ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮﻗﻊ

فضل العشر الأواخر من رمضان

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 20 شهر رمضان 1438هـ | عدد الزيارات: 1602 القسم: خطب الجمعة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد .أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسلما.

أما بعد، عباد الله ؛

أوصيكم بمراقبة الله في السر والعلانية، والغيب والشهادة، واعلموا يا رعاكم الله أن الله تعالى هو المتفرد بالخلق والاختيار؛ كما قال الله تعالى (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ) القصص 68

والمراد بالاختيار هو الاصطفاء والاجتباء، فالله جلّ وعلا لكمال حِكْمته وقُدرته، وتمام علمه وإحاطته يختار لخلقه ما يشاء من الأوقات والأمكنة، فيخصهم سبحانه وتعالى بمزيد فضله وجزيل عنايته، ووافر إنعامه وإكرامه، وهذا من أعظم صفات كماله، ومن أبين الأدلة على كمال قدرته وحِكْمته، وأنه جلّ وعلا يخلق ما يشاء ويختار، وأن أزمّة الأمور بيده، فلله الأمر من قبل ومن بعد، يقضي في خلقه ما يشاء، ويحكم فيهم ما يريد؛ (فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) الجاثية 36 - 37

عباد الله

إن مما خصَّ الله عزّ وجل من الأوقات بمزيد فضله، ووافر كرمه شهر رمضان المبارك؛ حيث فضله على سائر الشهور، والعشر الأواخر من لياليه فضَّلها على سائر الليالي، وليلة القدر جعلها خيراً من ألف شهر، وأعلى شأنها، ورفع مكانتها حيث أنزل فيها وحيه المبين هدىً للمتقين، وضياءً ورحمة؛ (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) القدر 1 - 5

فما أعظم هذه الليلة، ليلة واحدة خير من ألف شهر، وألف شهر يزيد على ثلاثة وثمانين عاماً، فهو عمر طويل لو قضاه المسلم كله في طاعة الله عزّ وجل، وهذا فضل عظيم وإنعام كريم.

عباد الله ؛

في هذه الليلة المباركة يكثر تنزل الملائكة؛ لكثرة بركتها وعِظم خيرها، وهي سلام حتى مطلع الفجر؛ فهي خير كلّها، ليس فيها شر إلى مطلع الفجر، وفي هذه الليلة المباركة (يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) الدخان 4 ؛ أي يقدر فيها ما يكون في تلك السنة بإذن الله الحكيم؛ أي التقدير السنوي، وأما التقدير العام في اللوح المحفوظ، فهو متقدم على خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، كما صحت بذلك الأحاديث، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل ليلة القدر أنه قال " مَن قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ" رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه .

عباد الله ؛

ليلة القدر تكون في العشر الأواخر من شهر رمضان؛ لقوله صلى الله عليه وسلم "التَمِسُوها في العَشرِ الأواخِرِ مِن رمضانَ،" رواه البخاري ومسلم ، وطلبها في أوتار الشهر آكد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم "اطلبوها في العشر الأواخر في ثلاث يبقَين أو سبع يبقين أو تسع يبقين" صححه الألباني.

أيها الإخوة

إن الحكمة من إخفائها وعدم تعيينها في النصوص أن يجتهد المسلمون في جميع العشر بطاعة الله جلّ وعلا بالتهجُّد وقراءة القرآن والإحسان، وليتبين بذلك النشيط والمجد في طلب الخيرات من الخامل الكسلان، ولأن الناس لو علموا عينها، لاقتصر أكثرهم على قيامها دون سواها

أيها الأحبة

إن الواجب علينا أن نحرص تمام الحرص على طلب هذه الليلة المباركة؛ لنفوز بثوابها ولنغنم من خيرها، ولنحصل على أجورها، فإن المحروم مَن حُرِم الثواب، ومن تمرُّ عليه مواسم المغفرة، ويبقى محمَّلاً بذنوبه؛ بسبب غفلته وإعراضه وعدم مبالاته ، فطوبى لمن نال فيها سبق الفائزين، وسلك فيها بالقيام والعمل الصالح سبيل الصالحين.

أيها الناس ؛ من لم يربح في هذه الليلة المباركة ففي أي وقت يربح، ومن لم يُنب إلى الله في هذا الوقت الشريف، فمتى يُنيب، ومن لم يزل متقاعساً فيها عن الخيرات، ففي أي وقت يعمل ، فاجتهدوا رحمكم الله في طلب تلك الليلة الشريفة، وتحروا خيرها وبركتها بكثرة القيام، وبذل الصدقات، وكثرة الطاعات واجتناب المعاصي والسيئات، والندم والتوبة من الذنوب والخطايا، والإكثار من ذكر الله وقراءة القرآن، والدعاء؛ وليتخير من الدّعاء أجمعه؛ روى الترمذي، وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها قالت :"قلتُ: يا رسولَ الله، أرأيتَ إنْ علمتُ أيَّ ليلةٍ ليلةُ القدْر؛ ما أقول فيها؟ قال: قولي: اللَّهُمَّ إنَّك عفُوٌّ تحبُّ العفوَ، فاعفُ عنِّي" صححه الألبانيُّ في صحيح سنن الترمذي، فإن هذا الدعاء عظيم المعنى عميق الدلالة.

هذا وأستعفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين

أما بعد، عباد الله

أوصيكم بتقوى الله والاجتهاد في طاعته والسعي في التقرُّب إليه بما يحب من صالح الأعمال، ولا سيَّما ونحن نعيش هذه الأيام الفاضلة والليالي المباركة، نعيش أوقات شريفة، وسنعيش قريباً بإذن الله العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك.

فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخص هذه العشر بالاجتهاد في العمل أكثر من غيرها، كما في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها : " كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَجْتَهِدُ في العَشْرِ الأوَاخِرِ، ما لا يَجْتَهِدُ في غيرِهِ" ، وعنها قالت :"كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وأَحْيَا لَيْلَهُ، وأَيْقَظَ أهْلَهُ." رواه البخاري.

هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله على إمام الصائمين وقدوة القائمين، وقائد الغُرِّ المحجَّلين محمد بن عبدالله؛ كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)الأحزاب 56، وعن ابي هريرة رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مَن صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى اللهُ عليه بها عَشْرًا) رواه مسلم .

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، وانصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم انصر إخواننا المظلومين في كل مكان، اللهم اربط على قلوبهم، وثبِّت أقدامهم واحفظهم يا ذا الجلال والإكرام

اللهم عليك بأعدائك أعداء الدين؛ فإنهم لا يعجزونك، اللهم مزقهم شر ممزق

اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المسلمين، ونفِّس كرب المكروبين، واقضِ الدَّين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين

اللهم وفِّق ولي أمرنا لما تحب وترضى، وأعنه على البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، وارزقه البطانة الصالحة يا حي يا قيُّوم، اللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين للعمل بكتابك، واتباع سنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم واجعلهم رحمة على عبادك المؤمنين

اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها، اللهم أصلح ذات بيننا، وألِّف بين قلوبنا، واهدنا سبل السلام، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقواتنا أبداً ما أحييتنا

اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، ودنيانا التي فيها معاشنا، وآخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر، اللهم إنا نسألك الهدى والسداد والتقى والعفة والغنى، اللهم رحمتك نرجوا، فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، وأصلح لنا شأننا كله اللهم أنصر جنودنا على الحوثيين في الحد الجنوبي

اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أسرفنا وما أنت أعلم به منَّا، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت، اللهم اغفر ذنوب المذنبين من المسلمين وتب على التائبين، اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات؛ الأحياء منهم والأموات.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

1438/9/19 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

1 + 2 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي