من الدعاء في السجود بعد قول سبحان ربي الأعلى وغيرها مما ورد فدعاء الله في السجود حري بالإجابة وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد وأكثروا من الدعاء في الجلوس بين السجدتين حتى يكون مقارباً للسجود

وأحضروا قلوبكم في صلواتكم فرضها ونفلها وأخلصوا في دعائكم وألحوا على ربكم فإنه يحب الملحين في الدعاء لجوده وكرمه قال تعالى "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون"البقرة:186

وفقني الله وإياكم لما فيه الخير والصلاح وسدد خطانا على طريق الحق والصواب إنه جواد كريم وبالإجابة جدير.

هذا وصلوا على نبيكم كما أمركم إلهكم وخالقكم بذلك في محكم كتابه بقوله "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما" الأحزاب:56. وقال عليه الصلاة والسلام من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا.رواه مسلم. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين وأعل بفضلك كلمة الحق والدين وانصر المظلومين في كل مكان وانصر من نصرهم واخذل من خذلهم وعاد من عاداهم ووال من والاهم واجمع شمل المسلمين على كلمة التوحيد وأوقف نزيف دمائهم اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان اللهم من أرادهم بسوء فاجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميراً له اللهم ول على المسلمين خيارهم واكفف عنهم شرارهم، اللهم فك أسر المأسورين واغفر ذنب المذنبين واقبل توبة التائبين اللهم لا تدع لنا في هذا المقام من ذنب إلا غفرته ولا هماً إلا فرجته ولا كرباً إلا نفسته ولا ديناً إلا قضيته ولا مريضاً إلا شفيته ولا أيماً إلا زوجته ولا ضالاً إلا هديته ولا حاجة من حوائج الدنيا هي لك رضا ولنا صلاح إلا اعنتنا على قضائها ويسرتها لنا واغفر اللهم لنا ولوالدينا ووالدي والدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين

عباد الله: اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.العنكبوت:45.

28 - 9 - 1434هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 7 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي