فضل العشر الأول من ذي الحجة 2

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 28 ذو القعدة 1442هـ | عدد الزيارات: 724 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله الذي سهل لنا طريق السعادة ، ووعدنا بجزيل الجزاء في العاجلة والآجلة ، وأشهد أن لا إله إلا الله جعل للطاعات مواسم، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خصه بالحكمة وجوامع الكلم، أرسله رحمةً للعالمين، وحجة على العباد أجمعين، وبعد:

أيها المسلمون:

إن الأيام العشر من ذي الحجة موسم من مواسم الطاعات والخيرات، فيها يتنافس المتنافسون، حتى عدت هذه الأيام من أفضل أيام الدنيا، لما تضمنته من فضائل، ومن أجل ذلك كان العلماء والفضلاء يتنافسون في أعمال البر والإحسان، ومما يدل على فضلها ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما العَمَلُ في أيَّامٍ أفْضَلَ منها في هذه، قالوا: ولا الجِهادُ؟ قالَ: ولا الجِهادُ، إلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخاطِرُ بنَفْسِه ومالِه، فلَمْ يَرْجِعْ بشَيءٍ. "،أخرجه البخاري ، ويكفي في فضلها أن الله أقسم بها وهو سبحانه لا يقسم إلا بعظيم من خلقه قال تعالى ﴿ وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ [الفجر: 1، 2]

أيها المسلمون:

لقد تضمنت هذه الأيام العظيمة يومَ عرفة، ففي هذا اليوم الأغر يجتمع الحجاج من كل أنحاء العالم، وأصقاع البلاد يلبسون زياً واحداً ويلبون تلبية واحدة، ويتحقق فيهم قوله سبحانه ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ[الحجرات: 10] فلا فرق بين أعجمي ولا عربي، ولا فضل لأبيض على أسود إلا بالتقوى ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات: 13]، ولفضل هذا اليوم قال رسولنا الخليل "الحج عرفة"صححه الألباني ، وبين أن صيامه لغير الحاج يكفر الذنوب وتعتق في هذا اليوم الرقاب، فعن عَائِشَةَ - رضي الله عنها - أن رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما مِن يَومٍ أَكْثَرَ مِن أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فيه عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِن يَومِ عَرَفَةَ، وإنَّه لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بهِمِ المَلَائِكَةَ، فيَقولُ: ما أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟"،رواه مسلم فبادروا - رحمكم الله- إلى صيامه، واغتنام أوقاته، بما ينفع ويفيد، ويدخر لما بعد الموت ولا يبيد، ومن أفضل الأعمال في العشر الأواخر الحج ، وقد بين الله أن الحج فرض على كل من استطاع إليه سبيلا قال تعالى:

﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ[آل عمران: 97]. والاستطاعة تفسر بالقدرة المادية والبدنية، مع وجود المحرم للمرأة، ويكفي في فضل الحج ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة"،أخرجه البخاري، وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "تابِعوا بينَ الحجِّ والعمرةِ ، فإنَّهما ينفِيانِ الفقرَ والذُّنوبَ ، كما ينفي الْكيرُ خبثَ الحديدِ والذَّهبِ والفضَّةِ وليسَ للحجِّ المبرورِ ثوابٌ دونَ الجنَّةِ"،أخرجه النسائي وصححه الألباني والواجب على المسلم أن يتفقه في أمور دينه حتى يؤدي حجه ونسكه بما يوافق هدي النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه قد يقع في المحظور وهو لا يدري مثل أن يقف خارج حدود عرفة، أو يأتي عرفة بعد خروج وقتها، أو يجامع قبل التحلل الثاني فيفسد حجه، أو ربما قطع شجرا أو قتل صيدا، وقد أمرنا الله أن نسأل أهل العلم فيما أشكل علينا أو اشتبه أمره علينا.

ومن الأعمال الصالحة في هذه الأيام المباركة التكبيرالمطلق وهو مشروع من أول الشهر إلى نهاية اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة؛ لقول الله سبحانه ﴿ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ[الحج: 28]، وأما المقيد ففي أيام التشريق عقب الصلوات المكتوبات، والحاج يلبي حتى يرمي جمرة العقبة الكبرى صبيحة يوم النحر، وصيغة التكبير (الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد).

ومن الأعمال الصالحة تلاوة كتابه ، وقد جعل الله فيه الشفاء والرحمة والهداية والنور ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ [الإسراء: 82] وقال تعالى ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ[الإسراء: 9]، وعن عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ‏"‏الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران‏"‏‏‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏‏‏.‏ وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ‏"منْ قرأَ حرفًا من كتابِ اللهِ فله به حسنةٌ ، والحسنةُ بعشرِ أمثالِها لا أقولُ آلم حرفٌ ، ولَكِن ألِفٌ حرفٌ، ولامٌ حرفٌ، وميمٌ حرفٌ"‏‏‏رواه الترمذي وصححه الألباني.

فبادروا رحمكم الله إلى استغلال الفرص، وتحين الأوقات الفاضلة، وخاصة في أيام العشر، وفي الأيام العشر يوم النحر هذا اليوم العظيم من أيام الله - تعالى - هو أفضل أيام السنة على الإطلاق لأنه جمع بين أنواع العبادة ؛ كما جاء في حديث عبدالله بن قُرْطٍ - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ أَعْظَمَ الأَيَّامِ عِنْدَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمُ النَّحْرِ"؛ رواه أبو داود وصححه الألباني . وبعده أيام التشريق، وهي أيام الذِّكر والأكل؛ كما في حديث نُبَيْشَةَ الهُذَلِيِّ - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ، وَشُرْبٍ، وَذِكْرٍ لله"رواه مسلم .

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي وفق من أخلص الطاعة لربه، وأشهد أن لا إله إلا الله أرشد عباده إلى التوبة، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير من أدى مناسك الحج وجاهد في الله حق جهاده، وعلى آله وأصحابه الداعين والسالكين طريق الهدى والمقتفين دعوته، وبعد:

أيها المسلمون:

شرع الله تبارك وتعالى لنا الأضاحي ليتقرب العباد إلى ربهم، ويتصدقوا بلحومها على الفقراء والمحتاجين، وليقتدوا بسنة نبي الله إبراهيم، وفيها مواساة للفقراء،وإعانة البؤساء، وتطهيرا لمرض البخل وإزالة داء الشحناء، قال تعالى ﴿ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ [الحج: 37].

ومن الأمور الواجبة لمن أراد أن يضحي أن لا يأخذ من شعره أو أظفاره في تلك العشر الأوائل، فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مَن كانَ له ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ فإذا أُهِلَّ هِلالُ ذِي الحِجَّةِ، فلا يَأْخُذَنَّ مِن شَعْرِهِ، ولا مِن أظْفارِهِ شيئًا حتَّى يُضَحِّيَ."، رواه مسلم والحكمة من ذلك أن يشارك الحجاج في بعض مناسكهم وأعمالهم لئلا يغيب عن خاطره عظمة تلك الأيام.

هذا وصلوا على الخليل المختار، خيرِ من استغفر في الأسحار.اللهم صل على نبينا محمد، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ، اللهم أصلح فساد قلوبنا وتوفنا وأنت راضٍ عنَّا ، اللهم من أرادنا وديننا وديارنا بسوء فاجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميره وأشغله بنفسه ، ومن أرادنا وديننا وديارنا بخير فوفقه إلى كل خير ، اللهم احفظ ولاة أمورنا من كل مكروه وسوء وهيء لهم البطانة الصالحة التي تعينهم على ماهم عليه من حمل ثقيل، وانصر اللهم جندنا في الحد الجنوبي على عدوك وعدوهم ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسن وقنا عذاب النار ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

1442/11/28هـ


التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 7 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي